الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رجال بلا ذاكرة..

رجال بلا ذاكرة..
3 يونيو 2009 23:55
المترجمون الذين يرافقون الرؤساء والملوك وكبار الشّخصيّات السّياسيّة، ويحضرون جلساتهم مع نظرائهم، يحتفظون بالكثير من الأسرار الهامّة التي لا يبوحون بها لأحد. هم يغنمون مالا وفيرا مقابل عملهم الدّقيق في التّرجمة بين الشّخصيّات السّياسيّة الكبيرة، ولكن إذا ما أنهوا عملهم فإنّهم يطبّقون القاعدة: «لم أر، ولم أسمع شيئا»، بل إنّ الأسرار التي ائتمنوا عليها تبقى في صدورهم الى يوم مماتهم، ويرحلون من الدّنيا دون أن يكون لهم الحقّ يوما في تدوين تلك الأسرار أو نشرها حفاظا على شرف المهنة. إنّ دور المترجمين الذين يحضرون المحادثات والاجتماعات يقف عند حدّ نقل ما يسمعونه من ملك أو رئيس إلى ملك أو رئيس آخر بحضور الاثنين، وعليهم أن ينسوا بسرعة كلّ ما سمعوه ونقلوه. هم رجال بلا ذاكرة. تراهم يجلسون بين نيكولا ساركوزي مثلا والعقيد معمّر القذّافي، أو بين أوباما ورجب طيب أردوغان، ويحضرون جلساتهم التي تعقد على انفراد، ويتولّون التّرجمة بينهم، ويحتفظون في صدورهم بكلّ الأسرار التي تصنّف ضمن: «أسرار الدّولة»، ولا يحقّ لهم تسريبها أو حتّى التّلميح إليها، أو البوح بها لأحد، وغالبا ما يحاول الصّحافيّون الاقتراب من هؤلاء المترجمين على أمل أن يقتلعوا منهم بعض الأخبار أو الأسرار، ولكن دون جدوى... وحتّى عند نشر صور اللّقاءات بين الكبار، يتمّ حذف صور المترجمين، وهم جالسون بين الرّئيسين أو خلفهما. إذا كان الملك او الرئيس متجهما فالمترجم يجب هو أيضا أن تكون قسمات وجهه تميل إلى التجهم، وإذا كان الرئيس مبتسما منشرحا فالمترجم يجب أن تبدو عليه علامات الانشراح. ووزارة الخارجيّة الفرنسيّة تتوفّر على كوكبة مختارة من المترجمين من ذوي الأصول العربيّة، وهم عموما يحملون الجنسيّة الفرنسيّة ليتولّون التّرجمة بين المسؤولين الفرنسيّين والعرب عند اللّقاءات بينهم، ولكنّ الرّؤساء قد يكون لهم مترجموهم الخاصّون، وقد يفضّلون هذا المترجم أو ذاك. عمل محمّد علي بن يدّر ـ وهو تونسي ـ مترجما سنوات طويلة لدى الرّئيس الفرنسي الرّاحل فرانسوا ميتران ومع سلفه الرّئيس فاليري جيسكار ديستان. يقول متحدّثا عن أسرار هذه المهنة: «يجب على المترجم أن يكون قادرا على أن يكون جاهزا للسّفر في ظرف ربع ساعة بعد تلقّيه مكالمة هاتفيّة، فبعض اللّقاءات السياسية الكبرى تبقى سريّّة إلى آخر لحظة، وأحيانا يتقرّر عقدها خلال فترة زمنيّة وجيزة». ويتذكّر بن يدّر أنّ القناة الثّانية الفرنسيّة طلبت منه ذات مرّة القدوم على عجل ليتولّى ترجمة حديث لها مباشر مع العقيد معمّر القذّافي. يقول: «كانت السّاعة آنذاك تشير إلى السّابعة وخمس وعشرين دقيقة، ويجب أن أكون في الاستوديو على السّاعة السّابعة وأربعين دقيقة، والحديث التّلفزيوني سيتمّ إجراؤه وبثّه مباشرة أثناء نشرة الأخبار الرّئيسيّة في الثّامنة ليلا». مهمة صعبة وعملية النقل من لسان الى لسان آخر تتطلب المعرفة الدقيقة لمدلول كل كلمة كما يتطلب التكوين النحوي الصحيح في اللغتين والملكة اللغوية، فالترجمة ليست عمل بداهة وارتجال وانما هي عمل يقتضي الروية خاصة اذا تعلق الامر بالمسائل السياسية والادبية ايضا. والمترجم الناجح يكون ملما بدقائق مدلولات المفردات وهو ما يساعده على اختيار المفردة الاوفق للمعنى المقصود، وعملية الترجمة عند ما يتعلق الأمر بالملوك والرؤساء فانه يجب تجنب التصرف والوفاء للمعنى المطلوب منه نقله إلى اللسان الاخر وفاء كليا، وقد تجلى ذلك ـ على سبيل المثال ـ أثناء زيارة نيكولا ساركوزي الأخيرة إلى سوريا، فقد كانت المترجمتان السوريتان اثناء الندوة الصحفية التي بثت على الهواء مباشرة نموذجا في ترجمتهما للإتقان والدقة والتمكن من اللغتين تمكنا كاملا. ترجمة الصمت إنّ ترجمة خطب أو محادثات ـ حسب ما جاء في شهادة بن يدرّ ـ للرّئيس الرّاحل فرنسوا ميتران ليس أمرا سهلا، فميتران أديب وكاتب يزن كلماته، فحين يصمت ميتران أو ديجول أثناء الحديث، فهذا الفراغ يحمل معنى مرتبطا بسياق حديثه، ومن الصّعب على المترجم نقل ذلك إلى الطّرف الحاضر الآخر، وعموما فإنّه من الصّعب التّرجمة لرجال السّياسة ورجال القانون.. واذا كان جاك شيراك يجيد اللغة الانجليزية لاقامته ردحا من الزمن في فترة شبابه بالولايات المتحدة الاميركية حتى انه كاد ان يتزوج من أميركية حسناء، فان نيكولا ساركوزي ضعيف في اللغة الانجليزية ولا بد له دائما من مترجم في لقاءاته الرسمية. ورغم ان الرئيس الفرنسي الحالي هو اقرب في سياسته الى الاميركيين من سلفه الا ان عائق اللغة كان حاجزا في في لقاءاته الاخيرة مع باراك اوباما. وكشفت تقارير صحفية ان ساركوزي كان ضعيفا في اللغة الانجليزية منذ ان كان تلميذا وطالبا، وهو يتلقى منذ مدة دروسا خصوصية لتحسين لغته الانجليزية، الا انه لم يتحسن كثيرا وخلافا له فزوجته ـ وهي ايطالية الاصول ـ تجيد ثلاث لغات هي الايطالية والفرنسية والانجليزية. بين السعادة.. والضمّ والمترجمون يقعون أحيانا في أخطاء أو زلاّت لسان. ويروى ان مترجما بولونيا كان مرافقا للرّئيس الأمريكي سابقا جيمي كارتر في زيارته الرّسميّة لفرصوفيا وقع في زلة لسان طريفة، ففي حين ان الجملة الواجب ترجمتها هي: «إنّي سعيد جدّا بلقائكم»، فان المترجم نقل المعنى هكذا: «أحبّ أن أضمّك بين ذراعيّ»، وإذا فشلت مفاوضات تجاريّة أو سقطت صفقة هامّة، فإنّه يقع تحميل المسؤوليّة للمترجم رغم أنّ المترجم محلّف وله ميثاق شرف لا بد من احترامه. يروي مراد بو لعراس ـ وهو مترجم تونسي ـ الحادثة التالية قائلا: «ذات عام، في اجتماع لمنظّمة الوحدة الإفريقيّة في برازافيل وصلت متأخّرا لقاعة الاجتماعات ولم يسمح لي جنود مكلفون بالحراسة بالدّخول. قلت لهم: «إنّي مترجم»، فأجابوني: لا يهمّ، فهناك آلات للتّرجمة». والمترجمون يحذقون عموما على الأقلّ ثلاث أو أربع لغات، وهم يتلقّون تكوينا علميّا خاصّا، فالتّرجمة الفوريّة لها تقنيّاتها وأصولها وآليّاتها، وتتطلّب تمارين كثيرة للوصول إلى إتقانها، فليس من اليسير أن تستمع إلى رجل سياسي يتكلّم بسرعة وتتولّى في الحين ترجمة حديثه ترجمة أمينة وسليمة، والمترجمون الذين يشتغلون لحسابهم الخاصّ يتمّ خلاصهم باليوم وحسب المقاييس المهنيّة المعمول بها في منظّمة الأمم المتّحدة للمترجمين العاملين معها، فإنّ يوم عمل للمترجم المحترف يتضمّن حصّتين اثنتين مدّة كلّ واحدة منها ثلاث ساعات مقابل أجر مجز جدّا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©