غزة.. «لعبة» مسرحية

تتميز الأعمال المسرحية التي تعرضها مؤسسة «أيام المسرح» بسرعة تلقيها من قبل المشاهد، نظراً لأنها تطرح قضايا تهم الشباب وتؤرقهم، فتجد صدى لديهم، وتجدهم يعيدون طرح الأسئلة بعد مشاهدتهم للعرض. ومسرحية «اللعبة» لا تشذ عن القاعدة، فمن يشاهدها يجد فهماً درامياً لعناصر الأداء والمؤثرات التي بدت واضحة جداً في مشاهد العرض، والتي عكست نضجاً متواصلاً في مسيرة عروض المؤسسة الأكثر وعياً بالمسرح البسيط كشكل فني ورسالة إنسانية عالمية. وبعيداً عن أي تأثيرات سطحية أو سرد ممل هناك حضور للإبداع والتجريب والمغامرة وكسر المألوف بل وارتكاب الخطأ والاستمتاع والفرح. هي تجربة جديدة لكل من شارك في إنتاج العمل الذي يجسد واقع وهموم الشباب في ظل الحصار الخانق الذي طال كافة مناحي الحياة اليومية للشعب الفلسطيني. يتبدى في هذا العمل الجهد الواضح على صعيد الإخراج، بدءاً من التعامل مع الممثل ووصولاً إلى البطولة الجماعية لفريق العمل كله. فقد تمكنوا عبر أدائهم من أن يشغلوا الخشبة، ويستخدموا قدراتهم في إعادة تكوين المشاهد باستمرار، مستفيدين من التشكيلات المتغيرة والحضور السريع بحيوية تشعرك أن حضور الممثلين ليس عائقاً أو زاحماً بصرياً؛ لأن ذلك يتطلب سيطرة المخرج على أداء الممثلين، وحركاتهم السريعة. وباستثناء نبرة الصوت التي كانت بحاجة إلى تدريبات أكثر، تميز العرض بصفة عامة. وتألق الأداء الجماعي على الخشبة المزينة بديكور بسيط لعب دور البطل، من خلال عمود الإنارة الذي يتوسط الخشبة في تجسيد لواقع غزة المعاش تحت تأثير انقطاع التيار الكهربائي. أما باقي الأدوات البسيطة مثل العربة والملابس المعلقة والكرتون والأحذية والسلاسل والكراسي الأميركية المصنوعة من «أصنبرصات السيارات» فكانت كلها كانت واقعية موضوعية تعيد إنتاج الأفكار بأكثر من حركة وتكوين ومعنى. أتى النص بحس تجريبي إلى حد ما، وقدم مكاشفة جميلة لهموم الشباب والصراع الذي يدور في أعماق بعض من يطمحون منهم إلى السفر، صراع بين حب الوطن والانتماء له والرغبة في الهجرة للعيش بواقع أفضل حالا.ً ولا نستطيع أن نهمل المؤثرات الصوتية وتوزيعات الإضاءة الرائعة التي كانت تجاري الممثلين في حيويتهم، فضلاً عن الموسيقى التي حملت بين ثناياها رسالة درامية كإثراء للنص. وقد تفاعل الجمهور مع المسرحية التي كتب نصها جاكي لوبيك، وأخرجها يان ويلمس، وقام بأداء الأدوار: علي مهنا، مراد مغاري، محمد الهسي أحمد الحواجري، أحمد سرحان، بهاء اليازجي، أحمد قدادة، وساعد في الإخراج رأفت العايدي. جدير بالذكر أن مؤسسة أيام المسرح يتم إدارتها من قبل الفنانة «جاكي لوبيك والمخرج الهولندي يان وليمز»، وتنشط منذ خمسة عشر عاماً في الأراضي الفلسطينية عملت خلالها على إنتاج مسرحيات لطلبة المدارس في مختلف أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة.