الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

د. حاتم الصكَر

د. حاتم الصكَر
3 يونيو 2009 23:59
يكتسب الأدب العربي المكتوب في المنافي أبعادا ومفردات جديدة ومتنوعة بعد أن طال أمد الغربة، وامتدت بها وبالمنفيين سنوات ماكانوا يقدّرون أنها ستطول، حتى أصبحوا رجالا من ثلج كما يختصر ذلك الروائي والشاعر اليمني المقيم في أميركا عبدالناصر مجلي في عنوان روايته الأخيرة «رجال الثلج» المكرّسة لحكايات يربطها سيناريو المنفى ومشاهده التي تميزت بالعنف منذ الصفحة الأولى من الفصل الأول التي تصور مقتل عبدالله: «حصار القتلة أتاه من كل اتجاه. كانوا أربعة. ترْكُه الباب مفتوحا كان سببا كافيا للقتل.. المال أو حياتك.. كانت كبيرة عليه تلك الجملة المتحدية...». وهكذا تنتهي صفحة الرواية الأخيرة: موت علي اليمني المهاجر إلى حي دكس في ميشيغان حيث تسكن غالبية المهاجرين اليمنيين، زوجته الأميركية ديبي التي لم تستطع حمايته من القتلة تحاول إسعافه وهو يتذكر وطنه البعيد وأصدقاءه ويبكي عمره الضائع ثم تهدأ حركته تماما. وبين هذين المشهدين: مقتل عبدالله وراء ماكنة النقود وموت علي متأئرا بضربات المراهقين في محطة البترول التي يعمل فيها ليلا، تتناثر مصائر المهاجرين المتجرعين ذات الكأس: عمل شاق وخطر الموت قتلا والضياع بين الشراب والمخدرات والحنين الجارف إلى وطن بعيد وأهل تلتمع وجوههم عند الموت دائما، وتكتمل مفردات المشهد بالعودة إلى حلم الهجرة ومسوغاتها المتنوعة: أملا في الثراء أو الحرية أو العمل أو الاكتشاف، أو الضجر من البطالة واليأس في الأوطان. لكن تأتي أخيرا الصدمة التي تقدمها الرواية بمباشرة وصراحة، متمثلةً بالموت الذي ينتظر أجساد المهاجرين المتعبة. كثير منهم يحاول التأقلم حتى وهو يستنجد بما قام به الأجداد: «نحن اليمنيين خبراء المنافي العظام وجياد التيه الكبير منذ أول الخليقة» وبجانبهم جماعات من (اللبنانيين والفلسطينيين والعراقيين والمصريين والمغاربة والجزائريين..) يشبهون أطفالا شابوا قبل الأوان، بفعل العناء والسهر والملذات الرخيصة التي تمتص أجسادهم وعقولهم. تصور الرواية بمبالغة شديدة مصائر حيوات لا رحمة فيها، قسوة تنهي حياتهم جنونا وعوزا وذلا، وموتا في غالب الأحيان. الحلم الأميركي مقتلة لا نجاة منها، هكذا تنتهي حياة علي لحظة موته التي يرصدها عبر هدوء جسده، وأطياف من الصور والذكريات تنثال في لا وعيه. لا تنسى رواية عبدالناصر مجلي وهو (يمني أميركي مقيم في الولايات المتحدة) بحسب بطاقة تعريفه في الكتاب، أن تلم بالقصة كلها، وهي متن غير مسرود، البطالة والحلم بالهجرة، الضياع في المنفى، والموت اللابد في الزوايا، وحياة الليل التي تستهلك عمره، وأمراض المنفى الممكنة، والبرد الذي يغدو ثلجا يحيط برجال الرواية كلهم. دوما ثمة حبل سري يربط المنفي بالوطن، يزوره بين آن وآخر فتزداد حالة فصامه ويتجسم جحيم المنفى بحدة تسهم الرواية في التقاط أكثر مناظره وحشية ودمارا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©