الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«ملائكة وشياطين» يكفّر عن خطايا «شفرة دافنشي»!

«ملائكة وشياطين» يكفّر عن خطايا «شفرة دافنشي»!
4 يونيو 2009 00:04
البروفسور والشرطة الإيطالية مطاردة شرسة للمستنيرين للمرة الثانية يلقي المخرج رون هاوارد بشباكه الإخراجية في إحدى روايات دان براون المحفوفة بالألغاز والرموز والنظريات والأوهام المختلطة بالحقيقة كي يثير الشكوك والتكهنات ــ ولكن بحذر ومرونة هذه المرة ــ حول الثوابت الدينية والعقائدية لأتباع الديانة المسيحية، ويبدو أن روايات براون التي سرعان ما تلتقطها الشاشة أصبحت تحتفي بهذا الجدل والاشتباك الخفي بين الثابت والمتحرك وبين الإشكالي واليقيني في علاقة الأرضي بالمقدس، أو ما يمكن أن نطلق عليه الصراع بين شيطان التطور العلمي وملاك التجليات السماوية. فالبحث في آليات هذا الصراع أفرز عن رواية سبق إخراجها للشاشة على يد رون هوارد أيضا في العام 2006 وهي : (شفرة دافنشي) التي التهمها القراء حول العالم بنهم منقطع النظير خصوصا بعد ترجمتها إلى معظم اللغات الحية على الأرض، الرواية عولجت بصريا وبشكل سريع و أسندت البطولة لتوم هانكس في دور البروفسور روبرت لانغدون المتخصص في تحليل الشفرات والرموز الدينية والتاريخية الغامضة. ردات فعل المشاهدين حول الفيلم كانت أقل من التوقعات التي سبقت إنتاجه، وهي إشكالية غالبا ما تصادفها الروايات الناجحة التي لا يمكن ترجمة كامل فضاءاتها السردية واللغوية الممتدة والمتشعبة وتقليصها في زمن لا يتعدى الساعة والنصف. قدم دان براون في رواية شفرة دافنشي مزيجا من المعلومات الدينية الخفية والمغيبة بالإضافة إلى بهارات عالم الجريمة ونظرية المؤامرة والمطاردات الحسية والتشويق النفسي المقترن بالصراع بين أنصار النظريات المضادة وبين المنحازين للثوابت الدينية، ما أثار اللغط والاستياء لدى الفاتيكان والأوساط المسيحية، طرح براون في الرواية نظرية الكأس المقدسة التي ترمز إلى زواج السيد المسيح من مريم المجدلية التي هربت مع أبنائها إلى أوروبا وبقى سرها مخفيا ومطمورا طوال عقود طويلة بين عدد قليل من العلماء والفنانين الذين آمنوا بهذه النظرية ووثقوها من خلال رموز خاصة في كتبهم وأعمالهم الفنية، تماما كما فعل ليوناردو دافنشي في لوحته الشهيرة (العشاء الأخير) التي أكدت إيمانه بهذه النظرية من خلال الشخوص الذين وضعهم على طاولة الريبة والتكهنات لعقود طويلة قبل أن يعيد دان براون إحياءها على نطاق رسمي وشعبي واسع من خلال الرواية والفيلم. الحقد التاريخي في فيلم «ملائكة وشياطين» الذي عرض مؤخرا في صالات السينما المحلية يعيد الثلاثي براون وهوارد وهانكس العزف على ذات الوتر الإشكالي ولكن بنغمات أقل حدّة ونشازا فيما يتعلق بزعزعة الثوابت الكنسية، وكان واضحا أن صناع الفيلم أرادوا تقديم اعتذارهم الموضوعي والبصري وحتى العقائدي عما عرضته خيالات وافتراضات براون في «شفرة دافنشي». يتحدث فيلم «ملائكة وشياطين» عن جذور الحقد القديم الذي نشأ بين الكنيسة وبين علماء الفلك والرياضيات والطب في القرن الخامس عشر والذين حملوا لقب (المستنيرين) وكان على رأسهم العالم غاليليو الذي أثبت أن الأرض تدور حول الشمس، ما اعتبر في تلك الفترة نظرية أقرب إلى الهرطقة والتجديف، هذا الارتياب الديني دفع غاليليو وأتباعه الذين أتوا بعده من العلماء والفنانين المستنيرين ــ أمثال النحات الشهير برنيني ـ إلى الاشتغال في الخفاء تجنبا للملاحقة والمحاكمة واستخدموا شعار الأخوية السرية الذي يمكن قراءتها عكسيا، واعتمدوا على الرموز والشفرات الخاصة لتمرير نظرياتهم و التحايل على السلطة الدينية المتشددة ومحاربة احتكار الكنيسة للحقيقة العلمية المجردة. يعيد الفيلم إحياء قصة هذا الحقد التاريخي مع لحظة موت بابا الفاتيكان والمتزامنة مع سرقة عينة من إحدى المختبرات السويسرية التي تعمل على مشروع سري وثوري فيما يتعلق باكتشاف المادة الأولية التي تشكلت مع بداية الخلق الإلهي للحياة، تشير أدلة الاتهام إلى منظمة تسعى إلى تدمير الفاتيكان والانتصار للعلم كمعبر نهائي لخلاص الإنسانية، المنظمة ذاتها تقوم بخطف أربعة من الكرادلة المرشحين لخلافة البابا وتهدد بتصفيتهم واحدا بعد الآخر قبل تفجير العينة المسروقة في قلب الفاتيكان. تضطر الشرطة الإيطالية وحراس الفاتيكان السويسريين إلى الاستعانة بخدمات البروفسور لانغدون لحل شفرة الرموز الكثيرة التي تضمنتها رسالة التهديد، ومن خلال أحداث سريعة ومتلاحقة يكتشف البروفسور أن المنظمة المعادية ما هي إلا نسخة عصرية من المستنيرين القدماء الذين طردوا من روما واضطهدتهم الكنيسة قبل 400 سنة من الآن، لانغدون بدوره يستعين بخدمات القس كاميرلينغو الذي يدير شؤون الفاتيكان والمقرب من البابا الراحل ـ يقوم بدوره الممثل إيوان مكريغور. كما يقوم بالاستعانة بخدمات عالمة سويسرية متخصصة في الكيمياء العضوية وكانت ضمن الفريق الذي اكتشف مادة الخلق الأولية التي سرقها المستنيرون. جرائم متسلسلة تتكاثر نقاط الصراع في الفيلم من خلال شبكة معقدة من المؤامرات والتصفيات الدموية والخيانات الداخلية، فالشخص المكلف بقتل الكرادلة الأربعة ينفذ جرائمه المتسلسلة بدم بارد وحسب تعليمات وقوانين قديمة لجماعة المستنيرين والتي تقوم على الفرضية العلمية لعناصر الطبيعة الأربعة (الماء والهواء والتراب والنار)، ويقوم بدمغ أسماء هذه العناصر على جسد ضحاياه واحدا تلو الآخر وقتلهم بطريقة وحشية ومقصودة في ذات الوقت وبفارق لا يتعدى الساعة بين كل عملية قتل، وبدوره يسعى البروفسور لانغدون مع الشرطة الإيطالية إلى تعطيل هذه الجرائم وفك شفرة الرسائل التي يبعثها القاتل، يطلب لانغدون الدخول إلى مكتبة الفاتيكان والوصول إلى الوثائق السرية التي يمكن ان تتحول إلى مفاتيح مهمة للوصول إلى أماكن تنفيذ الجرائم قبل حدوثها ولكنه يصطدم بمن يحاول عرقلة مهمته والإجهاز عليه داخل المكتبة. تتداخل الأحداث المربكة والمفاجئة في الفيلم عندما تتأكد معلومة موت البابا مسموما، ووجود عناصر متخفية من المستنيرين داخل الكنيسة، وبعد مطاردات عنيفة ومنهكة يستطيع البروفسور لانغدون إنقاذ الضحية الرابعة وكشف المؤامرة الكبرى لتدمير الفاتيكان وإعادة الاعتبار للهيبة البابوية التي يتبعها مليار شخص حول العالم. عموما فإن فيلم «ملائكة وشياطين» لا يقدم كعمل سينمائي تلك الوجبة الفنية المنتظرة للمشاهد بقدر ما هو فيلم منذور للجري واللهاث وملاحقة سلسلة من الجرائم الغامضة والمتلاحقة التي أراد المخرج أن يحصرها في ساعة ونصف من الإثارة البوليسية مع بعض البهارات المتعلقة بالأسرار الدينية والتاريخية والعلمية القديمة والمشتتة بين الواقع والخيال، وبين نقد الكنيسة والتعاطف معها، وغيرها من المتناقضات التي يحاول الفيلم أن يخرج من حروبها الخفية والطاحنة بصيغة تصالحية يتآلف فيها العلم مع الدين وتتأقلم فيها النظرية العلمية مع الخيال اللاهوتي والمقدس. أما أداء الممثلين فجاء باهتا طوال زمن الفيلم، ولم تدع اللحظات المشحونة والمتوترة لموضوع الفيلم فرصة للمشاعر والعلاقات الإنسانية بين الشخصيات للصعود والتفاعل النفسي، فللمرة الثانية بعد «شفرة دافنشي» يتحول توم هانكس ـ الحائز على عدة ترشيحات وجوائز في التمثيل ـ إلى مجرد واجهة للدعاية الإعلامية لا أكثر، فعندما يسيطر موضوع الفيلم كليا على مساره السردي والفني، فإن الهوامش الإبداعية والارتجالية للممثلين تكون في القائمة الأخيرة من حسابات المخرج. عانى فيلم «ملائكة وشياطين» أيضا من المبالغات المشهدية عند البحث عن حلول للخروج من مآزق الحبكة وتعقيداتها، مثل مشهد تصفية المجرم لعناصر الشرطة الإيطالية في إحدى الساحات العامة في الفاتيكان دون أن يلفت ذلك نظر مرتادي وزوار المكان، وكذلك مشهد الطائرة التي يفجرها القس كاميريلنغو في سماء المدينة وهبوطه سالما وسط الحشود، وغيرها من المشاهد التي تتجاوز واقعية وتسلسل الحدث دون تفسير أو مبررات كان يمكن للفيلم أن يحتفظ باتزانه وتناسقه لولا تكرارها لدرجة الإفراط.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©