الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المحافظون الجدد ··· لا جديد!

المحافظون الجدد ··· لا جديد!
26 ابريل 2008 23:51
في إحدى المسرحيات الساخرة ''لتيم روبنز'' التي عرضت في العام 2003 يظهر ''ريتشارد بيرل'' و''بول وولفويتز'' وهما يصيحان بطريقة اختيرت بعناية لتشبه صراخ الشرطة النازية ''تحياتي ليو ستراوش''، والواقع أنه خلال الفترة التي تلت اعتداءات 11 سبتمبر وطغى عليها خوف مرضي من كل حركة ''جديدة''، وسيطر فيها على أميركا توجس غير عقلاني إزاء كل ما له علاقة ''بالمحافظين الجدد''، اكتسبت الانتقادات الساخرة، كالتي جاءت في المسرحية شعبية كبيرة، وصارت جزءاً من الحديث اليومي للمعلقين، فقد انتُقد المحافظون الجدد باعتبارهم شيوعيين متنكرين، وعناصر إمبريالية، وفي أحيان أخرى اعتبروا عملاء مزدوجين يخدمون مصالح إسرائيل، وذهب البعض الآخر إلى أن المحافظين الجدد جزء من طائفة دينية سرية تعمل لصالح ''ليو ستراوش'' المعادي للمسيح، واليهودي الألماني الذي فر من النازية واستقر في الولايات المتحدة· لكن في إشارة تعيد بعض التفاؤل إلى موضوع المحافظين الجدد، وأنه مازال قابلا للنقاش الجدي والبعيد عن التهويل والخرافات قام ''روبرت كاجان'' من معهد ''كارنيجي'' بالدفاع عن السياسة الخارجية للمحافظين الجدد في العدد الأخير من مجلة ''ورلد أفيرز جونرنال''، وفي هذا الإطار كتب ''كاجان'': ''إن أول ما يلفت في نظرة المحافظين الجدد للعالم، أنها ليست محافظة تماماً كما يعتقد البعض، وليس فيها ما هو جديد أيضا''، فمنذ الأيام الأولى لقيام الولايات المتحدة ساند الأميركيون فكرة نشر الديمقراطية حول العالم حتى لو استدعى ذلك استخدام القوة وعدم الاكتراث بالمؤسسات الدولية، وتتضح الفكرة أكثر من خلال ما قاله ''ويليام هينري سيوارد''، مؤسس الحزب الجمهوري ووزير الخارجية في إدارة الرئيس ''لنكولن'' بأن من واجب أميركا قيادة الجهود ''الرامية إلى إعادة السلطة إلى المحكومين''، وقبل جيل على ذلك دافع السياسي الأميركي ''هينري كلاي'' عن دور أميركا في ''اقتسام نعمة الحرية مع العالم''، وما كانت للحربين العالميتين الأولى والثانية والحربين في كوريا وفيتنام أن تتم دون التزام أميركا بتعزيز الديمقراطية والدفاع عنها· ويواصل ''كاجان'' تعقب فكرة المحافظين الجدد التي يعيدها إلى فجر الجمهورية، حيث كان الآباء المؤسسون ينظرون إلى الولايات المتحدة باعتبارها ''قوة في المهد، لأن معتقداتها التي حررت الإمكانات الإنسانية وأتاحت إمكانية الوصول إلى العظمة ستستقطب مخيلة الإنسانية جمعاء''، وحتى في ظل الانتقادات اللاذعة التي يكيلها مرشحو الحزب الديمقراطي في الانتخابات التمهيدية المحمومة يتفق ''أوباما'' و''هيلاري'' على المبادئ الأساسية للمحافظين الجدد التي توجه سياسة إدارة الرئيس ''بوش''، وفي هذا السياق قالت ''هيلاري'' -تعقيباً على الوضع في باكستان-: ''لا يمكن إنكار وجود علاقة أكيدة بين الأنظمة الديمقراطية وتوفير الأمن للولايات المتحدة''، أما ''أوباما'' فهو لا يكتفي بالتأكيد على استعداده لمهاجمة ''القاعدة'' في باكستان دون إذن من الحكومة إذا لزم الأمر، بل يجادل بأن المشاعر المناهضة لأميركا والمنتشرة على نطاق واسع في الشرق الأوسط ما هي سوى نتيجة مباشرة لغياب الديمقراطية في المنطقة· وبالطبع فإن دعم نشر الديمقراطية في العالم لا يتطلب مساندة الحرب على العراق، كما أن تأييد الحرب في العراق لا يؤهل المرء ليكون من المحافظين الجدد، فقد أكد ''دوجلاس فيث'' -كان وكيلا لوزارة الدفاع بعد 11 سبتمبر- في مذكراته على ''الحرب والقرار''، أن مسألة إرساء الديمقراطية لم تكن من أولويات إدارة الرئيس ''بوش''، بالإضافة إلى ذلك لا علاقة للأخطاء التي ارتكبتها الإدارة الأميركية في العراق -وقد تكون الحرب أحد تلك الأخطاء- بالأيديولوجية كما يعتقد البعض، كما يوضح ذلك ''كاجان'' فإنه: ''يمكن أن يكون المرء حذراً، أو متهوراً، أو عاجزاً حكيماً، أو مستهتراً في تطبيق أي من التصورات التي يؤمن بها'' دون أن يكون لذلك علاقة بالفكرة ذاتها· ففكرة إرساء الديمقراطية بالقوة أثبتت نجاحها في ألمانيا واليابان، وكانت فاشلة في فيتنام؛ ومهما كان الحكم على العراق في المستقبل بالفشل أو النجاح، إلا أن التعامل مع ''المشروع العراقي'' على أنه تصور غير منطقي منذ البداية، كان سيثير ضحك المؤرخين والسياسيين الأميركيين قبل قرن من الآن، لأن تلك الأفكار كانت على الدوام جزءا من التجربة الأميركية في العالمن والحقيقة أني أوافق ''كاجان'' في كل ما ذهب إليه، لكني أود أن أذكره بملاحظة تبدو مهمة بالنسبة لي، فإذا كان ''كاجان'' يُعرف تيار المحافظين الجدد على أنه يقوم على نشر الديمقراطية في الخارج ويرتكز على نوع من الأخلاقية والأحادية في تحقيق الأهداف، فإن التيار في نسخته الأصلية أواخر الستينيات وبداية السبعينيات كان مختلفاً عن ذلك، فقد كان التركيز وقتها على القضايا الداخلية وبخاصة التحذير من أخطار التمدد الحكومي، ليس نتيجة عقيدة أيديولوجية، بل لارتياب فطري في قدرة الحكومة على تحقيق أهداف طوباوية، والمفارقة أنه عندما سعى ''كاجان'' ومعه ''بيل كريستول''، محرر مجلة ''ويكلي ستاندرد'' إلى الدفاع عن المحافظين الجدد في مقالهما الشهير ''نحو سياسة ريجان جديدة''، رفضوا التصور المثالي في السياسة الخارجية واعتبروا أن بعث سياسة ''ريجان'' من جديد هو وحده ما يمثل المحافظين الجدد، لذا فإن أفضل دواء لتيار المحافظين الجدد الحالي كما دافع عنه ''كاجان'' هو الرجوع إلى التيار الأصلي الذي كان سائداً قبل الرئيس ''ريجان'' وكان حاضراً على امتداد التاريخ الأميركي· جونا جولدبورج محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©