الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سياسة الهجرة الأسترالية

7 مايو 2016 23:15
يوم الثلاثاء الماضي أعلن رئيس الوزراء الأسترالي مالكولم ترنبل عن أكبر مشروع دفاعي في تاريخ أستراليا على الإطلاق، غير أن هذه اللحظة المهمة بالنسبة للأمن والاقتصاد الأستراليين سرعان ما غطى عليها قرارٌ صادم ومفاجئ للمحكمة العليا في بابوا- غينيا الجديدة يعتبر منشأة اعتقال تابعة لمصالح الهجرة الأسترالية على جزيرة مانوس غير قانونية. ولعل مما زاد دراما حكم المحكمة تفاقماً اعتراف رئيس وزراء بابوا- غينيا الجديدة بيتر أونيل به وقراره السريع تطبيق توصية تقضي باتخاذ بابوا- غينيا الجديدة وأستراليا خطوات فورية في اتجاه إغلاق المنشأة، والحال أن «حل» بابوا- غينيا الجديدة يُعتبر أساسياً بالنسبة لسياسة أستراليا الخاصة بمعالجة طلبات اللجوء في الخارج، التي كانت تحظى بدعم الحزبين الرئيسين عموماً منذ حكومة جيلارد، قبل أن يصبح هذا الدعم الحزبي رسمياً منذ المؤتمر الوطني لحزب العمال في 2015، الذي تبنت خلاله المعارضة الأسترالية عموماً سياسة الهجرة الحكومية. وبالنظر إلى كل هذا، فإن قرار بابوا- غينيا الجديدة يمثل ضربة قوية لسياسة أساسية بالنسبة لمصالح أمن أستراليا الوطني وشعورها السيادي. بيد أن قرار بابوا- غينيا يكشف أمراً مثيراً للسخرية يتعلق بجوهر سياسة الهجرة الأسترالية نفسها، وهي سياسة تنص على أن السيادة الأسترالية يجب ألا تنتهك أبداً من خلال الهجرة غير القانونية، في الوقت نفسه الذي تقوم فيه بتفويض مصير هذه السياسة نفسها للنظامين القضائي والبرلماني لدولة أخرى ذات سيادة، وهو ما يلحق ضرراً بصورة أستراليا في المنطقة والعالم. والواقع أن دولًا قليلة جداً قد ترغب في السماح بإخضاع جوانب جوهرية من سياساتها مثل الهجرة لتأثير عملية صنع قرار من قبل زعيم أجنبي، وخاصة عندما يكون هذا الزعيم الأجنبي -بيتر أونيل في هذه الحالة- يدير بلداً ضعيفاً جداً، وغارقاً في المشاكل الداخلية، ويعتمد كثيراً على المساعدة الخارجية، والحال أن صورة أستراليا في آسيا- المحيط الهادي ينبغي أن يطبعها التزام قوي بالمعايير الدولية والزعامة المعنوية، وهكذا، تستطيع الدول متوسطة الدخل في المنطقة أن تتخذ من أستراليا نموذجاً تتطلع لمحاكاته والاحتذاء به، إلا أن ذلك يقتضي من كانبيرا اتخاذ خطوات مبادرة نحو الاندماج مع المنطقة التي يرتبط بها مستقبل أستراليا الاقتصادي، والحال أنه من خلال تصديرها «مشكلة» الهجرة إلى دول خارجية تُلحق أستراليا ضرراً بالغاً بصورتها الدولية وتقيّد قدرتها على الاندماج بشكل أحسن ضمن المنطقة. على أن ثمة أمراً آخر مثيراً للسخرية ويكمن في الرغبة الدائمة لأستراليا في الظهور بمظهر المصمم على مواجهة مهرّبي البشر، ولكن مع السماح لنفسها، في الوقت نفسه، بأن تبدو مستندة على دول أخرى من المنطقة. ذلك أنه من خلال تصديرها مشاكلها المتعلقة بالهجرة إلى جيران أكثر فقراً وهشاشة ومن الصعب التنبؤ بأفعالهم، تتسبب أستراليا عملياً في تقييد سيطرتها على سياسة حرصت على أن تضعها في صلب النقاش الوطني طيلة 15 عاماً. والتداعيات السياسية المباشرة في أستراليا على خلفية قرار بابوا- غينيا الجديدة كانت متوقعة، حيث أشار وزير الهجرة بيتر داتون إلى أنه إذا أراد أي لاجئين شرعيين في مانوس إعادة توطينهم، فإنهم يستطيعون القيام بذلك في بابوا- غينيا الجديدة -التي تُعتبر أكبر مستفيد من المساعدات الخارجية الأسترالية- ولكن ليس في أستراليا. أما بالنسبة لبقية سكان مانوس الذين لا يُعتبرون لاجئين شرعيين، فسيُجبرون على العودة إلى بلدانهم الأصلية. بيد أن هذا الموضوع يثير أيضاً أسئلة تتعلق بشرعية وهشاشة مركز معالجة طلبات اللجوء الآخر التابع لمصالح الهجرة الأسترالية في ناورو ومنشآتها الأخرى في كمبوديا التي كلف إنشاؤها 55 مليون دولار من أجل إعادة توطين اللاجئين الذين يريدون الذهاب إلى أستراليا، ذلك أنه إذا تغير الوضع السياسي في أي من هذين البلدين خلال المستقبل القريب، يمكن أن تضعَف سياسة الهجرة الأسترالية وتقوَّض من جديد بسبب ارتهانها لقرارات قوى خارجية. وفي 2001، أطلق رئيس الوزراء الأسترالي آنذاك جون هاورد مقولته الشهيرة: «إننا سنقرر من سيأتي إلى هذا البلد والظروف التي سيأتي فيها»، بيد أنه من خلال رهن سياسة الهجرة الأسترالية للحسابات والصراعات السياسية الداخلية لبلدان مثل بابوا- غينيا الجديدة وناورو وكمبوديا، أصبح هذا المبدأ الموجِّه لنقاش الهجرة في أستراليا محل شك وتساؤل، شأنه في ذلك شأن سمعة أستراليا في العالم! * مدير السياسات في معهد «ماكيل» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©