الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نقل الأخبار السارة أو الحزينة.. حد فاصل بين الموت والحياة

نقل الأخبار السارة أو الحزينة.. حد فاصل بين الموت والحياة
3 مارس 2014 12:53
أشرف جمعة (أبوظبي) - عملية نقل الأخبار بشقيها السعيد والمحزن أمر مهم في واقع حياتنا على اعتبار أن مثل هذه الأخبار على أهميتها وتفاوت مستوياتها ما بين الحزن الشديد، والفرح البالغ قد تؤدي عند استقبالها إلى صدمات مدوية يترتب عليها أحياناً انتكاسات صحية مفاجئة، ربما تفضي في بعض الأحيان إلى الموت، وعلى الرغم من أن الجميع يتعرضون لسماع الأخبار السارة والمحزنة في أوقات متفرقة?،? إلا أن نقل الخبر بشكله الصادم، أو الذي ينقل النفس من حالتها العادية إلى أقصى حالات الفرح يتوقف على طريقة كل فرد في ذلك، فأسلوب ناقل الخبر على بساطته ومراعاته لطبيعة المستقبل ومدى قدرته على التحمل يسهم في وصول الخبر في صورة سهلة لا تترك تأثيراً سلبياً في نهاية الأمر على الصحة، ولا تتسبب في حدوث مشكلات عميقة. مواقف كثيرة على إثرها تم نقل أخبار غير متوقعة تسببت في فقداننا أشخاصاً مهمين في حياتنا، ولم تزل مباريات كرة القدم تشهد مفارقات عجيبة حين يتناهى إلى مسامعنا أن شخصاً ما فارق الحياة فور إحراز الفريق الذي يشجعه هدفاً لتكون النتيجة الموت من شدة الفرح، وذلك بانخفاض حاد في الدورة الدموية، وعلى الجانب الآخر قد تموت إحدى الأمهات فور سماع خبر أن أحد أبنائها لقي حتفه في حادث ما، أما الأخبار التي أصبح ضحاياها من ذوي أمراض القلب، مثل الفوز بمبلغ كبير عن طريق الحظ أو الميراث، فإنهم كثر في مجتمعنا غير أن بعض من ينقل مثل هذه الأخبار لا يضع في ذهنه أنه قد يتسبب في موت إنسان بغير عمد، وهو ما يجعلنا نطرح سؤالاً مفاده هل نقل الأخبار بأنواعها كافة يحتاج إلى ثقافة معينة؟، وما الذي أيضاً يمكن أن يغير من طبيعة الناس ليدركوا أهمية هذا الأمر وخطورته بما يؤثر على الحياة والصحة معاً؟ الاستعداد النفسي حول نقل الخبر واستراتيجية توصيله بصورة صحيحة وغير مبالغ فيها يقول عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة الشارقة الدكتور أحمد العموش: درج الناس منذ آماد بعيدة على نقل الأخبار بطريقة عشوائية دون النظر بعين الاعتبار إلى مدى الاستعداد النفسي والصحي للفرد المستقبل وبخاصة للأخبار التي تحمل طابعاً مغرقاً في الحزن أو سعيداً، لدرجة غير متوقعة، مما يؤدي ذلك إلى أن نشاهد عياناً أناساً يفقدون وعيهم ويتساقطون على الأرض من فرط الصدمة أو السعادة، وبالنظر إلى فرد عاش في فقر مدقع سنوات طويلة، وفي ثوان معدودة ينقل إليه خبر بأنه ورث مبلغاً من المال أو عقاراً يضعه في قائمة الأثرياء، فإنه إن لم تكن لديه قوة تحمل كبيرة وقدرة عالية على امتصاص مثل هذه الأخبار بشكل تلقائي سيقع في الغالب ضحية أمرين، إما الإصابة بأحد الأمراض القلبية، أو الموت المفاجئ، وكذلك فإن الأفراد الذين يتعرضون لسماع أخبار حزينة غاية في الألم تتعلق بموت عزيز أو فقدان المال أيضاً، فإنهم من المتوقع أن يتعرضوا للانتكاسات السالف ذكرها. ويتابع العموش: على الرغم من أن السائد في مجتمعنا يتمثل في أننا نفتقد إلى ثقافة نقل الأخبار، وليس لدى الكثير منا تلك البداهة التي تجعله ينقل الأخبار بشكل بطيء ومتقطع بما يتناسب مع خطورة ذلك الخبر وتأثيراته السلبية، إلا أن هناك أفراداً تقودهم فطرتهم السليمة إلى التعامل بحكمة، وهناك حالات فردية معروفة تاريخياً ضربت أروع الأمثلة في القدرة على نقل أصعب الأخبار وأكثرها ألماً بصورة لا تؤثر على مستقبِل الخبر بالدرجة التي تؤدي إلى إصابته بعلة مزمنة أو موت مفاجئ. واقع المجتمع ويبين العموش أن تغيير عادات المجتمع لا يحدث في يوم وليلة لكن يخضع إلى خطة طويلة المدى تعتمد على إحصاءات دقيقة ودراسات مستفيضة من أجل التأثير في واقع هذا المجتمع، ومن ثم إحداث تغيير ما ولو بصورة تدريجية خصوصاً أن تعديل السلوكيات الخاطئة يحتاج إلى آليات معينة بحيث ينتقل من شكله السلبي إلى الإيجابي عبر تنمية هذه السلوكيات في مرحلة مبكرة من العمر عن طريق الأسرة، فالطفل بطبيعته يبني تصرفاته المستقبلية في ضوء خبرات سابقة اكتسبها من الوالدين، لذا فإن الأسرة التي تعلم أطفالها التصرف بتروٍ في المواقف الصعبة والمتشابكة مثل نقل الأخبار إلى الآخرين يسهم في إكسابهم سلوكيات إيجابية، ويجعل الطفل منذ سنوات عمره الأولى على وعي بخطورة نقل الأخبار السارة أو الحزينة بما تقتضيه المواقف والظروف، وبما يتلاءم مع طبيعة بعض الأشخاص النفسية والصحية. حجم المأساة يعود مصطفى صبري بالذاكرة إلى خمس سنوات مضت حين تناهى إلى سمعه خبر وفاة أكبر أبنائه أحمد، الذي كان يعمل ضابطاً في الشرطة، وتعرض لحادث مروع على أحد الطرق، وكان شاباً يافعاً يستعد في ذلك الوقت لدخول القفص الذهبي ويورد أنه في أثناء تجهيز حفل العرس جاءه نبأ الوفاة فنزل عليه كالصاعقة، وعلى الرغم من مكانة هذا الولد في نفس والده لطاعته ونفاذ شخصيته الودودة ووصوله سريعاً إلى قلوب الناس، إلا أنه استقبل الخبر بصبر جميل، رغم أن ناقله لم يكن رفيقاً، فقد كان يصرخ ويبكي ويضرب جسده بعنف ويمزق ملابسه بصورة فجّة. ويضيف مصطفى صبري: لم يروعني أكثر من تصرفات هذا الشخص القريب لنا والذي عبّر عن حزنه بصورة كانت كفيلة بأن تصيبني بأزمة قلبية لمكانة ولدي البار مني، لكنني فور سماعي خبر وفاته احتسبت موته عند الله ورضيت بالقضاء والقدر وأنا مطمئن النفس راضٍ كل الرضا لما كُتب عليّ ولا أُخفي أن نار الحزن عليه لم تخمد، إذ استطاعت أن تصيب أمه في مقتل خلال أسبوعين من وفاته وفارقت الحياة لأمرين، الأول بسبب وصول خبر الوفاة بطريقة مبالغ فيها، والأمر الآخر يتمثل في أن أحمد الفقيد كان أعز أبنائها وأقربهم إليها، ويلفت صبري إلى أننا نعيش في عالم يفتقد الكثير من أفراده للحكمة والقدرة على التأقلم مع حالات الحزن والألم، إذ إن معظم الناس تنقل الأخبار الفاجعة بصورة غير منطقية ولا تتوافق مع حجم المأساة، وهو ما يجعل المصيبة تتعاظم وتتفرع وتتكاثر لتخرج من إطارها الفردي إلى الجماعي، فبدلاً من أن تفجع أسرة في فرد من الممكن أن تُفجع في أكثر من ذلك بنسب متفاوتة. الحياة في خطر ولا يُخفي سالم العامري أن المبالغة في نقل الأخبار السعيدة أو المحزنة هي التي تؤدي إلى حدوث انتكاسات لدى الكثير منا، لكن علينا ألا نغفل أن هناك بعض الأخبار السارة التي قد تساهم بشكل كبير في علاج بعض المرضى، ولابد من أن نحرص على أن يكون لدينا نوع من التوازن في نقل الأخبار، وبخاصة إلى الذين ليست لديهم القدرة على السيطرة على أعصابهم، أو الذين يعانون أمراضاً مزمنة في المجتمع، ويشير العامري إلى أن الحياة مدرسة كبيرة ومن الطبيعي أن تنتقل الخبرات من الجيل الأكبر إلى الأصغر، وعلى الرغم من ذلك فإننا نكرر أخطاءنا بشكل فج ولا يتناسب مع طبيعة ما نمر به من أحداث في حياتنا بوجه عام، فمن الطبيعي أن تُفجع أسرة ما في عزيز لديها أو أن ينتقل أحد الأفراد من الغنى إلى الفقر أو العكس، لكن المعضلة الكبرى أن ناقل الخبر لابد أن يعي أنه قد يعرض حياة إنسان إلى الخطر حينما ينقل إليه خبراً ساراً أو حزيناً بصورة مبالغ فيها. ربح القضية ومات أوضح المستشار القانوني محمد الألفي أن نقل الأخبار السارة بأسلوب فجائي لا يقل خطورة عن الأخبار المحزنة، ويبين أنه بحكم عمله في المحاماة فقد كان يترافع في قضية شبه معدومة النتائج تتعلق بخلاف بين الورثة على الميراث، لكن ظهور مستند بشكل مفاجئ نقل أحد الورثة من حالة متردية من الفقر إلى الثراء الواسع، والعجيب أن هذا الشخص كان مصاباً بداء عُضال في القلب وحين أخبرته بأنه كسب القضية عبر الهاتف، عبّر لي عن سعادته البالغة وهو يلهج بكلمات الشكر والثناء وكانت أنفاسه تتسارع بصورة غريبة. وقال: في اليوم الثاني علمت من أحد أبنائه أنه مات فرحاً، فلمت نفسي على نقل مثل هذا الخبر بصورة لم تكن لائقة على الإطلاق إذ إنني أشعرت الرجل بأنني حققت نصراً تاريخياً في هذه القضية التي قال القدر فيها كلمته على وجهين يتعلق أحدهما بإنصاف المظلوم، إذ كان يستحيل ذلك في ظل غياب الدليل المادي، والثاني أن صاحب الحق لم يستمتع بما آل إليه من ثروة وجاه وانتقل إلى الرفيق الأعلى، ويلفت إلى أنه لا يزال يشعر بالذنب منذ وقوع هذا الحادث العجيب، وآثر ألا يُبلغ أي إنسان خبراً مهما كانت طبيعته إلا بطريقة لا تسبب له أي نوع من الفرح الزائد أو الحزن الشديد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©