الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شجر«اللبخ».. مظلة للمحاكم الشعبية وكاتم أسرار العشاق

شجر«اللبخ».. مظلة للمحاكم الشعبية وكاتم أسرار العشاق
5 يونيو 2009 00:40
يتميز شارع النيل أشهر شوارع الخرطوم، والذي يربط الخرطوم من الغرب إلى الشرق بسلسلة من الأشجار العملاقة تسمى «اللبخ»، والتي يعود تاريخها إلى ثلاثينيات القرن الماضي عندما حملها الإنجليز من الهند بجانب أشجار النيم والبان وغيرهم من الأشجار التي تزدهر في المناخ الاستوائي، وظلت أشجار «اللبخ» واحدة من المعالم البارزة على امتداد كورنيش النيل وتتميز بظلالها الكثيفة التي تقاوم قساوة طقس الصيف في الخرطوم، ويظل شجر اللبخ واحدا من شواهد التاريخ المعاصر، لا سيما أن الموقع الجغرافي لشارع النيل يقترب من القصر الجمهوري الذي يمثل مقر الحكم منذ العهد التركي وحتي اليوم. أسرار العشاق أشجار اللبخ عاصرت الكثير من الأحداث السياسية المتعاقبة وظلت صامدة أمام وجه الطبيعة رغم أن بعض من تلك الأشجار تساقطت بفعل عوامل الطبيعة وظلت الأنباء التي تتحدث عن سقوطها تحتل صدر الأخبار في الصحافة السودانية باعتبارها أحداثا نادرة. كما ظلت هذه الأشجار العتيقة تتلون في الأعياد والمناسبات الكبري وتمتد إليها أيادي الإصلاح والتجميل، وهذه الأشجار تجاور المؤسسات الحكومية، ورغم ذلك لم تخل ظلالها من المواعيد الغرامية للعشاق الذين يقضون تحتها الساعات الطوال. فكم حملت هذه الأشجار بين أوراقها وأغصانها من أسرار العشاق وشهدت بدايات ونهايات قصص غرامية، وكم نحتت فيها أحرف ورسومات في سيقانها، ورغم ذلك شمخت تحمل ذكريات قرن كامل بكل آماله وأحزانه ولا تزال واجهة مبتسمة للخرطوم على شفاه النيل. محاكم شعبية ولم تقف أشجار اللبخ علي الخرطوم فحسب، بل حملها الإنجليز معهم إلى بقية مدن السودان المختلفة حتي يستظلون بها من حرارة الشمس، فكانت مدينة ود مدني حاضرة ولاية الجزيرة التي تشابه الخرطوم في كل شيء، خاصة أنها تجاور النيل فكان ذات المشهد على كورنيش النيل وذات الأشجار بذات التسلسل الهندسي تشمخ في ود مدني وكأنها تخاطب رصيفاتها في الخرطوم عبر انسياب النيل الذي يهدر صوب الشمال. وفي مدن السودان المختلفة ظلت أشجار «اللبخ» أكثر ارتباطا بالحياة الاجتماعية لا سيما أن ظلالها الوارفة العملاقة تكاد تمثل أسواقا قائمة بذاتها تجمع الباعة وصغار التجار وتُنجز بين ظلالها الكثير من المعاملات التجارية والاجتماعية. كما أن المحاكم الشعبية تعقد تحت ظلالها، حيث حملت محاكم الشجرة الكثير من الدلالات الاجتماعية لمجموعات تستطيع من الانتصاف العرفي عبر آليات قضائية شعبية بسيطة بإمكانها أن تحل الكثير من القضايا المدنية والجنائية من خلال الأعراف القبلية. ألفة مع الإنسان أشجار «اللبخ» لم تعرف عبر تاريخها بجودة أخشابها، وربما يعود ذلك إلى ألفة خاصة بين إنسان السودان وهذه الشجرة التي ربما حملت تقديرا خاصا جنّبها قساوة الفؤوس والقطع الجائر للأخشاب، فيما اهتمت جمعيات حماية البيئة بتعهد هذه الأشجار من خلال تشذيبها في موسم الصيف، كما اهتمت الحكومة المحلية بتنظيف ظلالها بين فترة وأخرى حتي تحتفظ بألقها المعهود. ولم يخرج اللبخ عن تاريخ الأغنية السودانية والأمثال الشعبية، حيث يقرن دائما بالثبات والشموخ في الأغاني، ويقال بأن أوراق اللبخ تعالج الكثير من الأمراض وتجد الحفاوة لدى المعالجين الشعبيين. ومن المألوف أن تشاهد في أحد أحياء الخرطوم تجمعا من المواطنين يسجلون احتجاجا صارخا ضد اقتلاع إحدى أشجار اللبخ، مما يشير إلى مدى ارتباطهم بهذه الأشجار. وفي المقابل تنتصر إرادة المواطنين في كثير من الأحيان في الحفاظ على أشجارهم، وتلجأ السلطات إلى خيارات أخرى تتجنب اقتلاعها. معمرة ونادرة تعتبر أشجار اللبخ من الأشجار المعمرة وهي نادرة، إلا أنها مهددة بالانقراض. ويذكر أنها تنمو على حواف الوديان الكبيرة ويصل ارتفاعها في كثير من الأحيان إلى 40 مترا وعرضها إلى 6 أمتار. وفي المقابل نجد هنالك من يسعى للحفاظ علي الأشجار العتيقة من خلال استنباتها كما يفعل عبدالرحيم عبدالرحمن الذي يملك مشتلا بجوار النيل منذ عام 1960 و يسعى جاهدا في رعاية شتلات أشجار اللبخ ويقول إن أشجار اللبخ والجميز تعتبر من الأشجار القوية التي تقاوم أقسى الظروف وتعمر لسنوات طويلة. ويشير إلى أن الأشجار التي تقوم الآن على النيل تبلغ من العمر أكثر من 100 عام وما زالت قائمة حتى الآن.
المصدر: الخرطوم
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©