الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

عالمنا السري

5 ابريل 2010 21:42
يمر رجال كثيرون ونساء كثيرات في بيوت قلوبنا، وغرف رؤوسنا، وأغلفة جلودنا، إلا أن قليلين منهم يتركون خلفهم رائحة دفء في البيوت، وعلامات لافتة في الغرف، ونقوشاً أبدية مؤثرة على الخلايا، هؤلاء هم الذين يحتلون الطاقة العذبة، السائرة في دروبنا الداخلية، وأنهار أرواحنا، نلجأ إليها حين نفيض بنا، ونهطل شعراً، ونلجأ إليهم كلما ارتبك الطفل فينا، أو سقطت حكمتنا صريعة الهواجس، أو جفّت حبات الندى عن أوراق الصباح، أو أيقظنا الليل من عتمته بعد اختطاف النهار، من هؤلاء نكتب، ولهؤلاء نهدي إبداعاتنا، ومهما كبرنا، نبقى ندور في فلكهم، ويدورون في أفلاكنا، وحين ندخل لحظة الانخطاف البطيء أو السريع، يمرون أمامنا مبتسمين، كأول وآخر من نرى. هؤلاء قد لا يتحركون في حياتنا اليومية، قد لا يسكنون معنا في الدار نفسها، وقد لا نسمع أصواتهم بآذاننا باستمرار، ورغم ذاك قد نتذكرهم يومياً، ونشاركهم هواجسنا، ونتحدث إليهم بطرقنا الخاصة. إنها ليست أحجية، إنه العالم السري الذي تكوّن في ممرات عوالمنا الداخلية، وتشكل على مر السنين، منه نستقي حكمتنا حين نكبر، ونستعذب العيش مع أطياف ساكنيه. هل يتوافر هؤلاء لكل الناس؟ أشك في ذلك، إنهم يتوافرون فقط لراصدي حركة الإنسان على وجه البسيطة، للباحثين عن حب أصفى من إطلالة الفجر، وأحن من أغنية أمّ لوليدها، للماشين خلف الحقيقة المفضية إلى الانسجام، للساعين إلى سماع أصوات الموجودات كلها، الماهرين في إمداد هالاتهم بالأزرق الشفاف، المخلصين لتدفقهم في شرايين الحياة، المجتهدين في توسيع مساحات البياض والاخضرار، المتحركين بخفة الأطياف، والذاهبين إلى رشدهم المعتّق، حيث تأمل الصحراء، وحكاية البحر، وأحاديث الكروم، وأغاني العاشقين عند امتلاء القلوب بالحنين. هؤلاء لا يأتون عبر شاشات التلفزيون، أو ثرثرات المقاهي، أو صالات الصخب، أو الاستماع للخطابات الرسمية وغير الرسمية، ولا يحتلون عناوين الصحف اليومية، ولا أغلفة المجلات المأجورة، هؤلاء لا يأتون عبر رتابة الحياة، إنهم يأتون في أوقاتهم المحددة، هم بشرٌ مثلنا، لكن مهنتهم أن يتركوا خلفهم شيئاً منهم، قد نكون نحن، أو فكرة، أو كتاباً، أو موقفاً، أو نظرة والتفاتة، أو حديثاً ساحراً، لكن المشكلة الصعبة، اننا نكتشفهم حين يرحلون، لأننا نحاكي آثارهم، إذ لا تتشكل المعرفة إلا بعد انتهاء الاستغراق في المشهد، فما أجمل هؤلاء حين يمرون بنا عبرنا، ففي لحظة الوجد يفجرون عبراتنا، فنستريح. akhattib@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©