الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التبت وفرك الملح على جرح طري

التبت وفرك الملح على جرح طري
28 ابريل 2008 02:32
استُقبلت التقارير الجديدة حول اندلاع احتجاجات استهدفت مسيرة شعلة ألعاب بكين الأولمبية -في فرنسا أولاً، ثم الولايات المتحدة، والآن في أستراليا- بسعادة من قبل الغربيين الذين يعتقدون أن دعم حرية التبت يمثل قضية عادلة، أليست مساعدة شعب ضعيف ومقهور على الحصول على استقلاله عن حكومة صينية قمعية، واجباً أخلاقياً؟ بيد أن الغرب يرسم قصة التبت بالأبيض والأسود، فالساسة والنشطاء في أوروبا وأميركا يريدون فقط حماية الحقوق الإنسانية للتبتيين الأبرياء الذين تعرضوا للغزو في عهد ليس بالبعيد من قبل الصينيين الشيوعيين، وبالتالي، فعندما يقرر على سبيل المثال زعماء أوروبيون -حتى الآن، رئيس الوزراء البريطاني ''جوردون براون'' والمستشارة الألمانية ''أنجيلا ميركل'' ورئيس الوزراء التشيكي ''ميريك توبوللانيك''- عدم حضور حفل افتتاح الألعاب الأولمبية، فيبدو أنهم إنما يفعلون ذلك استجابة لوازع أخلاقي قوي، وذلك على اعتبار أن التضامن مع المقموعين والمقهورين سمة من سمات الغرب، رغم أنه لا يوجد بلد غربي يطعن في سيادة الصين على التبت! ولكن لنحاول أن نضع أنفسنا في أذهان الصينيين من أجل فهم كيف أن الأحداث نفسها تبدو مختلفة من وجهة نظرهم، فالتاريخ الصيني يقول إن السيطرة على التبت تعود إلى القرن الثالث عشر، ومما لاشك فيه أن سيطرة الصين على المنطقة عرفت مداً وجزراً، غير أن الشيء نفسه ينطبق على مناطق أخرى عديدة من الصين، ذلك أن السيطرة المركزية للعاصمة على التبت لم تكن أبداً متكاملة ومتواصلة، وكانت تتغير بتغير قوة الحكومة المركزية، غير أن الأكيد هو كالتالي: لقد سيطرت الصين على معظم أراضيها لفترة أطول من وجود بعض الدول الغربية· والأهم من ذلك أن الصينيين يتذكرون أن آخر جهود رمت إلى فصل التبت عن الصين حدثت في عقدي الأربعينات والخمسينات، عندما كان عملاء بريطانيون وأميركيون يشجعون استقلال التبت في وقت كانت فيه جمهورية الصين الشعبية ما تزال ضعيفة، كما يتذكر الصينيون جيداً أيضاً الدور المركزي الذي لعبته بريطانيا في تجارة الأفيون الشهيرة في القرنين الثامن والتاسع عشر، حين كانت الشركات التجارية الأوروبية تبيع هذا العقار للمهربين، ثم تستعمل الذهب المحصل عليه بطرق غير شريفة لشراء الحرير والشاي والخزف· لقد باتت ''حروب الأفيون''، التي استولت خلالها بريطانيا على ''هونج كونج'' ذكرى بعيدة في الذهن الغربي اليوم، ولكنها مازالت حاضرة وقوية في الوعي الصيني، وبالتالي، فحين يرى الصينيون أن الغرب يحاول أن يقتطع أراضي صينية مرة أخرى، فإن ذلك يمثل فركاً لجرح ما زال طرياً بالملح، ذلك أن كل الصينيين تقريباً يستبعدون أن تكون للحكومات الغربية دوافع أخلاقية فقط في التبت، ويرون أن جهودها ليست سوى أحدث جهود لتفتيت الصين أو إيقاف صعودها· هل انعدام الثقة الصيني بخصوص الحملات الغربية لحقوق الإنسان مبرر؟ لقد أغرم الغرب لأول مرة، بقيادة الرئيس ''نيكسون'' ووزير خارجيته ''هينري كيسينجر'' بالصين عندما كانت هذه الأخيرة قد خرجت للتو من ''الثورة الثقافية''، ولم يأتِ أحد حينها على الإشارة إلى واحد من أسوأ الفصول في تاريخ حقوق الإنسان، وبالمقابل، ركز الغرب خلال عقد التسعينات، حين كان الشعب الصيني يعيش أفضل ظروف معيشية يعرفها منذ قرون عدة، تركيزاً شديداً على مظاهرات ساحة ''تيانانمن'' وأدلة أخرى على نواقص وثغرات ملف حقوق الإنسان في الصين، وبالتالي، فإن المصالح الداخلية الغربية، وليست الظروف في الصين، هي التي تحرك المواقف· اللافت أن أسود حقوق الإنسان، وخاصة في العواصم الأوروبية، يتصرفون مثل الجراء في بكين، فجميعهم تقريباً يقضـون وقتهم في محاولة بيع المنتجات للصين، ثم يهمسون عرضاً بأن عليهم أن يذكروا مواضيع حقوق الإنسان لأنهم مضطرون، حين يعودون إلى بلدانهم، للقول إنه تم التطرق لهذه المواضيع، وهو ما يبعث برسالة واضحة لا لبس فيها: إنه تقليد غربي، رجاء لا تعيروه كبير اهتمام! وبالنظر إلى هذا السجل، فليس من الغريب ألا يكنَّ الزعماء الصينيون احتراماً كبيراً للزعماء الأوربيين حين يقومون بحركات ولفتات مفخمة بخصوص حقوق الإنسان أمام جماهيرهم الداخلية· المأساة هي أنه إذا كان ثمة ضحايا لهذا الغرور الأخلاقي، فهم التبتيون الذين سيعانون كثيراً في حال خُلق شعور قومي صيني كرد فعل على ذلك، حتى الآن وعلى الرغم من أن سجل حكم بكين على التبت ليس كاملاً أو مثالياً، إلا أن الزعماء الصينيين يحاولون الحفاظ على وضع الحكم الذاتي في التبت، ونظرياً، لا يوجد اختلاف أساسي بين موقف ''الدالاي لاما'' المنفي -الزعيم الروحي الأعلى للبوذيين التبتيين- وموقف الحكومة الصينية، ذلك أن ''الدالاي لاما'' يدافع عن فكرة الحكم الذاتي، وليس الاستقلال، أما الورقة السياسية الرسمية للحكومة الصينية حول التبت، فتقول إنها ''تَعتبر ممارسة الحكم الذاتي الإثني المحلي في المناطق حيث تعيش مجتمعات إثنية سياسةً أساسية لحل المشكلة الإثنية''، وتأسيساً على ما سلف، يتعين على الغرب أن يسعى إلى تضييق الهوة بين ''الدالاي لاما'' والحكومة الصينية بدلاً من توسيعها؛ غير أن ذلك يتأتى عبر الدبلوماسية الهادئة، وليس عبر محاولة إبهار الجماهير! كيشور محبوباني عميد كلية لي كوان هيو في جامعة سنغافورة الوطنية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©