الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نميري ودلالات التكريم

6 يونيو 2009 01:03
يظل السودان هو أرض المفارقات ومهد الغرائب والعجائب، ويبقى مكاناً لأنواع التناقض والاختلاف بين المقدمات والنتائج، ولا بد أن من يريد تسجيل تاريخ هذا الوطن سيجد أمامه الكثير من الألغاز التي تحتاج إلى قدر غير يسير من البحث والتقصي حتى يمكن فك طلاسمها. أقول قولي هذا وأنا أتابع واقعاً تعيشه العاصمة السودانية، وهو تشييع جثمان الرئيس الأسبق المشير جعفر محمد نميري (رحمه الله) إلى مثواه الأخير. تشييعٌ رسمي تقوم به القوات المسلحة وفق التقاليد العسكرية المعروفة ووسط الأنغام الحزينة لموسيقى الجيش، وهي تردد لحن الوداع الحزين. ويزداد الأمر أهمية بتقدم رئيس الجمهورية المشير عمر البشير لموكب التشييع. ولعله لولا أن ذلك ليس من الشريعة الإسلامية لأعلن الحداد في السودان ليومين أو ثلاثة أو أكثر. حكم الرئيس نميري السودان ابتداءً من يوم 25 مايو 1969 وحتى أبريل عام 1985، حيث أطاحت بنظامه ثورة أو انتفاضة شعبية فجرتها طلائع المثقفين من أطباء ومهندسين وأساتذة ثم أصبحت شاملة لم يتأخر عن المشاركة فيها إلا قليلون. بلغ من قوة تلك الانتفاضة وصلابة الجماهير فيها أنها، ضمن أشياء أخرى، هاجمت السجن المركزي الأكبر في السودان (سجن كوبر) فحطمت أبوابه وأخرجت المعتقلين منه، وكان على رأس مطالب أولئك الثوار أو المنتفضين عودة الرئيس جعفر نميري الذي عاد لتوه من زيارة للولايات المتحدة وفضل أن يبقى لاجئاً في مصر. لقد آوت حكومة مصر الرئيس الأسبق نميري ورفضت تسليمه للسودان، رغم اتساع نطاق الجهات السودانية المطالبة بذلك. وقالت مصر إن دستورها لا يسمح بتسليم من لجأ إليها سياسياً. بقي الرئيس الأسبق في مصر من يوم سقوط نظامه حتى مطلع هذا القرن، حيث قرر العودة للسودان بعد أن أُزيح عن قيادته، ثم سقط النظام الديمقراطي وجاء نظام عسكري آخر أبلغه أنه يرحب به فليعد إلى السودان إن شاء. وعاد نميري إلى الخرطوم ليستقبله نظام الحكم العسكري الجديد بالبساط الأحمر وليكرمه كما لو لم يكن في الأمر ما كان، وذهبت رغبات أولئك المنتفضين في أبريل عام 1985 أدراج الرياح أو كأنها لم تكن. وبديهي بعد كل هذا أن نقدر أن نظام الإنقاذ، وهو نظام عسكري قدر أن من مصلحته أن يكرم الرئيس الأسبق جعفر نميري وأن يفتح له الأبواب وأن يصد أي رياح تتحدث عن حساب أو عقاب. وهكذا يتجلى التناقض في الساحة السودانية وتختلف النتائج عن المقدمات، ويكون نصيب من تم الانقلاب عليه التكريم والاحترام والتقدير الذي لم ينله من قبل رجــــال كانــــوا في مقدمة من ناضلوا من أجل السودان وحريته واستقلاله، أمثال الرئيس الراحل إسماعيل الأزهري أوالزعيم الراحل أيضاً محمد أحمد محجوب، وغيرهمـــا كثر. محجوب عثمان
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©