الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الديمقراطية وجماعات الحكم

25 فبراير 2011 21:55
لم تكن الخبرة العربية الإسلامية غائبة عن تدشين أحد أشكال الحكم المعروفة على مدار التاريخ الطويل، وبالأخص بعد عصر الخلفاء الراشدين، حتى باتت تسمية الدولة تشتق من لقب حكامها بدءاً من الخلافة الأموية (662 750-) بداية من معاوية بن أبي سفيان، ومروراً بالخلافة العباسية (-750 1258)، ثم أخيراً الخلافة العثمانية ( -1224 1299) التي استمدت تسميتها من اسم مؤسسها عثمان بن أرطغل. ولم يقتصر هذا الشكل من الحكم على مستوى الخلافة وإنما امتد إلى الأمصار والولايات الأخرى، فمصر على سبيل المثال حكمت من قبل أحمد بن طولون الذي كان أول من استخلف ابنه فيها منذ الفتح الإسلامي لها على يدي عمرو بن العاص عام 639. وظلت ظاهرة الاستخلاف متسيدة الساحة السياسية، ليس في الخبرة العربية الإسلامية فقط، وإنما أيضاً في مناطق كثيرة على مدار القرون السابقة للعصر الحديث والذي بدأ مع النهضة الأوروبية، حيث حدثت نقلة في العلوم الطبيعية وتطبيقاتها بجانب العلوم الاجتماعية والفلسفية والتي جاءت معظمها كرد فعل لتحرير العقل الأوروبي تدريجياً من هيمنة الكنيسة بإعادة اكتشاف الإنسان لنفسه والنظر مرة ثانية إلى الأفكار والقيم التي تعيد الاعتبار لكرامته؛ كالحرية والعدالة ونسبية المعرفة. وبدأت الحياة تأخذ شكلا جديداً، حضارياً ومدنياً، وعلى مستوى الأفكار التي كان من نتيجتها أنها أعلت من قيمة الإنسان ووضعت من الأطر القانونية والمؤسسية التي تحفظ له كرامته وحقوقه التي كانت عرضة للانتهاك بسبب عوامل كثيرة أبرزها أولا: الهيمنة على العقل، سواء باسم الدين أو باسم التقاليد، وثانياً: هيمنة السلطة السياسية. وبالنسبة للعامل الأول فقد استطاعت أوروبا أن تنجح عبر أربعة قرون في أن تزيل هذه الغمامة بأفكار فلاسفة أعادوا للعقل مكانته الطبيعية. وبالنسبة للعامل الثاني كانت هناك تطورات على أرض الواقع تكثر احتكار السلطة السياسية بداية بالماجنا كارتا في عام 1215 كأول وثيقة دستورية في التاريخ استطاعت أن تمهد الطريق للتقليل من طغيان السلطة. واستمر الحال على هذا النحو إلى أن حدث التحول المهم في أواخر القرن الثامن عشر بتدشين وثيقة الحقوق الأميركية عقب انتهاء الحرب الأهلية التي شكلت العمود الفقري للدستور الأميركي مطلقة الآلية المؤسسية والقانونية لتداول السلطة. لكن في ظل النظام السياسي الديمقراطي الحديث، ظهرت أيضاً جماعات حاكمة، مثل عائلة كينيدي وآل بوش في الولايات المتحدة، أو حسب طبيعة النظام الديمقراطي بالإضافة إلى المورثات المجتمعية مثال عائلة غاندي في الهند، حيث الميراث التاريخي للأسرة يفرض على أفرادها العمل في السياسة ضمن نظام ديمقراطي، وهذا النمط شائع في الثقافة الآسيوية. وإذا كان النظام الديمقراطي قد سمح بوجود آليات في أن تكون هناك أكثر من فرصة لتولى أكثر من فرد ينتمون إلى عائلة واحدة، مقاليد الحكم وعلى فترات متباعدة، فذلك لا يشكل ظاهرة في حد ذاته بقدر ما أن هذه العائلة توافرت فيها الإمكانيات الذاتية من وجود الأفراد ذوي الخبرة السياسية والإمكانيات المادية لتولي منصب الرئاسة، شأنهم في ذلك شان أي مرشح آخر، وليست الخبرة الأسرية هي الدافع الوحيد للفوز بالرئاسة. وكثيراً ما كان ميراث العائلة في آسيا يمثل عاملا من العوامل التي تقف وراء فوز المرشح في الانتخابات، مثلما هو حادث في الهند وباكستان. وتلك ظاهرة أصبحت مألوفة في إطار انتخابي يتسم بالديمقراطية. لكن في بعض النظم الجمهورية قد يحدث أن النخبة الحاكمة تعمل بكافة السبل لإعداد أفرادها لتولى مقاليد الحكم، حتى ولو كان ذلك مخالفاً للدستور والقوانين. وقد يتأتى لها ذلك بفعل تفريغ المجتمع من فاعليته عبر أشكال مختلفة تتلخص كلها في تهميش المؤسسات التي تقوي من دور المجتمع في مواجهة السلطة، بما في ذلك الأحزاب والقوى السياسية، كما كان عليه الحال في العراق خلال عهد صدام حسين، حيث لا صوت يعلو فوق صوت القائد السياسي الذي لا يقبل اختلاف وجهات النظر أو المعارضة أو وجود مجتمع قوي سياسياً. عزمي عاشور كاتب مصري ينشر بترتيب مع مشروع "منبر الحرية"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©