الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إنقاذ الديمقراطية الأميركية بتعزيز العلوم الإنسانية

25 فبراير 2011 21:59
بعد وصفه التحديات الاقتصادية التي تواجهها أميركا اليوم بأنها "لحظة سبوتنيك عصرنا الحالي"، اغتنم أوباما خطابه حول "حالة الاتحاد" الشهر الماضي للدعوة إلى إنفاق فيدرالي أكبر على تعليم العلوم والرياضيات. وربما تساءل البعض أثناء الاستماع لخطاب الرئيس بشأن عدد مواطنيه الأميركيين الذين يعرفون ما هو "سبوتنيك" – وما الذي مثَّله بالنسبة للولايات المتحدة في عقد الخمسينيات. ولذلك، أعطى أوباما تذكيراً مقتضباً بقصة القمر الاصطناعي السوفييتي، الذي أُطلق عام 1957 وهز ثقة أميركا في قدرتها على التنافس في الفضاء والاقتصاد العالمي مستقبلًا. غير أن مثل هذه التشبيهات يمكن أن تفشل في تحقيق الهدف المتوخى منها في بلد حافل بالأميين التاريخيين، وذلك ما يتعين على زعيم العالم الحر أن يقلق بشأنه أكثر من أي شيء آخر في الواقع. فكل يوم تقريباً، تجلب لنا عناوين الصحف ما يبدو دليلًا جديداً على مدى قلة ما يعرفه العديد من الأميركيين عن تاريخ بلدهم. وفي هذا الإطار، وجد استطلاع للرأي أجراه "مركز الثورة الأميركية" غير الربحي أن عدد الأميركيين الذين يعرفون أن مايكل جاكسون غنى الأغنية الناجحة (Beat It) أكبر بكثير من عدد الأميركيين الذين يعرفون أن "قانون الحقوق" (Bill of Rights) جزء من الدستور الأميركي. كما أن أكثر من ثلث المشاركين في استطلاع الرأي المذكور لم يعرفوا القرن الذي وقعت فيه الثورة الأميركية. مثل هذه الخلاصات تشير إلى أن على الرئيس في الواقع ألا يقلق بشأن دعم العلوم والرياضيات فحسب، وإنما أيضاً بشأن الطريقة التي يهتم بها بلده بدراسة العلوم الإنسانية. ذلك أن العلوم الإنسانية، التي تشمل التاريخ والفنون والآداب والموسيقى، هي مصدر الرأسمال الإبداعي لأميركا، كما أنها مصدر مهم أيضا للحكمة بالنسبة للأشخاص الذين يرغبون في دعم مجتمع حر، مثلما يرى الإعلامي والمناضل التقدمي "هودينج كارتر" من ميسيسيبي الذي قال هذا الكلام في خطاب ألقاه على طلبة الجامعة عام 1955، وأعتقد أن كلماته تكتسي طابعاً أكثر إلحاحاً اليوم أكثر من أي وقت مضى. وقتئذ، لم يكن "سبوتنيك" قد غادر منصة الإطلاق بعد عندما أدلى "كارتر" بهذه التصريحات، ولكنه كان يستشعر منذ بعض الوقت انشغالًا وطنياً بالعلوم يهدد بإهمال قيم الفنون والآداب الليبرالية. وجهة نظر "كارتر" لم تكن تقدم اختياراً خاطئاً بين العلوم الحقة والعلوم الإنسانية، وإنما تذكِّر بأن المجتمع الديمقراطي المستنير يحتاج للاثنين معاً. فمن بدون معرفة أساسية بالعلوم الإنسانية، يقول "كارتر"، ما كان "الآباء المؤسسون" ليستطيعوا خلق "قانون الحقوق" (Bill of Rights) . وقال أيضاً: "إن محرريه كانوا من المشتغلين في مجال الفنون والآداب الليبرالية، وإن لم يصفوا أنفسهم كذلك"، كما قال. وفي وقت بزغ فيه فجر "سبوتنيك"، استمر "كارتر" في النهل من الأدب والتاريخ لمواجهة بعض من أكثر القضايا الأخلاقية إزعاجاً مثل العنصرية، والصراع بين الولايات، وتداعيات العنف في بلد ملتزم دستورياً بالخطاب المدني. والواقع أن بواعث القلق هذه مازالت حاضرة اليوم، ولكن البلد الذي لم يعد مرتبطاً بالعلوم الإنسانية لا يمكنه أن يأمل في فهم ومعالجة كفاحات مجتمع حر. غير أن ثمة أيضاً تأثيراً اقتصادياً حقيقياً يترتب عن النقص من قيمة تعليم العلوم الإنسانية؛ ذلك أن طلبة اليوم ينبغي أن يكونوا مفكرين مبدعين تلقوا تعليماً شامالاً، ومسلحين بمهارات التفكير النقدي من أجل توظيفها في سوق عمل عالمية دائمة التغير. ومن أجل مواكبة الوتيرة التي يتحرك بها مثل هذا الاقتصاد، يتعين على الطلبة أن يستمروا في التعلم مدى الحياة، مزودين ليس بمعرفة محتوى معين فحسب، وإنما بخلفية أوسع اطلعوا فيها على طيف واسع من الأفكار والمواضيع. هذه الحقيقة يؤكدها عميد كلية أوبرلين للعلوم والآداب شين ديكاتُر الذي يشير إلى دراسة هامة تُظهر أن "نتائج تعليم ليبرالي تنسجم مع المهارات التي يفضل مشغلو القطاع الخاص توفرها في العمال المقبلين". ولكن الدراسات تجد أيضاً أن الطلبة الأميركيين يُظهرون عجزاً مثيراً للقلق في معرفتهم للتاريخ والجغرافيا والدراسات الاجتماعية؛ حيث وجد اختبار "التقييم الوطني لتقدم التعليم" أن 57 في المئة من طلبة المدرسة الثانوية حصلوا على علامة "تحت المستوى الأساسي" في ما يتعلق بتقييم تاريخ الولايات المتحدة. وفي هذا الإطار، تشير مبادرة "الدراسات الاجتماعية بولاية نيويورك" إلى أنه "لا يوجد مثل هذا العدد الكبير من الطلبة الذين يحصلون على علامة "تحت المستوى الأساسي" في أي موضوع آخر أجرى حوله "التقييم الوطني لتقدم التعليم" اختبارا". غير أنه في كتابه الأخير يجادل "مارك سلوكا" بأنه لا يمكن الاهتمام بالعلوم الإنسانية لفوائدها الاقتصادية فحسب. ويركز بدلًا من ذلك على الدور الرئيسي للعلوم الإنسانية في بلد ديمقراطي إذ يشير إلى أن العلوم الإنسانية تساهم في خلق "فردٍ قادر على التواضع؛ فرد يدرَّب على التساؤل، ما يعني استبعاد تنازله عن ذلك الحق؛ فرد يقاوم الإكراه والتلاعب والديماغوجية بكل أشكالها. باختصار، إن العلوم الإنسانية هي آلة ممتازة لنشر ما يمكن أن نسميه قيما ديمقراطية. ولا يوجد حسب علمي شيء أفضل من ذلك". إن هذه الكلمات تستحق أن يعمل بها المرء في وقت تنتظر فيه أميركا،، سدى ربما،، أن يدرك زعماؤها أن دعما أقوى للعلوم الإنسانية ينبغي أن يكون هدفا وطنيا – مُهما بالنسبة لمستقبل أميركا كأهمية تعليم العلوم والرياضيات، إن لم يكن أكثر. داني هيتمان كاتب أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©