الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

وداعا جلال عامر

وداعا جلال عامر
25 فبراير 2012
نعم يا سادة يا كرام، مات الساخر المصري الرائع جلال عامر.. كنت قبل سنوات قد شعرت بأن المدرسة المصرية الساخرة قد نضبت، بعد أن شاخ الساخرون الأوائل وشاخت كتاباتهم وتحولت الى مجرد قفشات اجتماعية، الى أن تعرفت بالصدفة على كتابات جلال عامر في موقع اليكتروني يدعى «الحوار المتمدن»، ومن ذلك الوقت وأنا أعشق هذا الرجل الذي أعاد الاعتبار لمصر في الحق الوراثي بالقيادة التاريخية للساخرين العرب مع زميله الرائع بلال فضل. ولم أصدم حينما قرأت هذا الأسبوع بأن الرجل قد مات من الزعل.... نعم من الزعل والغضب والحنق، لأنه شارك في تظاهرة في الإسكندرية ضد المجلس العسكري، لكن المشاركين في المظاهرة اشتبكوا مع مشاركين في مظاهرة تؤيد المجلس العسكرى...... فانهار قلب الساخر جلال عامر وهو يرى هذا الصدام بين الأخوة، حيث تحل العصا مكان الكلمة، والبلطة مكان الحوار. ثم انهار قلب الساخر تماما في المستشفى الى أن توفي عن ستين عاما فقط لا غير، وكانت آخر كلماته، وهو يصرخ في المستشفى مستنكرا: «المصريين بيقتلوا بعض؟؟؟؟!». جلال عامر كان نسيج وحده، وهو أحد أبطال العبور عام 1973، ذلك النصر الكبير الذي أهدره القادة تحت الخيمة (101)، وهو أكثر كاتب ساخر كان ينتقد نظام حسني مبارك، ولم يهادن معه للحظة واحدة، لذلك يمكن أن نفهم هذا الانهيار النفسي الكبير الذي تعرض إليه نتيجة اقتتال المصريين بعد زوال النظام شكلياً. جلال عامر مشهور بعباراته القصيرة المؤثرة الراقصة، كان مثل محمد علي كلاي على الحلبة «يرقص كالفراشة ويلدغ كالنحلة»، وهي عبارات متداولة كثيراً لدرجة أنه قال مازحا «أكثر ما يتعرض للسرقة في مصر، ألحان بليغ حمدي وكلمات جلال عامر»، وقد حاولت تقليد هذا الأسلوب، لكني لم أنجح في كتابة الكثير، ثم اعتزلت، لأنها متعبة جداً، بينما كان جلال يكتب أسبوعياً ما يزيد عن عشر مقالات تنتشر كالنار في الهشيم. ومن يعود لكتاباته يجد أنة ابتكر أساليب خاصة به في الكتابة الساخرة، معظمها صعب التقليد، لذلك كان انهياره في غرفة العمليات، ليس مجرد وفاة ساخر، بل كان انهيار مدرسة ساخرة بأسرها، على رؤوس تلاميذها وروادها. وفاة جلال عامر هي طعنة في قلب الساخرين، لكنها في ذات الوقت نيشان على صدورهم، ورد قوي ومباشر على أولئك الذين يعتبروننا مجرد مضحكين وأصحاب قفشات، وها هو قلب الساخر المنفجر غضباً يؤكد لهم أن قلب الساخر، هو وردة ذات عبير ساحر، وردة: لكن أشواكها تنغرز في الداخل حتى يذوب القلب الذي يضحك الناس على أخطائهم وخطاياهم. أنا مرتبك حتى الآن، وأشعر أني لم أعط هذا الرائع حقه، وربما سأعاود الكتابة عنه لاحقا، وأترككم هنا مع بعض كلماته المحفورة في ضمير الناس: - أوروبا تفهمنا أكثر من أميركا... يفصلنا عنها بحر... وعن أميركا محيط. - الكل يمشي وراء أميركا... وأميركا لا تمشي وراء أحد إلا في جنازته. - تمثال الحرية... ضاعت الحرية وبقى التمثال. - نؤمن بوجود العالم الآخر... لكننا لا نؤمن بوجود الرأى الآخر. - مع إن أغلبنا قرويون، فإن المدينة تحولنا إلى كرويين نهتم بالكرة أكثر من اهتمامنا بالقرى. - الفاصل الزمني بين الحضارات هو الوقت الضائع في مناقشة زي المرأة. - «واتفق العرب»... عبارة مقتبسة من إحدى قصص الخيال العلمي. يوسف غيشان ghishan@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©