الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

كواليس وأسرار انقلاب أمير قطر السابق على والده

كواليس وأسرار انقلاب أمير قطر السابق على والده
14 مارس 2018 23:11
أحمد مراد (القاهرة) يحرص النظام القطري على طمس الحقائق وترويج الإشاعات والأكاذيب كوسيلة من أجل دعم سيطرته على مقاليد الحكم في قطر، والإساءة إلى الدول التي تدرك مخاطره، وتحاول الحد من هذه المخاطر، وفي مقدمتها الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب والتي اتخذت قراراً في الخامس من يونيو 2017 بمقاطعة قطر حتى تتخلى عن الإرهاب والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى بما يهدد استقرار المنطقة. واستغل النظام القطري ذراعه الإعلامي المدمر والمتمثل في «الجزيرة» من أجل التعتيم على أسرار انقلاب حمد بن خليفة على والده عام 1995 متناسيا وجود شهود عيان قاموا بسرد الحقائق عن تفاصيل هذا الانقلاب. ففي كتاب حمل عنوان «دولة قطر المتقلبة»، كشف الاقتصادي والكاتب اللبناني، د. مروان اسكندر، كواليس وأسرار الانقلاب الناعم الذي قاده أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ضد والده، بمعاونة زوجته الثانية الشيخة موزا بنت ناصر المسند، ووزير الخارجية ورئيس الوزراء الأسبق حمد بن جاسم، موضحا أن الانقلاب جاء بعد تفاهم وتشاور حمد بن خليفة مع الإسرائيليين والأميركيين. وأوضح مؤلف الكتاب أن تفكير حمد بن خليفة في الانقلاب على أبيه لم يأت من قبيل المصادفة، حيث كانت له خلفيات تاريخية تعود إلى أكثر من عقدين من الزمان، وبالتحديد عندما عين الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني -تولى الحكم من سنة 1972 وحتى 1995- ابنه الشيخ عبد العزيز المتخرج في الولايات المتحدة الأميركية في علم الاقتصاد وزيرا للنفط والمال، وعين ابنه الأكبر الشيخ حمد وليا للعهد ووزيرا للدفاع وشؤون الأمن، والذي أنهى سنتين من الالتحاق بكلية «ساندهورست» البريطانية المختصة بهيئة الضباط العسكريين، والذي بدا طامعا في السلطة، وسعى إلى بسط سيطرته ونفوذه على ثروة قطر من الغاز، حيث عمل على فصل الغاز عن سلطة أخيه، وأوكل إدارة شؤونه إلى أحد رجالاته الذي ثبت فيما بعد أنه مرتش، وبعدها نقل الوزارة من أخ منافس له وهو عبدالعزيز إلى أخ موال له وهو الشيخ عبدالله. ورصد الكتاب الفوارق والاختلافات التي أسهمت في اتساع حدة الفجوة بين الشيخ حمد ووالده الشيخ خليفة، فبينما كان الشيخ خليفة يخشى من الأطماع الدولية ببلد صغير يتمتع بثروة ضخمة من الغاز، ويعمل بهدوء وروية، ويسعى إلى توازن المصالح، كان الشيخ حمد يرى في هذه الثروة مصدر قوة وعظمة، واعتبر أن التحدي الأساسي له هو الابتعاد عن العلاقات الوثيقة مع السعودية، وعمل على توثيق العلاقات مع إيران، حيث أبرم في عام 1991 اتفاقا مع الإيرانيين أقر لهم فيه بمنافع ومكاسب من حقل غاز الشمال، ومهد لاستيراد مياه من إيران بواسطة أنبوب تبلغ تكلفة إنجازه نحو 15 مليار دولار. وفي ذلك الوقت، نبه وزير الخارجية الأميركي «جيمس بيكر» قطر إلى ضرورة الابتعاد عن توثيق العلاقات مع إيران، وبعد التحذير الأميركي طويت صفحة الاتفاق الذي وقعه حمد مع الإيرانيين، وبعد حرب الخليج الثانية، وإخراج العراق من الكويت أدرك حمد بن خليفة أن أميركا هي المؤثر الأكبر في منطقة الشرق الأوسط، وأصبح همه إرضاء الأميركيين. وأشار الكتاب إلى ملامح الخلاف والشقاق بين الشيخ حمد ووالده الشيخ خليفة، فالشيخ خليفة رجل هادئ يسعى إلى توفير توازنات للكتل الاقتصادية الكبرى في مستقبل تطوير ثروة بلاده من الغاز، وولي عهده شاب يتحرق للسلطة، ويدرك أن عليه الحصول على الرضا الأميركي، تكفيراً عن اندفاعه نحو توثيق العلاقات مع إيران في ذلك الوقت، وقاده تفكيره إلى أن أفضل سبيل لكسب الصفح الأميركي هو إرضاء إسرائيل، وقام حمد بن جاسم بهذا الدور، حيث تواصل مع الإسرائيليين، وتعهد بتوفير الغاز لهم بأسعار معقولة وكميات وافرة، وطلب بالمقابل أن تعمل إسرائيل على إقناع أميركا بأن قطر توفر إحدى الركائز الأساسية للسلام والازدهار في السوق الشرق أوسطية التي تصورها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق شيمون بيريز. وأشار المؤلف إلى أنه بعد محاولات مستفيضة، ومداخلات إسرائيلية مكثفة، توصل حمد بن جاسم إلى إقناع الأميركيين بتوبة الشيخ حمد بن خليفة وتبعيته لهم، وقدمت قطر تسهيلات لإقامة قاعدة جوية أميركية في الدوحة،والتزمت بتوريد الغاز إلى إسرائيل،وكان الثمن وصول حمد بن خليفة إلى سدة الحكم لكي يفي بجميع التزاماته من دون مناقشة أو محاسبة من أحد،ولهذه الأسباب حصلت مسرحية الانقلاب على الأب، وانحازت قطر إلى إسرائيل،وأصبحت ثروة الغاز في قطر بتصرف الأميركيين بعد أن كانت مرشحة لتكون ثروة للقطريين. وذكر الكتاب أنه بعد توافر أسباب الانقلاب على الشيخ خليفة، أصبح التوقيت بمثابة الهاجس الأول للشيخ حمد، والذي رأى في امتناع والده عن الموافقة على تسديد تكلفة إنشاء قصر كبير له مبرراً كافياً للانقلاب عليه، وكان هذا القصر الخاص بالشيخ حمد قد شُيد بمواصفات تفوق تلك المتوافرة في قصر الأمير، وقدرت تكلفة إنشائه بنحو 700 مليون ريال (200 مليون دولار)، وارتفعت التكلفة نتيجة البذخ المسرف إلى 1700 مليون ريال (500 مليون دولار)، وقد رفض الشيخ خليفة تسديد الفارق ما بين التقديرين من المال العام، وطلب من الشيخ حمد التسديد من أمواله الخاصة الوفيرة، ورأى الشيخ حمد في رفض والده لدفع هذه الفاتورة الباهظة فرصة للانقضاض على السلطة، وهذا ما حصل. وفي السابع والعشرين من يونيو عام 1995، توجه ولي العهد القطري الشيخ حمد بن خليفة بسيارته والحماية المعهودة إلى الديوان الأميري ليعلن من مكتب والده الشيخ خليفة بن حمد في بيان مقتضب أنه سيتولى إدارة شؤون البلاد كأمير، زاعما أنه يقوم بهذه الخطوة بتأييد من العائلة الحاكمة والشعب القطري، وأنه لا يطلب السلطة من أجل السلطة بل من أجل خدمة الشعب القطري، وتسيير شؤون قطر الداخلية والخارجية. وبعد ساعات قليلة من إعلان حمد عن تسلمه السلطة، أعلنت واشنطن مباركتها لما تم في الدوحة. وكان الشيخ خليفة بن حمد في ذلك الوقت يتواجد في سويسرا، وأعلن من هناك أن نجله الأكبر وولي عهده تسلم السلطة اغتصابا لها، وأنه سيعود بالتأكيد وبأي ثمن إلى قطر لرعاية شؤون شعبه، ولكي يتأكد الشيخ حمد من صعوبة ارتداد والده عليه بعد الانقلاب، منع سفر مدير مكتبه الدكتور عيسى الكواري، وهو شخص مثقف وقوي الحجة، وكان قادرا على محاورة المسؤولين الأجانب، وتم وضعه تحت الإقامة الجبرية، وأجبره على تسليم كافة الملفات ومحفوظات الكمبيوتر الخاص بمكتب الأمير، وكان الشيخ حمد ينوي احتجاز الكواري بصورة دائمة لولا تدخل السعوديين بناء على طلب الشيخ خليفة. وأكد د. اسكندر في كتابه أن أمير قطر الجديد بعد أن استظل بالحماية الأميركية لم يكن مستعجلا لحيازة الموافقات العربية باستثناء المملكة العربية السعودية، حيث أوفد شقيقه الشيخ عبدالله ووزير خارجيته حمد بن جاسم لشرح موقفه للسعوديين، والتأكيد على نية قطر في التعاون معهم ومع جميع دول مجلس التعاون الخليجي، والابتعاد تدريجيا عن إيران رغم أنه كان صاحب مبادرات التقارب معها عندما كان وليا للعهد، وردا على ذلك دعا الجانب السعودي إلى التزام الروية والهدوء واستمرار التعاون ما بين قطر ودول مجلس التعاون الخليجي، ولفت وزير خارجية السعودية إلى ضرورة الانتهاء من عملية ترسيم الحدود بين البلدين، حيث كانت قطر تتردد بقرار من حمد بن خليفة -عندما كان ولياً للعهد- في تعيين الشركة المختصة لإنجاز الترسيم المطلوب. وأشار المؤلف إلى أنه بعد نجاح حمد بن خليفة في إطاحة والده، عمل بمعاونة نصيره حمد بن جاسم الذي أصبح فيما بعد رئيس وزرائه، على ترسيخ أركان الحكم الجديد من خلال استنباط أجندة سياسية تظهر قطر في صورة البلد الحضاري الطامح إلى لعب دور إقليمي ودولي، وكانت البداية من خلال السعي إلى ترسيخ العلاقة مع أميركا، وذلك من خلال الاتفاق على قاعدة العديد العسكرية، حيث سافر حمد بن جاسم إلى أميركا ليؤكد للأميركيين أنهم سيحظون بغالبية عقود تسييل الغاز وتصديره، وربط وعود قطر بالاقتراض من البنوك الأميركية لتنفيذ هذه المشاريع الضخمة. وأوضح المؤلف أن حرص النظام القطري الجديد على إظهار قطر في صورة الدولة المؤثرة إقليميا ودوليا، دفع حمد بن خليفة وحمد بن جاسم إلى إنشاء فضائية الجزيرة كي تكون الذراع الإعلامية الدولية للنظام القطري، وكان الهدف من إنشاء الجزيرة هو اكتساب تأييد الفئات الشعبية ومهاجمة مختلف الدول العربية، وكان حمد بن خليفة هو صاحب المحطة والكفيل بتمويلها، ونجحت الجزيرة في استقطاب المشاهدين على نطاق واسع، ساعدها في ذلك الميزانية الضخمة التي خصصت لها، والتي قُدرت في عام (2005 ــ 2006 ) بـ 650 مليون دولار أي ما يضاهي ميزانية العديد من محطات التلفزة العالمية، وخصصت الجزيرة مساحة كبيرة من خريطتها البرامجية لأنصار ورموز جماعة الإخوان، وكان حمد مطمئنا إلى أن الأميركيين لن يعترضوا على برامج الإخوان في الجزيرة. كما خصصت الجزيرة مساحة أخرى لتقديم آراء الخبراء الإسرائيليين، وهذه المنهجية اتفقت قطر عليها مع الأميركيين الذين وجدوا لدى قطر الرغبة في إرضائهم بأي ثمن. وبعد ذلك تأسست «مؤسسة قطر» لتكون أداة تعطي صورة حضارية عن قطر تضاف إلى النشاط الإعلامي للجزيرة، وتوسعت أعمال هذه المؤسسة لتشمل المتاحف والفرق الرياضية والبرامج الإعلامية، منها ما سُمي ببرنامج «wise» أو برنامج «الحكمة» الذي تمتد خدماته إلى عقد مؤتمرات تستقطب علماء جامعيين من مختلف بقاع العالم للتباحث في مجال استحداث البرامج التعليمية ومحاولة نشرها في البلدان النامية، ورغم كل ذلك ورغم تعدد المدارس والجامعات في قطر لا تزال مستويات الإدارك العلمي في مجالات الرياضيات واللغات متدنية، فنتائج الطلاب في المدارس الابتدائية والثانوية لا توازي نسبة 28 ـ30 % من التحصيل المتحقق في البلدان الصناعية، وفي أحسن الأحوال توازي 40% من التحصيل المتحقق في الاردن. وأكد د. اسكندر أن ما حدث في 27 يونيو عام 1995 كان عملية استبدال أمير حكيم ومتمهل بأمير طموح مستعد للمجازفة بمستقبل بلاده وانتمائها إلى الأمة العربية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©