الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بلا أمان

بلا أمان
8 يونيو 2009 01:06
كنت معجبة بالأفلام الهندية ومفتونة بها، ولم أكن أتصور بأن حياتي ستكون فلماً هندياً حقيقياً، أنا بطلته، أما البطل!! فهو يتغير لعدة مرات، أما أسم الفيلم!! فهو كما أعتقد «بلا أمان»، فالحياة التي عشتها مليئة بعدم الاستقرار، وهي تفتقد للأمان، ربما يمكنني القول بأن قصتي فيها أحداث متشابكة، فمنذ طفولتي وأنا افتقد للشعور بالاستقرار النفسي والأمان، والدتي امرأة هندية، كانت تفرق بيني وبين أخوتي في المعاملة، ولم أعرف السبب، لماذا لم تكن تحبني كما تحب أخوتي الذكور؟ لا أدري، ربما لأنها إنسانة غير متعلمة وغير واعية لما تقوم به، وربما لأن مسؤولية الفتاة هي شيء ثقيل لا يريده الناس، وربما لأنه موقف إنساني قديم من الفتاة، توارثناه طوال السنين. المهم هو أن أمي تحملت مسؤوليتنا بعد وفاة والدي وربتنا بطريقتها الخاصة، حيث زوجتني وأنا في الثانية عشرة من عمري، ولم تراع طفولتي وعدم نضجي الكافي لتحمل المسؤولية، ووافقت على أول خاطب بعد أن جاء ببعض الصور التي تظهره مع المسؤولين الكبار، فأقنعها بأنه يعمل بوظيفة مهمة، كنت عائدة من المدرسة أحمل كتبي بين ذراعي، ففاجأتني بقولها إنه قد تم عقد قراني، وإن عرسي سيكون في الأسبوع القادم، رميت كتبي ودفاتري وأجهشت بالبكاء، لأنني لا أعرف ماذا سأفعل في ذلك الزواج الذي سيحرمني من مدرستي وصديقاتي، ظللت مرتدية مريول المدرسة طول اليوم ورفضت تناول الطعام. أمر لا مفر منه لم يكن أمامي سوى الرضوخ للأمر الواقع الذي تم بدون إرادتي، فدخلت بيت الزوج الذي لم يكن سوى شاب مخادع، فاشل، كذب على أمي بتلك الصور، فاتضح إنه لا يعمل بأي وظيفة وإنما يتكسب بعض الأموال عن طريق الوساطات والنصب والتحايل، فيصرفها على جلسات المزاج والخمر، وكان بحاجة لخادمة تجهز له جلساته وتنظف بيته الحقير الذي هو عبارة عن ملحق صغير قديم ومتهالك، وطبعاً لم يكن أهلاً للمسؤولية أبداً، فكان يضربني ويهينني باستمرار، وكلما كنت أشتكي لوالدتي كانت تقول لي: أصبري وحاولي إصلاحه!! وهل يمكن لطفلة في ذلك السن أن تصلح ذلك الفساد المعشعش في كل ذرة من كيانه؟ عشت معه أسوأ ثلاث سنوات عشتها في حياتي وأنجبت منه ولداً وبنتاً، بعدها دخل السجن، فطلبت الطلاق فتم لي ذلك وأنا في السابعة عشرة من عمري. تجربة أخرى فاشلة لم أبق طويلاً في بيت أهلي، حيث كانت والدتي تتذمر باستمرار من مسؤوليتي أنا وأطفالي، فأقنعتني بالارتباط بابن أختها الذي كان يحمل الجنسية الهندية، وقد أبدى حماسه للارتباط بي واحتضان أطفالي والاهتمام بنا والتكفل برعايتنا، فوافقت وتزوجته وبعد أن عشت معه سنتان حياة كلها تقشف وحاجة، اكتشفت بأنه على علاقة بامرأة من جنسيته وعدها بالزواج بعد الحصول على الجنسية عن طريق الزواج بي، وقد وعدها بأنه سيطلقني ويرميني أنا وأولادي في الشارع!! اكتشفت هذا الأمر بعد أن أنجبت منه بنتين، حيث استمعت إلى مكالماته مع تلك المرأة، فثرت عليه وهددته، فاعترف بأنه لم يحبني يوماً وإنما تزوجني من أجل الحصول على الجنسية فقط، طلبت منه أن يطلقني، فطالبني بثمن معلبات الفاصوليا التي أكلتها في بيته أنا وأولادي طوال السنتين!! الاعتماد على النفس عدت إلى بيت أهلي وأنا أحمل خيبتي ومعي أربعة أطفال لا ذنب لهم، فقررت الاعتماد على نفسي فخرجت للعمل كسائقة للتاكسي، فكنت أكدح طوال اليوم في الشمس الحارة وأنا أتلقى الطلبات من بعض السائحات الخليجيات أو بعض الأسر الغنية التي تفضل وجود سائقة امرأة بدلاً من الرجل، فكانت تلك وسيلتي لكسب العيش لأعيل نفسي وأطفالي، فلم يكن راتب الشؤون يكفي لمصاريف الأطفال واحتياجاتهم. جاءت فرصتي الثالثة، حيث جاء أحدهم ليخطب أختي فشاهدني فأعجب بي وقرر خطبتي، فأخبرته والدتي بأنني فاشلة ولا استحق الاهتمام لأنني طلقت مرتين، ولكنه أصر على الارتباط بي، وقال لها: هذه المرأة جوهرة نادرة ولم تجد من يعرف قيمتها، وتم الزواج وسط معارضة والديه وغضبهما، فكيف لذلك الشاب الوسيم الناجح أن يرتبط بامرأة مطلقة لمرتين ولها أربعة أبناء!! ولكنه واجه الجميع وتزوجني وعوضني عن كل ما عانيته في حياتي السابقة، فكان نعم الزوج ونعم الأب لأبنائي، كان رائعاً بمعنى الكلمة، طيباً مخلصاً متفانياً من أجلنا، بذلت جهدي لإسعاده فهو يستحق كل الاحترام والتقدير والحب والرعاية، فكان بيتنا الشعبي الصغير مثل الجنة التي تزينها العصافير، بعد أن أنجبت منه أربعة أطفال عاشوا مع إخوتهم تحت جناح ذلك الأب الرائع كأسعد أسرة متحابة ومتماسكة. السعادة لا تدوم استمرت سعادتنا ثماني سنوات وفجأة حدث ما لم نتوقعه، فقد اكتشف الأطباء إصابته بمرض خبيث، جن جنوني وحملته إلى المستشفيات الخاصة والعامة وعرضته على الأطباء وتوسلت إليهم بأن يساعدوه على الشفاء، فبذلوا قصارى جهدهم، بعدها قرروا سفره إلى الخارج لإجراء بعض العمليات. تعرض بيتنا قبل موعد السفر بفترة بسيطة إلى الحريق بسبب تماس كهربائي، فالبيت شعبي قديم متهالك ولم نملك المال الكافي لعمل الصيانة الكافية له، فلم اهتم للبيت وتركته وتركت أبنائي الأربعة الكبار عند والدتي وحملت الأربعة الصغار معي وسافرت مع زوجي لأكون إلى جانبه وهو يتعرض لتلك العمليات الخطيرة والمعقدة في أنحاء مختلفة من أحشائه، كنت في حينها أجمع المصروف الذي كانت تمنحه الدولة لنا هناك لأنني أعلم ما ينتظرنا عند عودتنا، حيث لا بيت يأوينا بعد أن احترق بيتنا، كنت أوفر المال بتقليل طعامنا قدر الإمكان، فمضت ستة أشهر عدنا بعدها إلى الوطن وكنت مضطرة لترك زوجي عند أهله من أجل تعديل بيتنا. استعنت بذلك المبلغ القليل الذي جمعته، وقمت بعمل غرف خشبية، وبنيت مطبخاً جديداً، ثم فرشت الغرف بالسجاد، واشتريت بعض الأثاث البسيط الضروري، وبعد أن أكملت كل شيء، ذهبت كي أعيد زوجي إلى بيته، فرفض أهله، ثم حدثت مشاجرة عنيفة بيني وبينهم، وكنت وحدي في مواجهتهم، فتعاطف معي زوجي وأراد أن يشارك في الدفاع عني، ولكنه سقط مغشياً عليه، فنقلناه إلى المستشفى وهو في حالة خطرة. ثلاثة أيام قاسية وصعبة مرت علي وأنا في بكاء مستمر، أجلس عند باب الطوارئ، أدعو ربي أن يرحم زوجي ويخفف عنه، ولكن شاءت إرادة ربي أن يأخذه إلى جواره، فتوفي بعد صراع شديد مع المرض. لم تكن الأزمة سهلة أبداً، خصوصاً بعد أن فقدت الإنسان الوحيد الذي أحبني وعطف علي وعاملني أفضل معاملة، الإنسان الوحيد الذي أشعرني بالأمان، وأن الدنيا بخير، ولكنها إرادة الله، وكلنا ضيوف على هذه الأرض. عدت إلى حياة الشقاء وتحمل المسؤولية لوحدي، فعدت للعمل كسائقة تاكسي، وتحملت المعاناة والأذى من أجل تربية أبنائي، وقد وضعت كل أملي فيهم، وكنت أصبر نفسي بأنهم سيكبرون ليقفوا إلى جانبي ويساعدونني في حملي مسؤولياتهم، ومشاكلهم، وكانت النتائج كلها بعكس ما توقعت وخططت. الإدمان على المخدرات ترك ابني الكبير دراسته الثانوية، ولجأ إلى شلة من أولاد الحرام، الذين استطاعوا التأثير عليه ليصبح إنساناً فاشلاً، مدمناً للمخدرات، وكان ذلك لعدم خوفه مني، ولعدم وجود أب يتابعه ويعاقبه ويخشاه، فدخل السجن بعد عدة أعمال شغب وسرقة واحتيال، الغريب هو إنه وعلى الرغم من إنه لم يعش مع والده، ولم يختلط به، وعلى الرغم من كل الجهود التي بذلتها كي لا يصبح فاشلاً مثل والده، إلا إنه صار نسخة طبق الأصل منه، وكأنه هو الذي رباه وعلمه كل أفعاله وسلوكياته، فغسلت يدي من هذا الولد الذي صار يقضي معظم أيامه في السجون. أما بالنسبة للبنت الكبرى والتي تليها، فقد تقدم شابان لخطبتهما، فوافقت كي أحافظ عليهما، فقد وصلتا إلى عمر الزواج، وصرت أخشى عليهما من عيال الحرام، فأنا طوال اليوم في العمل، وهما لوحدهما في البيت مع أخوتهما الصغار، فخشيت أن يغويهما الشيطان فتتعرضا للانحراف، فوافقت على تزويجهما وأتممنا العقد بمهر بسيط، على أن تتجهزا للزواج خلال فترة بسيطة، ولكن الأمر طال كثيراً وأصبحا يترددان على البيت كثيراً أثناء غيابي، لذلك اضطررت بالتكفل بمصاريف العرس بنفسي بعد أن استلفت مبلغاً من المال كي اســتر على بناتي، ولله الحمد فقد تم العرس وذهبتا إلى بيت الزوجية. لم يمر وقت طويل على زواجهما حتى عرفت بأن حظهما لا يقل سوءاً عن حظ والدتهما، فسرعان ما حدثت المشاكل بينهما وبين أزواجهما، وكلما عادت إحداهما إلى بيتنا لتشتكي، جاء زوجها فضربها بشدة وإذا حاولت أن أساعدها، أخذت نصيبي من الضرب، بعدها يأخذ زوجته ويعود بها إلى بيته. هكذا أصبحت أتعرض للضرب والتهديد من قبل أزواج بناتي، فهم لا يخافون من أحد، ولا يضعون لنا أي اعتبار، فلا رجل يخافون منه أو يحسبون له حساباً. المشوار لايزال أمامي طويلاً، وأنا أحاول أن أدفع بعربة المسؤولية المحملة بالعيال، ولا أدري هل استطيع أن أوصلهم بنفسي إلى بر الأمان؟ إنه أمر بيد الله، ولكن المعاناة مستمرة ولا أحد يدري ما تخبئه الأقدار.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©