الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شيف عالمي يتلمس الروابط بين المطبخين الإماراتي والهندي

شيف عالمي يتلمس الروابط بين المطبخين الإماراتي والهندي
24 فبراير 2013 19:45
أكثر ما يجذب ذواقة المأكولات هو تناول طبق محضر على أيدي طاه خبير في أمور الإبداع المطبخي. وتعلو درجة التشويق إذا كان الطعام مجبولا بخبرة تعود إلى مئات السنين من الإرث الثقافي في عالم التوابل والنكهات. وهذا ما سهلت أبوظبي حدوثه باستضافتها نجم الطهي الهندي الشيف امتياز قريشي، الذي تعود جذوره إلى أسرة من كبار طهاة أباطرة المغول القدامى، وخلال تواجده في العاصمة حرص قريشي على الاطلاع على فنون المطبخ الإماراتي، مؤكدا العلاقة الوثيقة التي تربطه بالمطبخ الهندي، والتي نشأت من خلال النشاط التجاري البحري الذي حمل معه نكهات طوعها المطبخ الإماراتي لتناسب البيئة المحلية. نسرين درزي (أبوظبي) - عند الالتقاء بالشيف امتياز قريشي، الذي يناهز الثمانين من العمر، ومراقبته أثناء تعامله مع أدواته خلف منصة التقطيع في المطبخ، يبدو وكأنه قائد أوركسترا يمعن في إدارة أجمل الألحان. وهكذا كان خلال تواجده في فندق «الشاطئ روتانا»، حيث حل ضيفا على مطعم «إنديجو»، ضمن مشاركته في فعاليات مهرجان «فنون الطهي 2013» الذي اختتم فعالياته مؤخرا. والطاهي المحترف في قوائم الطعام الهندي الأصيل، يأخذ متذوقي أطباقه في رحلة عبر الزمن لاستحضار الإرث العريق للمطبخ الملكي المغولي. واستفاد قريشي من زيارته لأبوظبي فاطلع على فنون الطبخ الإماراتي وأسراره. تأثيرات متبادلة حول زيارته لأبوظبي وهدفه منها، يقول إنه عرض من خلال زيارة أبوظبي رؤيته الخاصة وتجربته الثقافية في الطهي، وتلمس الروابط بين المطبخين الإماراتي والهندي. ويؤكد أن هذين المطبخين يرتبطان بعلاقات ممتدة تبادلا خلالها التأثيرات نتيجة التواصل بينهما عبر خطوط التجارة البحرية، مشيرا إلى أن الطهي الإماراتي أسهم في إعادة صياغة هذا الفن وتقديمه في صورة تعكس عراقة الثقافة المحلية. ويذكر خبير المأكولات الهندية قريشي أنه لم يضع أي ساعة فراغ أثناء تواجده في العاصمة إلا واستغلها في التجوال على أهم المعالم السياحية التي سمع عنها. ومن الأمور التي أثارت فضوله تنوع مذاقات المطابخ العالمية المنتشرة في منشآت الضيافة في الإمارة، ولاسيما في جزيرتي ياس والسعديات اللتين تزخران بمجموعة فنادق راقية، مؤكدا أن البنية التحتية السياحية لأي دولة تبدأ من نكهات مطابخها، وما تقدمها مرافقها من خيارات تجذب الضيوف وتستحوذ على اهتماماتهم. طعام القصور خلال تواجده في أبوظبي للمشاركة في مهرجان فنون الطهي، استعرض الشيف قريشي أمام زوار أحد مطاعمها بعضا من أساليبه الرشيقة في تجهيز المأكولات المعقدة، وقدم وصفات سهلة لإعداد الأطباق المغولية بالطريقة التقليدية. وهو يعتبر أن المطبخ المغولي عنصر رئيس في تراث الطهي الهندي، حيث يفاخر بأنه يمتلك تاريخا عريقا في هذا المجال المثير للشهية. ويشرح الطاهي العالمي، المصنف ضمن أفضل مبدعي الأطباق الهندية، أن تراث المطبخ المغولي يعود إلى قبائل اعتادت الترحال بين دروب جبال الهيمالايا. وأنه بعد مجاعة شديدة اجتاحت منطقتهم، انتقلت هذه القبائل في القرن الثامن عشر إلى القصور الملكية المغولية في المنطقة المعروفة حاليا بولاية «أوتار براديش». ويذكر أنه في تلك الحقبة الزمنية اعتادت هذه القبائل طهي الأرز واللحم والخضراوات والتوابل في قدور كبيرة على نار الفحم وببطء لتوفير الطعام على مدار اليوم. وهكذا بدأت تظهر في المنطقة ملامح مطبخ جديد يمتاز بنكهات مدهشة جذبت اهتمام العائلات الحاكمة في وقتها، مشيرا إلى أن هذا الأسلوب في الطهي قد تطور وانتشر بصورة كبيرة ليصبح ضيفا دائما على الموائد الملكية بفضل إبداعات عائلة قريشي من كبار الطهاة. ويلفت إلى أن الجهود التي بذلتها عائلته الممتدة في جذور التاريخ، كان لها كبير الأثر في تعزيز مكانة المطبخ الهندي كأحد أرقى فنون الطهي في الأوساط الأرستقراطية الهندية. ولاسيما لدى بلاط العائلات الحاكمة في كل من حيدر أباد ودلهي وكشمير ورامبور وبهوبال. إرث قرون عن أجمل أوقات حياته، يقول قريشي إن أجمل أوقاته هي تلك التي يقضيها في مطعمه الخاص حيث يشرف بنفسه حتى اليوم على تجهيز مآدب الضيافة بكامل تفاصيلها. ويوضح أنه بالرغم من نقل خبرته إلى ولديه اللذين يتقنان المهنة بحذافيرها، إلا أنه يحرص دائما على متابعة مهنته وتقديم النصح لهما مع إبداء ملاحظاته على كل كبيرة وصغيرة. ويورد الطاهي المخضرم أن الإرث الأسري الذي يحمله وصل إليه بعد قرون من الزمن، وكان لابد من نقله إلى ولديه بكل ما يحمله من أسرار الطهي المغولي. وهما بدورهما سوف يورثانه إلى أبنائهما لاحقا كنوع من رد الجميل إلى أجدادهم الذين كان لهم الفضل في وضع المطبخ الهندي على قائمة أكثر المأكولات المطلوبة والمعروفة على مستوى العالم. ويذكر قريشي أن فن تحضير الطعام هو من أصعب المهن التي يمكن توارثها لأنها لا تعتمد على تقنيات واضحة بل تحتاج إلى ذوق رفيع وقدرة عالية على الابتكار. وهذا ما لا يمكن تعليمه إذا لم تكن الموهبة نابعة من الداخل، إذ إن الحافز الشخصي أمر مطلوب هنا. وهو يعتبر نفسه محظوظا لأنه اكتسب الأمر سريعا من والده، ولم يجهد نفسه في نقل أبجدياته إلى ولديه لكونهما نشآ وسط أجواء المطابخ وانبعاثات روائحها الفواحة. مسيرة مهنية حول المأكولات المغولية وانتشارها، يورد الشيف امتياز قريشي، أن فن المأكولات المغولية مر بفترة تراجع مع نهاية الحقبة الاستعمارية واستقلال الهند. وذلك لانشغالات كثيرة أصابت مختلف الطبقات الباحثة عن الاستقرار الاجتماعي. ومع ذلك يقول قريشي إنه لطالما كان مصرا على إحياء هذا المطبخ التاريخي، والذي وضعه نصب عينيه هدفا ثابر على تحقيقه طوال 60 عاماً من مسيرته المهنية. ويذكر أن غالبية الوصفات تعرضت في ذلك الوقت إلى الفقدان أو النسيان، ومعها تقنيات كبار الطهاة. الأمر الذي جعله يعكف على البحث عن تراث عائلة قريشي لإعادة اكتشاف المطبخ المغولي المفقود. وقد استعان بذلك على ما استمده من تعاليم والده التي أكدتها القرائن التاريخية فيما بعد. وأثمرت جهود قريشي عن إهداء العالم مذاقات فريدة مستمدة من أساليب الطهي البطيء لـ «التندور» حيث يواصل برفقة ولديه، وهما من كبار الطهاة، رفع راية المطبخ المغولي الذي ينتشر حاليا في مختلف أنحاء العالم. وهو يتعاون كذلك مع أخيه الشيف أشفق قريشي الذي ورث المهنة نفسها، على نشر هذا النوع من الأطباق النادرة في أضخم مطاعم فنادق الخمس نجوم. وذلك بهدف الوصول إلى أكبر شريحة من الذواقة، وإطلاعهم على التطور المدهش لهذه الأطباق. والتي انتقلت من موائد الأباطرة المغول لتقترب من حافة الضياع والنسيان، قبل أن تعود مجددا إلى دائرة الضوء مطبخا عالميا مفضلا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©