السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مخيمات جنوب السودان... لاجئون في بلادهم!

3 مارس 2014 23:43
جايسون باتنكن جوبا - جنوب السودان يضم كل واحد من المجمعين التابعين للأمم المتحدة في جوبا، عاصمة جنوب السودان، مخيماً مكتظاً باللاجئين الفارين من الصراع والعنف بعد 10 أسابيع متواصلة من الحرب المنهكة. وبينما يتواصل القتال على رغم اتفاق هش لوقف إطلاق النار وُقع في أديس أبابا، يعج هذان المخيمان، ومخيمات أخرى مثلهما عبر البلاد، بالقصص المفجعة عن معاناة ومشاهدات الحرب. ولكن إذا لم يقم المرء بزيارة هذين المخيمين، سيكون من الصعب عليه أن يعرف أن هذه عاصمة بلد دخل في حرب مع نفسه، وذلك لأن حركة المرور منسابة وعادية، والمتاجر مفتوحة ومكتظة -والمؤشر الوحيد على الاضطراب هو حظر للتجول يبدأ عند الساعة الحادية عشرة ليلاً. وفي زيارة إلى المجمع التابع للأمم المتحدة المعروف باسم «تومبينج»، الذي يجاور مطار جوبا، يمارس موظفو الأمم المتحدة التمارين الرياضية في الصباح الباكر ويركضون بمحاذاة صفوف طويلة من المكاتب الرمادية المزودة بمكيفات هوائية، وفي الظهر، يتناول الدبلوماسيون وجنود حفظ السلام وجبات غداء جيدة ويتحققون من بريدهم الإلكتروني عبر الـ«واي فاي» في المطعم. ولكن على بعد بضع خطوات سريالية، وفي ما يشكل عالماً آخر، يتكدس 27 ألف شخص في خيام مؤقتة نُصبت بشكل قريب جداً من بعضها بعضاً إلى درجة أنه يتعذر المشي بينها في أحيان كثيرة. وبعض تلك الخيام نصبت تحت درج طائرات قديمة، وبعضها صُنعت من أقمشة رُبطت بشاحنات مهجورة. ويقوم لاجئون بنصب خيامهم بالقرب من قنوات صرف صحي منسدة تنبعث منها الروائح الكريهة. وإذا لم يجلبوا فراشاً، فإن الجميع يفترشون الأرض الصلبة والمغبرة. واللاجئون في مخيم «تومبينج» معظمهم ينتمون إلى إثنية النوير، وهم خائفون من العودة إلى منازلهم أو أعمالهم أو مدارسهم أو المجازفة بالذهاب خارج جدران المجمع التابع للأمم المتحدة. وقد جاؤوا إلى المخيم في منتصف ديسمبر الماضي، بعد أيام على اندلاع الصراع السياسي بين رئيس جنوب السودان سلفاكير ونائب الرئيس السابق ريك مشار. وهو الصراع الذي سرعان ما أصبح عنيفاً وإثنياً، وينخرط فيه الجنود الدينكا الموالون لكير وجنود النوير الذين يتبعون مشار. وعلى الجانب الآخر من هذه المدينة العاصمة الواقعة على ضفة النهر، يعيش 14 ألف شخص آخرين في ظروف مماثلة في مخيم جوبا 3 في المجمع الآخر التابع للأمم المتحدة. وبشكل عام، فقد غادر نحو 850 ألف شخص منازلهم، ولجأ 80 ألفاً إلى المجمعات التابعة للأمم المتحدة. ويعيش هؤلاء النازحون هنا منذ أكثر من شهرين بعد أن فروا من موجة أعمال عنف إثنية في جوبا على أيدي الجنود الحكوميين. ولكن تلك الاعتداءات فجَّرت أيضاً عمليات انتقام وحشية عبر أرجاء البلاد يقوم بها مقاتلو النوير ضد مدنيي الدينكا. وبدورهم، يعيش عشرات الآلاف من مدنيي الدينكا لاجئين في مخيمات بائسة كذلك في أماكن أخرى في جنوب السودان، ولا يرغبون في العودة إلى منازلهم بسبب خوفهم من التعرض لهجوم آخر من قبل مسلحي الطرف الآخر. وعندما بدأت إراقة الدماء في أواخر ديسمبر، كان يتم التعرف إلى رجال النوير من خلال علامات تقليدية على جباههم. وفي هذا الإطار، يقول ستيفن كون كول، وهو أب لتسعة أبناء يحملون ندوباً محفورة على وجوههم: «إننا نشعر كما لو كنا في سجن»، مضيفاً «إذا خرجتُ ورأوا أنني رجل، فإنهم سيقتلونني». ومخيما تومبينج وجوبا 3 يعجان بشهادات حية على العنف الكبير الذي شهدته البلاد، حيث يتحدث الناس عن رؤيتهم عبر النوافذ جيرانهم يُقتلون رمياً بالرصاص في الشوارع، أو عن منازل سحقتها المركبات العسكرية. كما حكى رجل قصة تعرضه للاعتقال والضرب لثلاثة أيام مع عشرات آخرين قبل أن يتم الإفراج عنه. ولكن الكثير من هؤلاء اللاجئين يعتبرون أنفسهم محظوظين. ذلك أن الآلاف من جيرانهم أو عائلاتهم فروا إلى «الأدغال»، حيث لا تستطيع المساعدات الغذائية أو الطبية الوصول إليهم، ويختبئون بمناطق مستنقعات ويقتاتون على الثمار البرية ومياه النهر. والحياة الصعبة في المخيم هي نتيجة انفجار لنمو لم يكن مخططاً له، حيث تعج الشوارع التجارية بالحركة: ويبيع الباعة الطماطم والبامية، والصابون وبطاقات التعبئة الهاتفية. وهناك صفوف من القوابس تبيع الطاقة الشمسية. وفي إحدى الخيام في تومبينج، قام شخص بوصل مولّد كهربائي بتلفاز وجهاز «بلاي ستيشن» لألعاب فيديو. ولكن إلى جانب هذا الاقتصاد الصغير النشط، فإن معظم النازحين يشعرون بالرتابة والقلق، فيضطرون للعب الورق أو تدخين الأرجيلة لتزجية الوقت. ويقول تابان دينج، وهو في العشرينيات من عمره ويعيش في مخيم جوبا 3: «ليس لدينا شيء لنفعله في المخيم»، مضيفاً «إنني أستيقظُ في الثامنة أو التاسعة، فأغسل وجهي، ثم آتي إلى هنا وأجلس وأحتسي الشاي». وقبل اندلاع العنف، كان دينج طالباً في الكلية، وبالتوازي مع ذلك، كان يدير متجرين صغيرين. وفي المساء الذي تحدث معنا فيه، قال إن كل ما قام به في ذلك اليوم هو احتساء أربعة كؤوس شاي وهو جالس على الكرسي البلاستيكي نفسه. وبالنظر إلى عدم وجود شيء يشغل وقت الشباب، يلجأ العديد منهم إلى العنف. ويقول رئيس مخيم «تومبينج»، وهو عضو في برلمان جنوب السودان لم يرد الكشف عن اسمه خشية أن يُعرف مكان وجوده، إن الرتابة تولِّد مزيداً من العنف بين الرجال في بلد نال أكثر من نصيبه من القتال. ويقول: «إن هذا هو ما يجعلهم يشعرون بالإحباط»، مضيفاً «إنهم يرون أقرانهم (خارج المخيم) في المدرسة، بينما هم لاجئون في بلدهم!». ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©