الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قوة التسامح

قوة التسامح
8 يونيو 2009 23:58
عندما يوصف الإنسان يقال عنه إنه «مخلوق اجتماعي»، والله سبحانه وتعالى يقول: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات:13). كما يقال إنه «كتلة من المشاعر»، وهذه المشاعر لها جانبان، مشاعر جميلة كالحب والود والتسامح والرضى، ومشاعر سيئة كالبغض والكره والحقد والأنانية، التي إن استثيرت قد تشعل حرباً يطول إخمادها، والمتأمل في عصر الجاهلية يدرك تلك الحروب التي نشبت بين قبائل العرب كحرب البسوس «بين قبيلتي بكر وتغلب» وحرب داحس والغبراء «بين قبيلتي عبس وذبيان» وهما من أطول الحروب التي عاشها وخاضها العرب، فالتعارف بين الناس مطلب للبشر، لذا يصعب على الإنسان أن يعيش لوحده بمعزل عن الناس، لأن هذا الأمر غير محبب لا من الناحية النفسية ولا من الناحية الاجتماعية، فقد تستثار من جرائه مشاعر الكره والبغض في الصدور التي ينتج عنها خلافات فرقت بين الإخوة، والأزواج، والأهل، والزملاء، والأصدقاء، وهدمت ما بني في سنين في لحظة غضب أو انفعال أو بالأصح في لحظة «عدم الحكمة»!!. فالتسامح ليست مجرد كلمة تقال وإنما سلوك ومنهاج يتبع لحفظ الأرواح وحقن الدماء وسلامة الصدور ونشر الحب والود والوئام. ولنا في سيرة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام خير مثال في هذا الأمر عندما فتح مكة وقال لأهلها: «‏يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم‏؟ قالوا‏:‏ خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، قال‏:‏ (‏فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته‏:‏ (‏لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ)‏ اذهبوا فأنتم الطلقاء». عندما يدرك الإنسان أنه جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع، ويدرك أن الناس ليسوا سواسية، وأن التعامل له فنونه وأخلاقياته فإنه يعرف كيف يتصرف بما يحقق له التكيف الإيجابي. قصص كثيرة عشنا أحداثها أو سمعنا بها، فيها من الغرابة ما يشيب لها الرأس، منها أن رجلاً بلغ من العمر فوق الستين عاما يرفض أن يسامح أخاه الأكبر الذي مات منذ سنين؛ وذلك لأنه ضربه عندما كانا صغيرين! إنها مشكلة حقيقية عندما تقطع الأرحام لأسباب غير منطقية أو لخلاف بسيط أخذ ردات فعل أكبر من حجمه، كمشاكل الإرث، أو الأبناء، أو الزوجات، أو الخدم وغيرها. والسؤال المهم هنا: هل يقودنا غضبنا أو الانتقام للذات إلى فعل أمور نحن لسنا بحاجة لها؟ هل علينا أن نفني أنفسنا ونُتعب أجسادنا في فعل شيء كان يكفينا أن نقول فيه: «سامحك الله» أو البقاء صامتاً (قوة وليس ضعفا)؟ إن بين ردات الفعل السليمة وردات الفعل غير السليمة «لحظة إدراك». فإن أدركت في موقف ما عواقب ما قد يحدث لاستطعت حسن التصرف، وهناك حكمة تقول: «من الشجاعة أن تجبن ساعة». عزيزي القارئ قد أكون أخطأت في حقك، وقد تكون لك القدرة على الانتقام لنفسك مني، ولكنك ستكون في نظري عظيماً إن سامحتني، فبعفوك تملك قلبي، فهلا تقبل الآن أن تعفو عمن أساء إليك؟، فبالتسامح تصفو القلوب وتجري الدماء الدافئة في الأجساد، وتبرق العيون بالمحبة. الدكتور/ عبداللطيف العزعزي dralazazi@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©