الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حافظوا على ملكة الحفظ

1 مايو 2008 02:15
قال القدماء - وهم على حق - : ''إن آفة العلم النسيان''، وإن العلم الحق هو الذي يكون في رأس الإنسان، وليس الذي في أوراقه، بمعنى أنه هو الذي يستوعبه، ويحتفظ به في عقله، ويستفيد منه في أي وقت، وفي أي مكان، فالأكثر قدرة على الاحتفاظ بالعلوم واضحة في ذهنه، هو الأكثر استفادة بها، ولكن هناك رأياً مضاداً يرى أن ''الحفظ'' من أسباب انهيار العملية التعليمية· والكثير من دور العلم اتخذت من هذا الاتجاه الأخير مبرراً لإهمال تحفيظ أبنائنا القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة والنصوص الأدبية، فأصبح كثير منهم في مراحل التعليم المختلفة لا يهتمون بعملية الحفظ، ويعتبرونها عقوبة، وإن حفظوا بعض الآيات أو النصوص، فإن ذلك لا يكون إلا بشِقِّ الأنفس· وأصبح البعض يتوهم أن تجنب ''الحفظ'' هو الذي سيكوِّن العقلية العلمية للطلاب، وكأننا سنصنع العلماء بإيقافنا أجزاء من ملكاتنا العقلية وقدراتنا الذهنية عن النمو، على الرغم من أنه حتى الباحثين في المعامل يجب أن تكون لديهم ذاكرة قوية قادرة على الاحتفاظ بالمعلومات· فلنهتم بالتفكيك والتركيب، ولنقف على الأسباب والمسبِّبات كيفما شئنا، ولكن لا شك في أن أي علم يحتاج إلى قدر من ملكة الحفظ، ولاسيماً اللغات والدين والآداب· وهنا يتمثل الخطر الأكبر من إهمالنا هذه الملكة، وخصوصاً لدى النشء، لأنهم في هذه الحالة لن يكتسبوا اللغة بسهولة، ولن يمكنهم التواصل الجيد مع أفراد المجتمع بالتعبير عن احتياجاتهم المختلفة، لعدم استيعابهم الأساليب المناسبة لما يريدون قوله· فالحفظ ليس شراً كما أشيع بيننا، وليس المقصود بالطبع هو الحفظ مع عدم الفهم، بل إن الفهم يساعد على استيعاب المعلومات والاحتفاظ بها، بدلاً من أن يضطر الشخص كلما أراد تذكر معلومة، أن يعود إلى كتاب أو حاسوب· ولو لم يكن للحفظ من ميزة إلا أنه يقوي ذهنية الإنسان من الضعف لكيلا تضمر وتتدهور بمرور الوقت، في جميع مراحل حياته، فإنها تكون نعم الميزة· وإذا كانت الآلات تساعدنا الآن في الكثير من شؤون حياتنا العلمية، فإنها قد أورثتنا في الوقت نفسه كسلاً عقلياً، فأصبحنا نعتمد الأجهزة الحاسبة ليس في العمليات الحسابية الكبيرة أو المتوسطة فحسب ، وإنما ايضا في الحسابات البسيطة· وعلى الرغم من أننا يمكننا الاحتفاظ بمحتويات مكتبة كاملة على عدد من الأقراص المدمجة بالحواسيب، مما يعد معجزة كبيرة بالنسبة إلى العصور السابقة، إلا ان ''المعجزة الكبرى'' تبقى هي تلك ''الحافظة'' التي خلقها الله لنا، والتي يجب علينا استخدامها وتدريبها حتى نستفيد منها الاستفادة الكاملة· وقد سمعت أحد الأساتذة الأكاديميين يصف من يتمكن من حفظ القرآن الكريم كاملاً بالعبقرية، فلماذا إذن نقضي على هذه القدرة، بحجة أنه لا فائدة ترجى من الحفظ بلا فهم، وأن الفهم أهم من الحفظ؟، أليس هؤلاء الحفاظ بقادرين على الفهم بعد ذلك أكثر من غيرهم؟ محمد كمال حمزة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©