الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«فلاش باك على التصوير» يحكي ذاكرة الشعوب من بوابة مختلفة

«فلاش باك على التصوير» يحكي ذاكرة الشعوب من بوابة مختلفة
24 فبراير 2013 23:39
جهاد هديب (الاتحاد)- في معرض «فلاش باك على التصوير» المقام حاليا في دبي يقدم ثلاثة وعشرين مصورا فوتوغرافيا من مختلف أنحاء العالم، أعمالا تنتمي إلى أغلب المدارس والاتجاهات والتقنيات والفلسفات والأفكار التي قام عليها التصوير في القرن العشرين وكذلك مطالع هذا القرن. وتبدو الأعمال المائة المعروضة في غاليري «برو آرت» أنها من صنيع مخيلة فردية بامتياز، أي أن المصور الفوتوغرافي لم يكن يتقصد أن ينقل صورة تحكي خبرا ما بل أراد أن يعبّر عن موقفه إزاء العالم في لحظة بعينها. وربما لذلك قد جرى التعامل مع الصور بوصفها لوحات تنتمي للتصوير، أي الرسم، بالمعنى الكلاسيكي للكلمة، فضلا عن أن البعض من بين الصور التي اشتمل عليها «فلاش باك على التصوير» هي بالفعل أعمال فنية خالصة. صحيح أن البعض من الأعمال تحكي ذاكرة الشعوب من بوابة الحروب والصراعات الإثنية والطائفية التي شهدتها البعض من دول «العالم الثالث» وخاصة أفريقيا، لكن صورا أخرى تُبرز الجانب الآخر من هذه المعاناة البشرية كالجوع والتعرض للقتل ومشاهد لبيوت وبنايات مردومة ولاجئين محروسين ببنادق فوهاتها كأنها «حدقة» تحدق في عيون الأطفال الذين بدوا هلعين في جوار آبائهم وأمهاتهم، هذه الصور تقول الكثير عن ذلك، لكنها أيضا، وبالمعنى الجمالي للكلمة، تقدم شيئا ما يمكن وصفه بأنه «جماليات البشاعة» أو «الواقعية القذرة» وهو اتجاه ساد لفترة طويلة في التصوير الضوئي في القرن العشرين وله أنصاره وأتباعه حتى الآن ومصوريه الكبار، ويعتمد بشكل أساسي على نقل المشهد مثلما هو دون تدخّل من التقنية بل إن عين المصور الفوتوغرافي ومخيلته هما اللتان تلتقطان الصورة من زاويتها القاتلة والمؤثرة إذ لا مجال لعين غير موهوبة ومدرّبة ومثقفة أن تحترف التصوير في هذا الاتجاه. ولا يخفى أن الغرض المباشر من هذه الأعمال هو الصحافة وبالتالي الترويج والدعاية لموقف سياسي أو ايديولوجي ما، مثلما كانت عليه الحال في عالم النصف الثاني من القرن العشرين، لكن الصور تقول شيئا آخر بعيد عن التأريخ وهو أن المصور الفوتوغرافي كان أذكى من الإيديلوجيات والايديولوجيين حتى أنه الآن بات مؤرخا للألم البشري ومن العسير محو هذه الصور من ذاكرة فترة زمنية بعينها، أي الفترة التي التقطت فيها الصور. ومن جانب آخر يأخذك «فلاش باك على التصوير» إلى عوالم أخرى، وإلى مدن لم يقدَّر لك أن تراها، إنها المدن الكبرى التي لا زالت كبرى، لكنها هنا تنتمي لزمنها الخاص عبر حراكها الاجتماعي الذي ينتمي إلى ماضيها والذي يأخذك الآن، أنت الذي لم ترها من قبل، وبأثر من ماضيها ذاته، إلى أن تتعامل معها بوصفها مدنا متخيلة أحيانا ومدنا محلوم بها في أحيان أخرى، خاصة في تلك الصور التي يختلط فيها البشر بعناصر المكان مثل مترو للأنفاق أو قارب في واحد من الأنهار الكبرى يخترق مدينة هائلة. والصور هنا تفيض بتعبيريتها على الناظر إليها خاصة وأنها بالأبيض والأسود، وهما في الفوتوغراف الآن مثل الحنين إلى أزمنة وأمكنة غابرة هي بالتأكيد لن تعود. هناك أيضا الكثير من الصور غير الواقعية التي تعتمد أساسا على المزاوجة بين التقنية والمخيلة أو تلك المخيلة التي تأخذ التقنية إلى أقصى طاقتها التعبيرية، واحدة من هذه الصور وتحمل العنوان: «حلم» للمصور الفوتوغرافي الإيطالي كوكيادفيرو كلاوديو كأنما هي عن دبي، هذه المدينة التي تبدو هائلة بعمرانها إلى حدّ أن الفرد لا يستطيع تخيّل الامتداد الواسع فيها. في مقدمة الصورة نرى رجلا بلباس عربي ينام على الأرض افترش حصيرا من الكرتون المقوّى في الأسفل، ثم نرى مشهدا لبنايات شاسعة وضخمة، وفي الفراغات ما بين الارتفاعات المتفاوتة لهذه البنايات يتكرر المشهد ذاته إنما مقلوبا كما لو أنها «حلم» الرجل النائم ذاته. بالتأكيد هذه الصورة تعبّر عن اتجاه ما بعد حداثي في التصوير، وفي اختلافها عن الاتجاه الواقعي فإنها تدفع الناظر إليها إلى تأويلها بحسب تجربته الخاصة مع هذه المدينة وناسها وأشيائها وما يعرفه عنها وعن تاريخها إلى حدّ أنها قد تبدو نوعا الفانتازيا إذا لم يكن الناظر إليها يعلم أنها لوحة وليست مجرد صورة فوتوغرافية وأنها تشتمل على رؤية وموقف أيضا. أيضا هناك الصور التي تُعنى بدقائق التفاصيل والتي يحتاج التقاطها إلى مهارات خاصة، إذ ليس متاحا أمام أي مصوّر فوتوغرافي أن يلتقط صورا لحشرات دقيقة الحجم أو زهرة تتساقط تفاصيلها الصغيرة أو تتفتح أو هي الآن تتعرض للتلقيح الطبيعي. يشعر المرء أنه أمام صور غريبة وغير مألوفة وتحدث في العالم في كل حين دون أن يأبه بها إنسان سوى الطبيعة ذاتها، إنما هي صور ممتعة في كل الأحوال. يبقى القول أن «فلاش باك على التصوير» في مجمله يحتاج إلى أكثر من تجربة جمالية واحدة وإلى كتاب لتدوين الأفكار التي من الممكن أن تخطر على بال المرء.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©