الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أمجادي··· أمجادي

أمجادي··· أمجادي
1 مايو 2008 04:15
سنة 1980 ألقت مجلة ''النهار العربي والدولي'' على أكثر من أربعين كاتباً السؤال التالي: ''بماذا تفكّر حين تكون وحيداً''؟ فجاءت الإجابات مدوّخة· زعم أغلبهم أنهم لا يفكرون إلا في قضايا التحرّر والعدالة وفلسطين طبعاً· حرصوا على الظهور بملامح برومثيوس سارق النار، أو بملامح زعيم فذّ يقف في مقدمة بني قومه ليريهم الطريق المؤدّية إلى الخلاص· هذه الإجابات إنما مردّها الصورة الحاصلة للعديد من الكتاب عن أنفسهم في الراهن الثقافي العربي· إنها صورة نورانية يُعمَل على تثبيتها في أذهان المتلقّين· إنها الصورة التي يعتقد الكاتب أن ''جمهوره'' يحملها عنه، لذلك يحرص على توشيتها وترسيخها في الأذهان· ليست المسألة مجرّد وقوع في حبائل نرسيس· إنها أكثر عنفاً وأشدّ مضاءً· فرغم الانكسارات والهزائم والمرارات، فرديةً وجماعيةً، مازال العديد من المثقفين واقعين في حبائل نرسيس· يكفي أن نتلفّت إلى المحاورات التي أجريت مع كبار مثقفينا وكتابنا منذ ذلك التاريخ، يكفي أيضاً أن نلقي نظرة على سيرهم الذاتية وسنلاحظ أن أغلبهم يحرصون على الظهور على الناس البسطاء الطيّبين في صورة تحمل ملامح من صورة برومثيوس، ممزوجة بسمات من صورة الزعيم الرائد، وملامح من صورة المنشقّ المنتصر للكرامة البشرية المنتهكة، وملامح من صورة الزاهد الذي يحتقر متاع الدنيا· قلَّ أن نعثر على من يحدّث عن ارتباكاته وضعفه وهشاشته حتى لكأن هذه الانفعالات معرّات تشين المرء فيتكتّم عليها ظناً منه أنه سيزداد قرباً ممّن يسميهم ''جمهور قرائه''· والحال أنها تزيدهم عنه ابتعاداً ونفوراً· الراجح أن المثقف العربي على يقين من أننا ننتمي إلى ثقافة سلّم ناسها منذ عصورها الأولى بأن حرفة الفن والأدب ''حرفة شؤم''· والمتون العربية القديمة تحدّثنا عمّا عاشه المبدعون من فقر ورقّة حال· يحدّثنا الأصبهاني وابن عساكر مثلاً عن الشاعرين دعبل بن علي الخزاعي ومسلم بن الوليد صريع الغواني أنهما كانا يملكان ''إزاراً لا يملكان غيره شيئاً، فإذا أراد دعبل الخروج جلس مسلم بن الوليد في البيت عارياً، وإذا أراد مسلم الخروج فعل دعبل مثل ذلك؛ وكانا إذا اجتمعا لدعوة يتلاصقان بطرح هذا شيئاً منه عليه، والآخر الباقي''· هذا ما جعل المعرّي يجزم قائلاً: ''ولا يَزَلْ أهل الأدب يشكون الغيرَ في كلّ جيل، ويُخَصُّون من العجائب بسجْل سَجِيل''· الراجح أن تمجيد الكاتب لنفسه في الراهن الثقافي يرجع إلى هذا الوعي المأسوي بأن الثقافة العربية لا تكرّم مبدعيها· وهو وعي قادم من بعيد· لذلك يحرص المبدع نفسه على الإعلاء من شأنه والتعريف بفضله· وبذلك يكفّ مدح الذات عن كونه عبادة لها ويصبح فعلاً ثأرياً الغاية منه تهزئة الصدف التي قادت الذات إلى الاشتغال بحرفة الشؤم· ويصبح إعلاء الذات وتمجيدها وتزيين صورتها في الأذهان شكلاً من أشكال استدراج الثقافة الجاحدة للإقرار بالفضل وتخليد الذِّكْر·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©