السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تسعير «البوليفار»... وصفة فنزويلا للتضخم!

7 ابريل 2010 21:49
كما هي الحال مع كثير من العملات، فإن سعر صرف البوليفار الفنزويلي ثابت. وبالنسبة للبعض، ربما يبدو تحديد سعر صرف ثابت للعملة أمراً عادياً، فأسعار صرف العملات أحياناً ما تتحرك دون أسباب ظاهرة أصلاً. فلماذا لا نتخلص من اللُّبس الذي تتسم به الحركات اليومية لأسعار العملة صعوداً وهبوطاً؟ لكن، كما هي الحال بالنسبة لأية سلعة، هناك سعر "حقيقي" لكل عملة، وهو سعر يعتبر دلالة على العرض والطلب. وحين تُطبع كميات إضافية من العملة فهذا يجعلها أقلّ قيمة، بسبب زيادة العرض. والحقيقة التي تقول إن سعر النفط مقوَّم بالدولار تعزز من هذه العملة من خلال زيادة الطلب عليها. الأسعار الاصطناعية تدفع الناس إلى العثور على سبل لتنفيذ التعاملات بالسعر الذي يعتبر دلالة على قيمة السلع أو الخدمات بالنسبة إليهم. والعملات لا تختلف عن ذلك. وفي حين أن سعر الصرف الرسمي تم تثبيته عند مستوى 2.15 بوليفار للدولار، فإن السعر السائد في السوق السوداء يصل إلى معدلات عالية عند مستوى 7.1 للدولار. بعبارة أخرى فإن دولة فنزويلا بالغت من قيمة عملتها بنسبة تصل 325 بالمائة. بالتالي لا عجب إن أعلن الرئيس الفنزويلي شافيز عن سعر جديد مزدوج للبوليفار، وهو 4.3 بوليفار لمعظم السلع، و2.6 للسلع "ذات الأولوية". البيان الرسمي الذي أعلن فيه شافيز تخفيض قيمة العملة يشتمل على تعليقين لهما أهمية خاصة؛ الأول هو أن التخفيض من شأنه تقليص الواردات، والثاني أنه "لا يوجد أي مبرر لرفع الأسعار". ملاحظات شافيز حول الواردات تشي بإخفاقه في فهم قيمة التجارة والمنافسة. فهو يخفق في استيعاب السبب الذي من أجله اشترى الفنزويليون هذا العدد الكبير من البضائع الأجنبية؛ ألا وهو أنها تلبي حاجاتهم على نحو أفضل من غيرها. وبطبيعة الحال فإن تخفيض قيمة البوليفار سيجعل السلع المصنوعة في فنزويلا أرخص (طالما أنها تستخدم مدخلات الإنتاج المحلية)، فإذا لم تستطع الشركات العثور على نوعية جيدة من المواد الأولية، فإما أن تصنع منتَجاً ذا قيمة متدنية، أو منتَجاً ذا سعر أعلى. وفي نهاية الأمر سيقرر المستهلكون الفنزويليون ما هو المزيج السليم بين هذين الأمرين. خلال العقد الماضي كانت قيمة البوليفار تتناقص بمعدل 30 بالمائة سنوياً. وفي حين أن التضخم قد ينشأ عن عوامل متنوعة، فإن نسبته إلى "الجشع" أمر غير سليم. فالسبب الذي أضر كثيراً بجمهورية فايمار في ألمانيا وجعل الناس يحملون أموالهم بكميات كبيرة في عربات من أجل اقتناء أبسط السلع، لم يكن حدوث موجة هائلة من الجشع، وإنما طباعة كميات ضخمة من المارك. وفي فنزويلا المعاصرة يمكن أن نتوقع أن تكون إحدى عواقب تخفيض قيمة العملة هي ارتفاع معدلات التضخم. فالواردات ذات الأسعار المرتفعة تعني سلعاً ذات أسعار أعلى، على المستوى الأجنبي والمستوى المحلي، كما هي الحال في الأحذية المصنوعة من جلود مستوردة. ورغم إصرار شافيز على أنه "ليس هناك سبب" يدعو لرفع الأسعار، فإن وزير المالية الفنزويلي يقر بأن سعر الصرف الجديد سيؤدي إلى تضخم الأسعار. ومن المؤكد أن المستهلكين الفنزويليين يفهمون هذه الظاهرة، على اعتبار أنهم بدؤوا يصطفون لشراء السلع الأجنبية قبل أن يبدأ سريان الإجراءات الجديدة. ويستطيع شافيز مهاجمة "المضاربين"، لكن حين تقوم إحدى الشركات برفع الأسعار بسبب ارتفاع التكاليف، فليس هذا من الشر، تماماً مثلما أنه ليس من الشر أن يرتفع منسوب الماء في حالة المد مع ظهور القمر. وكما هي الحال مع البوليفار، فإن أسعار السلع المتدنية على نحو مصطنع في فنزويلا من شأنها فقط أن تؤدي إلى نشوء سوق سوداء أو إلى نقص السلع. وعلى حد تعبير أحد المراقبين المحليين فمن المستحيل عدم حدوث تعديل في الأسعار. لأنه إذا لم يتم تعديل الأسعار فإن مصيرها هو الاختفاء". لكن الأسوأ من ذلك هو أن إصرار شافيز على الأمور التي تؤلف السعر العادل، يحمل معه ثمناً خاصاً به. ذلك أن تهديده باستخدام الجيش لم يكن تهديداً فارغاً، حيث أفادت الأنباء بأنه تم إغلاق 70 محلاً بسبب تغيير الأسعار بطريقة غير قانونية. إن التهديد باستخدام القوات المسلحة يبعث القشعريرة في النفوس، حين ترى رجالاً في ملابس عادية تخفي هوياتهم الحقيقية وهم يغيرون على الشركات بصورة خاطفة لارتكابها "جريمة" بيع السلع! فهذا يؤدي إلى نتائج عكسية، لأن تقلص العرض الناتج عن إغلاق المحلات من شأنه فقط أن يؤدي إما إلى أن ترفع المحلات الأخرى أسعارها أو تفقد القدرة على عرض منتجات جديدة وبالتالي تترك زبونها خالي الوفاض، وهو ما سيحدث غالباً في ظل المناخ الحالي. وحين فشلت محاولات كسرى الفرس سرخيس في ردم مضيق الدردنيل بسبب الأمواج العاتية، قيل إنه أمر بجَلد البحر. وشافيز، شأنه في ذلك شأن الحكام الآخرين من قبله، يبالغ في تقدير قوته حين يقلل من مدى قوة وعناد قوانين الطبيعة، وهي في هذه الحالة الطبيعة البشرية. الأمر المثير هو أن قرار التخفيض نفسه هو إقرار على مضض بحدود نفوذه وإشارة على قبوله لحقائق السوق. بينما المؤكد أن الاقتصاد الفنزويلي سيستفيد حين يتم تداول عملته بمستويات أقرب لسعرها "الحقيقي". آدم ألوبة كاتب من كندا ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©