الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القَدُّ الميّاس

القَدُّ الميّاس
1 مايو 2008 04:16
للجسد إيقاع وموسيقى لا تبين سوى بالحركة المنتظمة، وحينئذ لاينسب الجمال إلى عضو واحد فيه، بل يصبح خلاصة منظمة للتناسق والتناوب، وكأن كل جزء يصير نغمة لا تدرك حلاوتها سوى بتآلفها مع النغمات الأخرى في غير تشابه ولا نشاز· وقد درج الشعراء العرب على مدح القدود، وخصّوها بحالة المشي، لأنها هي التي تظهر فتنتها، فكانوا في تصويرهم للحسن المتحرك أوفق من الرسامين التشكيليين في تصويرهم للحسن النائم، مهما خلعوا عنه الأردية وأثواب الحياء· يقول ابن الطثريّة: من كل بيضاء مِخماصٍ لها بَشَرٌ كأنه بذكيِّ المسكِ معلولُ تخطو على قَصَبٍ خَدْلٍ تُقلُّ روادفًا كالنَّقَا فيهن تبتيلُ والجيد أتلع، والأطراف ناعمةٌ والكَشْحُ منهَضمٌ والمتن مخدولُ فبياض الحسناء ليس شاهقًا، بل معجون بالمسك الذكيّ ومسقىّ به، والسيقان القصبية التي تخطو بها تحمل أردافًا مستديرة مثل كسبان الرمل الصغيرة المنقطعة عما فوقها من خصر ضامر، أما جيدها فممدود ريّان، وأطرافها ناعمة مع دقة الكشح ورهافته، كل ذلك يأتلف في خطوها الموقع البديع· ويقول ''المفجعّ'' المفتون بصاحبته ''علوة'': تراها كالقضيب اللدن لينًا تميسُ وكالنقا ترتَجُّ ردفَا ولولا أنها بشر لقلنا براها الله من ذهبٍ مُصَفَىَّ فأكمل خلقها وأتمَّ منها معانيَ حسنها حرفًا فحرفَا والغريب أن الشاعر المتولّه في حبه لا يرى في صاحبته سوى اكتمال الخلق الماديّ في قدّها المياس، وأردافها المترجرجة، وبشرتها الذهبية الصافية، وكأن سمات الجمال الحرفية لاتتطرق لما وراء الجسد من شخصية تتصف بالذكاء أو الغباء، بالجاذبية والثقافة أو بالسطحية والسخافة· تظل المرأة بهذا المنظور ''شيئًا'' ثمينًا خلابًا للأنظار، فيصبح الولع بها حبًا للامتلاك والاقتناء· والواقع أننا إذا التمسنا نوعًا آخر من الأوصاف الإنسانية لشخصية المرأة فلن نجده عند هؤلاء الشعراء الحسيين، بل عند طائفة أخرى من المجانين العذريين المشهورين في تاريخ الأدب العربي على مر العصور· أما ابن مُقْبل، الشاعر المخضرم، فهو يصف مشية النساء بقوله: يهززن للمشي أعطافًا مًنَعمّة هز الجنوب ضحى عيدان يبرينا أو كاهتزاز رُدَينىٍّ تداوله أيدي التّجار فزادوا متنه لينا بيض يُجَرِّدن من ألحاظِهِنَّ لنا بيضًا ويُغمدْنَ ماجرَّدْنَه فينا واللافت فى هذه المقطوعة أنها أصل سلالة من القصائد الشعرية التي تجري على نسقها الموسيقى من أشهرها نونية ابن زيدون الأندلسي ''أضحى التنائي'' ومحاكاة شوقي ''يانائح الطلح''، لكن ابن مُقبل وقد جعل قدود النساء التي تميس في مشيها سيوفًا ليّنة المتون، أردف ذلك بجعل لحاظهن الجارحة أيضا سيوفًا تغمد في القلوب، دون أن يستغرق في تفاصيل الأعطاف والأرداف، فحسبه أن يكتفي بالأثر الناجم عن وقع الخطو·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©