الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سامي العنقاوي: العمارة ابنة البيئة والفلسفة

سامي العنقاوي: العمارة ابنة البيئة والفلسفة
7 ابريل 2010 22:10
الدكتور سامي محسن عنقاوي ولد في مكة، معماري يشغل مكانة مرموقة على المستوى العربي والعالمي، حاز على الدكتوراه في العمارة المكية من جامعة لندن عام 1988م، وحصل على الزمالة من كلية الدراسات العليا للعمارة جامعة هارفارد، ويمتاز بأنه يجمع بين الأصالة وإبداعات الحداثة، فهو يولي البيئة المحيطة به عناية خاصة وينطلق منها ليبتكر تحفته المعمارية مستندا إلى فلسفة مستنيرة لا تقبل التقليد الأعمى ولا تهمل كنوز التراث. تأثر بفكر المعماري المصري حسن فتحي ذلك العبقري الرائد الذي ربط بين فن العمارة وبيئة الإنسان. تعتبر دار العنقاوي الشخصية في جدة تحفة معمارية، كما قام بترميم وتجديد العديد من العمارات التاريخية بالحجاز، ومنها منزل الشافعي والمنتدى في جدة، دار اليماني في مكة. وهو مؤسس مركز أبحاث الحج، ومن الداعين إلى استلهام التراث الحجازي في العمارة لأنه يرى أن مكة بتراثها الإسلامي العريق غير نيويورك وناطحات السحاب. الدكتور العنقاوي من أشهر الناشطين في مجال الحفاظ على الآثار الإسلامية المتبقية في الحجاز، وهو يرى أن التعصب الديني الجشع التجاري يدمر التراث. من أحدث إنجازاته المعمارية بناء المركز الطبي الدولي بجدة الذي يعتبر تحفة متميزة في فن العمارة الحجازية الإسلامية. التقينا به وتفضل مشكورا بهذا الحوار. - في هندسة العمارة ألا يمكن الاستفادة من معطيات العصر مع الاحتفاظ بالجذور؟ - التحدي الكبير الآن: هل أكون إنسانا عالميا وليس لي أصل؟ أو أكون إنسانا أصوليا وليس لدي فكرة عن أي شيء؟ هنا بدأ توجهي نحو العمارة، أحاول أن أرى ما هي الثوابت، وما هي المتحولات مهما عملت في العمارة، الشرق شرق والغرب غرب، الشمس تشرق من مكان وتغرب في مكان، الرياح تأتي من اتجاهات معينة، المواد متحولة، ما كان عندنا إسمنت فيما مضى ولم يكن لدينا مصاعد ولا مكيفات، لكن هل آتي أنا وأقول الآن عندي مكيفات وأنسى البيئة؟، وأصنع صندوق زجاجي وأعيش فيه؟ هذا خطأ، ومن ناحية أخرى أرفض وأقول أنا أعيش على الفوانيس، هذا خطأ آخر. الإمكانيات ـ الحمد لله ـ موجودة فليستفد منها الشخص قدر المستطاع، وكذلك الإبداعات في مجال التصميم وخاصة فيما يتعلق بتعامله مع البيئة: كيف يتكون البيت حتى يتناسب مع طريقة الحياة والمحيط؟ كيف يكون الحي؟ والمدينة كيف تكونت؟ فبالنظر والتأمل في الطبيعة كما أمرنا الله بالتفكر والتدبر والتعقل نجد أن هناك أمثلة عديدة للتعلم. فالحلزون في البحر كيف يكون له بيت ينمو معه؟ نفس الشيء البيئة نشكلها نحن، وهي تؤثر فينا: أخذ وعطاء. لا بد أن ندرس ولا بد أن نتعلم، سواء في الماضي أو في المستقبل، المستقبل معلومات والماضي معلومات، لا يجوز التعصب لمعلومات معينة مقابل أخرى، الأصالة مطلوبة والإبداع مطلوب. - لماذا ننظر إلى الآخر دائماً بأنه الأفضل؟ أنا عندي أصولي وعندي إرثي، يجب أن تتوازن العملية، أتمنى أن يكون هناك تخطيط، ليس فقط أن نعمل أقواسا وأشكالا فهذا أيضاً تقليد، فهناك ظاهر وهناك باطن والظاهر يعكس الباطن، مثل جسم الإنسان فيه مكونات معينة، فأنا ألبس ثوبا والآخر يلبس ثوبا وذاك يلبس سترة وآخر بنطلونا، حسب الاحتياج، وهذا لا يعني أني أنا أخلع ملابسي وأمشي بطريقة لا أعرفها ولا يعني أني أتمسك وأحصر نفسي، أعتقد يجب البحث عن التوازن والبحث عن الإنسان. أعتقد أن هذا هو الذي أتحرك فيه، وهو البحث عن التوازن بالميزان، عدة قد تصل إلى آلاف الكفات تبدأ بكفتين رئيسيتين، كفة الثابت وكفة المتحول. فمثلاً في العمارة قد تكون من الثوابت مساحة الأرض، وزوايا الشمس واتجاهات الرياح والبيئة بشكل أشمل، وذلك في التكوين. أما العمارة في ظاهرها فهي مثل اللغة. ففي البلد العربي نتكلم لغة عربية وفي بلد آخر نتحدث بلغتها. وليس معنى ذلك أن نرفض كلمات من لغات أخرى، ولكن عند الحاجة إليها، نستخدمها، فالمسألة مثل اللغة واللغة تعبير عن معاني وعما نشأ في عمق الإنسان، كيف يستخدم هذه الكلمات ويشكلها بأي طريقة وأحياناً يضع كلماته دون أي أصول أو علاقة بالمعنى فقط من أجل عمل جرسا موسيقيا. والشئ نفسه في العمارة. فلا يصح عمل مبنى حديث ليس له علاقة بالأصول، ثم يضاف إليه بعض الرواشين أو الزخارف ليطلق عليها أنها تراثية. فهذا خطأ. فلابد البدء من التكوين، ومن المبادئ ومن الأسس، بهذا يتشكل الموضوع ويتجاوب مع المتطلبات؛ فالمستشفى غير البيت، غير المعرض غير الفندق، والمنطقة البحرية غير الصحراوية. والمسألة هي علم وفن، ويأتي الفن بعد العلم، الفن ليس فقط حالة رفاهية، فعلى سبيل المثال من يدرسون في نفس الكلية ويتخرجون منها، ولكن كل واحد يتعامل مع ما تعلمه بطريقة مختلفة، حتى في الطب، فالفن يكون في دقة التشخيص ووصف الدواء. والعلم والمعرفة لهما تأثير على المنتج وعلى الفن. - ماذا أعطتك مكة من تراثها المعماري؟ - أنا ابن مكة التي يعود تاريخها إلى 5000 سنة، وفيها حضارة من 1300 سنة وهي أرض تجمع الحضارة، مكة تجمع الفن الإسلامي، وكل الحضارات الإسلامية التي بدأت من مكة وانتشرت من المدينة ثم عادت إليهما (شهيق وزفير). فقبل خمسين سنة مضت كنا نرى فيهما العالم الإسلامي كله ممثل تراثهما وفنهما وكل جوانب الحياة الاجتماعية والإنسانية والعلمية والمعرفية والاقتصادية وغيرها. أما الآن انتهى هذا الأمر، طغت جوانب التغيرات وأخذت الحداثة بمفهوم خاطئ وطبقت بطريقة خاطئة عشوائية مثل طغيان الارتفاعات في البناء بدون أي ثوابت وتطاولت المباني بارتفاعاتها على بيت الله. وتحول الأمر إلى مسألة مادية تماماً، فالأبراج الشاهقة قد تبنى في أي مكان في العالم في نيويورك أو شيكاغو، ولكن ليس في مكة، لا يمكن أن تصبح مثل أي مدينة في العالم. فمكة هي مكة، المدينة هي المدينة لكل طبيعتها وبيئتها وعمرانها وعمارتها التي تطورت خلال 1300 سنة، ولا يصح أن نلقي بهذا كله وراء ظهورنا، حتى ولو كانت هناك تحديدات كثيرة والتي من الممكن استيعابها بدون إلغاء الأصور وطمسها. فلا يجب أن يقودنا التقليد الأعمى إلى الاستهزاء بالإرث صحيح عندي تحديات جديدة، أحتاج إلى بوصلات وأحتاج إلى أشياء أقدر أستوعب فيها لكن ليس بطريقة أن ألغي الأصول وأطمسها لأعمل شيئا جديدا تماماً، هذا بالتأكيد غباء واستهزاء بالإرث والتراث، وبما خلق الله، ليس فقط بالتراث لكن بما خلق الله، بصنع الله عز وجل، الله سبحانه وتعالى يقول: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ }الأنبياء16. قال تعالى: {إِنَّا كُـلَّ شَيْءٍ خَـلَقْنَاهُ بِقـَدَرٍ }القمر49. الذي حصل بمكة يتنافى مع مكة وأصولها وتراثها وطبيعتها وتكوينها، وقد وصل إلى مرحلة سيئة جداً دون النظر إلى أي اعتبار، أنا قلق وأقول ذلك عن علم وليس عن تحمس، لكن لا حياة لمن تنادي، لا أحد يسمع لا علماء ولا مفكرون، يحتجون ويقولون كل هذا من أجل الحجاج ومن أجل أعداد الحجاج المتزايدة، لكن هذه المشاريع لا تغطي أكثر من بعض مئات الألوف من الحجاج المرفهين منهم، أما باقي الحججاج وهم بالملايين. ولنا في رسول الله سنة حسنة، فعندما حج أقام خارج وسط مكة على أطرافها. فيجب إعادة النظر في الأمر كله، نحن نتكلم عن حرم وليس عن مدينة كأي مدينة. خطأ أن نقول مكة مدينة، مكة حرم، مكة أم القرى، المدينة أم المدن، فهل يصح أن نثور عندما يتغير شيء في القدس، ولا نتحدث أو حتى ننصح عندما تتغير مكة والمدينة كلهما، مع الفارق أن هناك عملا استعماريا في القدس. - أنت عشت بأميركا، برأيك سبب نجاحات الأجانب هل هو البحث أم الحرية؟ - أعتقد أن الحرية أساس الحياة، في ثلاثة أشياء (الروح، النفس، الجسد). لنأخذ النفس والجسد في توافق، إذا احتاجت النفس شيئا والجسد يحتاج شيئا، إذا الجسد لا يستطيع أن يعيش بدون الهواء وينقصه الأكسجين، فالنفس لا تستطيع أن تعيش بدون الحرية، إذا الجسد لا يستطيع أن يعيش بدون دم، فالنفس لا تستطيع أن تعيش بدون حب. أنا عندي متوافقات بين الأشياء، فالعملية يجب أن ينظر لها بعمق، النفس تحتاج لأن تكون مطمئنة وأن تكون مرتاحة، تحتاج أن تكون عارفة للأشياء وتحتاج أن تتعمق، الغرب يفعل أشياء جديدة لكنه يدرس ويبحث ويقنن، والواحد هناك يمضي 30 سنة من عمره وهو يبحث عن فصيلة معينة من الطيور أو الحيوانات، ويدرس ويتعلم ويحقق ما يبتغيه. نحن نريد كل شيء جاهز، حتى الفن الآن نستورده ونجلب فنانين من الغرب ليعملوا لنا فنا، ولا مانع من هذا من أجل عملية التلاقح ولكن بنوع من الوعي. والسؤال: هل يوجد عدد من أهلي ومن أرضي كاف متواجدون ويصير احتكاكات من أجل أن نوازن ذلك مع الأصوليات، وإلا نكون فقط كما يقولون بأننا من أجل أن نكون متقدمين يجب أن نقلد ونصبح مقلدين، حتى الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يقل قلدوني، التقليد غير الاتباع، الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال { إن كنتم تحبون الله فاتبعوني}، العملية تحتاج إلى تفكير وإلى تعمق، أي لازم أتعمق وأفهم، يوجد ناس هذه إمكانياتهم وهذا وعيهم لكن عندما يصبح الإنسان لديه شيء من الوعي والمعرفة ليس عن نفسه فقط بل عمن حوله، وعن بيته، عن بلده وعن أرضه، عن الأكثرية كله.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©