الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ميره والهام

1 مايو 2008 04:20
في إحدى البلدان كانت تعيش أسرة كبيرة تضم إلى جانب الأب والأم سبع بنات وولدا واحدا، وكانوا يعيشون في ترابط أسري جميل وسعادة غامرة، ولم يكن هناك ما يعكر صفوهم· وبينما كانت الأم في أحد الأيام تمشط بناتها، إذ بعابر سبيل يطرق الباب طالبا صدقة، فنادت الأم على إحدى بناتها وأمرتها بأن تعطي السائل شيئا من التمر· فقالت الأم: يا حصّه سيري اعطي عابر السبيل· فقال عابر السبيل: ما أبغي حصّه بتحصصني· الأم: حمده سيري اعطي عابر السبيل· عابر السبيل: ما أبغي حمده بتحمدني· الأم: علياء سيري اعطي عابر السبيل· عابر السبيل: ما أبغي علياء بتعليني· الأم: موزه سيري اعطي عابر السبيل· عابر السبيل: ما أبغي موزه بتموزني· الأم: شيخه سيري اعطي عابر السبيل· عابر السبيل: ما أبغي شيخه بتشيخني· الأم: ناعمة سيري اعطي عابر السبيل· عابر السبيل: ما أبغي ناعمة بتنعمني· الأم: ميره سيري اعطي عابر السبيل، وقد كانت ميره هي الابنة الصغرى والأخيرة وكانت هي أجملهن وأذكاهن جميعا· هنا سكت عابر السبيل ولم يعترض على أن تعطيه ''ميره'' صدقة من التمر، وكأنه كان ينتظر أن تلفظ الأم باسمها حتى يسكت ويقبل· لكن ''ميره'' بعد أن ذهبت لإيصال الصدقة إلى عابر السبيل لم تعد ولم يسمع لها أي صوت، هب الجميع لرؤيتها، فلم يجدوا لها أي أثر، فالطارق لم يكن عابر سبيل بل كان ''الهام'' ذلك الوحش الشيطاني المعروف، وقد جاء لخطف ميره متعمداً وبعد أن ظفر بها هرب· لف الحزن والخوف أهل البيت· هنا عاد الأب والأخ من الخارج فأخبرنهما بما حدث وكانت صدمتهما قوية، لكن الأخ قرر الخروج للبحث عن أخته في البراري والقفار مهما كلف الأمر، ووبخ أمه وأخواته لأنهن أخطأن بتركهن ''ميره'' تخرج لوحدها دون أن يتحققن من هوية الطارق· مضى الأخ في طريق طويل يسأل كل من يصادفه هنا وهناك سعيا للحصول على أية معلومة قد تفيده في العثور على أخته والظفر بـ ''الهام''، وظل على هذه الحال لأيام وشهور دون أن يجد بصيصا من أمل· وبعد عناء كبير عثر على رجل ''عجوز'' يسكن في كوخ على مقربة من إحدى القرى، وكان للعجوز معرفة بالهام وسلوكه ومناطقه، فأمده بمعلومات كانت غاية في الأهمية· قال له العجوز: يجب أن تسلك الطريق باتجاه الجنوب إلى أن تصل إلى وادٍ سحيق بها أشجار كثيرة، لكنك يجب أن تبحث عن شجرة ضخمة غريبة بها لمعان غريب، ابق محدقا في تلك الشجرة بعض الوقت وستجد بأنها تحولت إلى شجرة من اللؤلؤ والمرجان، فإن كانت هي فستكون شجرة ''الهام'' المفضلة التي يأتي إليها كل ظهيرة ليستريح ويتناول طعامه في ظلها، اصعد فوق تلك الشجرة واختبئ بين أغصانها وترصد ''الهام''، وحذار أن تتحرك أو تسقط شيئا من الثمار حتى لا يستيقظ، واكمن له حتى ينام، ولنومه وضعية خاصة فعندما تكون احدى عينيه مغمضة والأخرى مفتوحة ويكون نصف جسده في الظل والنصف الآخر في الشمس يكون نائما، وبالفعل جاء ''الهام'' وهو يجر خلفه خلق كثير من النساء والرجال والحيوانات، أتى بهم إلى شجرة اللؤلؤ والمرجان وشرع في شيهم بالنار والتهامهم، فقد كانوا طعام غدائه في ذلك اليوم، أما عشاؤه فإنه يتناوله في البيت بشكل مختلف· بعد أن فرغ ''الهام'' من طعامه استلقى على الأرض مسترخيا، هنا كمن له أخو الفتاة حتى رآه قد أغمض احدى عينيه ووضع نصف جسده في الشمس، فتأكد بأنه قد استغرق في النوم فنزل عن الشجرة وتبع الطريق الذي أتى منه ''الهام'' حتى وصل إلى جبل كبير به مغارة عظيمة فعرف بأنه مكان إقامته فتوجه إلى الداخل بحثا عن أخته حتى وجدها هناك، فأخبرته بأن ''الهام'' اختطفها ليس ليؤذيها ولكن ليتزوج بها لأنه كان معجبا بها وكان يرقبها منذ زمن، وبالفعل تزوجها وأنجب منها ولدا قبيحا، يشبه الهام تماما، لكنه أقل منه شراسة· ما هي الا لحظات حتى دخل ابن الهام ورأى الشاب فزعق قائلا من هذا يا أماه، فقالت له الأم هذا خالك، لكن لا تخبر أباك بأنك رأيته، بل اكتم الخبر لأن أباك لا يحب رؤيته، فقال لها حاضر وأمرك مطاع· اتفقت الفتاة مع أخيها على خطة لقتل الهام، وقالت له إن أهم شيء في عملية قتله أن يضربه ضربة واحدة قوية دون أن يثنيها مرة ثانية، لأنه في الثانية تعود الحياة في الهام، لكنها عادت وقالت له إنها تخشى أن يفشي ابنها بسره، لذا يجب أن تهيئ له مكانا أمينا كي يختبئ فيه ويكمن للهام ويباغته بضربته، فأخذت أخاها إلى المطبخ وخبأته تحت المنخل الكبير هناك· عندما حل الظلام جاء الهام إلى مغارته، وما أن دخل حتى حرك أنفه فقد شم رائحة غريبة· قال الهام: أشم رائحة إنس· ردت الفتاة: لو كان عندنا انس كنا أكلناه من أمس· هنا شرع الصبي الصغير ابن الهام بالغناء: خالي خلخل تحت المنخل لكن الصبي كان بعيدا بعض الشيء فلم يسمعه الهام، لذا عاد وكرر على الفتاة استنكاره للرائحة الغريبة التي يشمها وهي أشبه برائحة الأنس··· هنا ظهر الأخ من مكمنه ووثب على الهام وطعنه في ظهره، فقال له الهام ''زيد'' أي زدني ضربة أخرى، فقال له الأخ ''ما أزيد''، وظل الهام يردد ''زيد··· زيد··· زيد···· زيد'' والأخ يعيد ما أزيد ثم قال الأخ: ''ما علموني أهلي على أكل العصيد··· علموني على ضرب الحديد''· مات الهام بعد أن تلقى ضربة قاضية قوية من أخ الفتاة· هنا قالت الفتاة لأخيها بأنه يتوجب عليه الآن قتل ابن الهام فهو مثل أبيه، وحذرته من أن لا يخطئ في ضربته، فالحق به واضربه من الخلف ضربة واحدة مثل أبيه ولا تثن· وبالفعل وثب الأخ على ابن ''الهام'' وطعنه طعنة قوية في ظهره وأرداه قتيلا، وكانت هذه نهاية الهام وابنه الذي أنجبه ليكمل مسيرته في ترويع الناس ونهبهم وقتلهم· بعد أن تمكن الأخ وأخته من القضاء على الهام وابنه بالمكر والقوة، عادت إليهما الطمأنينة والراحة التي فقداها منذ سنوات، وجمعا ما يمكن جمعه من الخيول والجمال التي كانت بحوزة الهام، وتوجها إلى شجرة اللؤلؤ والمرجان، وأخذا يجمعان منها ما يمكن حمله من الجواهر المختلفة التي كانت تنبتها تلك الشجرة السحرية، وما إن اكتملت حمولة الابل والخيول حتى توجها إلى قريتهما، وهناك في القرية كان الجميع في استقبالهما وفرحوا بهما فرحا شديدا، وأقاموا لهما احتفالا كبيرا دقت فيه الطبول وأنشدت الأناشيد ونظمت القصائد الجميلة، فكان احتفالا رائعا· خلال الاحتفال وزع الشاب وأخته ''ميره'' وذووهما جزءا من الثروة التي جاؤوا بها من الشجرة المسحورة على الناس في القرية حتى يسعدوا وينسوا الرعب الذي عاشوا فيه طوال فترة غياب ''ميره'' وانشغالهم بأمر اختفائها وخوفهم من أن يقوم الهام بعملية اختطاف أخرى لفتاة أخرى وتتكرر المأساة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©