الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بيت حاضر في صنعاء وإبداع يتآكل

بيت حاضر في صنعاء وإبداع يتآكل
1 مايو 2008 04:21
في بيت الفن تشاهد بيئة اليمنيين في لوحات رائعة وسط همس المكان وإيحاءات الزمان تشير إلى أن أصحاب تلك اللوحات لم يعد منهم من يولي اهتمامه بها لأسباب كثيرة أهمها أن الفن التشكيلي بات غريباً في البلاد السعيدة التي اشتهرت حضارتها بالنقوش المختلفة وأهمها المسند· قال لي أحد المرافقين: ثمة قطيعة زمنية تحكم نسغ الشجرة التشكيلية في اليمن عبر غياب التجارب الأولى الضرورية كتمهيد تأسيسي أو ريادي ممتد في الزمن· فجأة شاهدنا لوحات الفنان اليمني الأول هاشم علي الذي يعد مؤسس التشكيل اليمني المعاصر، علماً أن البلاد لم تشهد حركة تشكيلية غزيرة قياساً على ماشهدته بلاد عربية أخرى· وعن ذلك يقول فنانون تشكيليون يمنيون: افتقدنا العمق الريادي أو الممهد للحركة التشكيلية في وقت مبكر وغابت الدراسة المنظمة داخل الوطن كانت النتيجة نقص الوعي بالفن لدى المتلقين· وفي بيت الفن تستطيع بعدستك وعيونك أن ترصد بعض الأسلوبيات الواضحة في أعمال الفنانين اليمنيين من أبرزها عكوفهم على استلهام البيئة والمحيط والطبيعة متنوعة الأجواء جبالاً وودياناً وبحاراً، وبعض جماليات البيت القديم (الصنعاني خاصة) بتفاصيله لا سيما الأبواب والمطارق والشبابيك والزجاج الملون (القمريات) والجدران وكذلك مظاهر الريف ومدرجاته الزراعية وذرى الجبال المتناهية في الارتفاع فضلاً عن الظواهر الثقافية الممثلة في الثياب والخناجر والوشم والحلي والعباءات والنقوش والرقصات وغيرها· كما يلاحظ الزائر لبيت الفن اللوحات الواقعية المعبرة عن الصور الفوتغرافية مع بعض اللمسات الفنية في التلوين والأوضاع وزوايا النظر· وفي أعمال فؤاد الفتيح تظهر الواقعية بخصوصية، فهو لا يقف عند موضوع البيئة ومفرداتها التقليدية بل يستلهم ثقافة المحيط واستيعاب روح الموروث للمنطقة واليمن وتكريس ملامح شخوصه ذات السمات الأفريقية المنتمية إلى أجواء البحر وأساطيره مركزاً على الخطوط الخارجية ودقة الأجساد ورهافتها معتنياً بالتفاصيل الدقيقة (الثياب، والإشارات المحلية، والحيوانات والطيور والأسماك، وأجزاء البيت اليمني ذات الطبيعة المعمارية الخاصة)· وتبدو المرأة في أعمال الفتيح ذات جمال وإغراء مع شيء من الحزن أو الحنين للخروج من واقعها وأسر تقاليده مرمزاً لذلك بوجود الطير في اللوحة أو الحصان أحياناً· اما في لوحات الشاعر والرسام الراحل عبداللطيف الربيع ففيها أمثولة لحوار المرسوم والمكتوب، فهو يستفيد من تجربته الشعرية وكتابة القصيدة الحديثة لينجز ما أسماه الدكتور حاتم الصكر (تعارضات التوافق) ومن أهمها تعارض أدوات الشاعر والرسام، وحقائق الموت والحياة، والحرية والقيود، فهو بقدر ما كان يذكر الموت بجرأة واستباق مصيري غريب في شعره، كان الربيع يحاول مطاردة الموت عبر الحزن المبثوث في لوحاته والمتحقق في غنائية شجية لألوانه وأسى شفيف لموضوعاته وشخوصه· ويغير الربيع أسلوبيته ولا يتوقف عند نزعة محددة، فهو يميل للتجسيد والتشخيص في بعض أعماله، إلى جانب الشاعرية والاختزال والرمزية في أخرى، بينما تظهر ثقافته واضحة في تجارب التلصيق (الكولاج) حين يجعل بعض المخطوطات اليمنية القديمة بدل أوراق الصحف أرضية تستريح فوقها الألوان والدهان اللامع· اما أعمال الفنانة ريمة قاسم وفي تجاربها يتبين من لوحاتها انها تسعى إلى الغوص والنفاذ في عمق الداخل البشري تتلمس دهاليز النفس الإنسانية علهّا تصل إلى مختلف التبدلات والانفعالات التي تطرأ دونما توقف على ذلك الداخل· وفي كل التجارب التي مرت بها قاسم لا يمكن بحسب النقاد أن لا نشعر بأن صاحبتها فنانة ؟ أنثى، إذ أن حساسية الفنانة المرهفة بالحياة، وكياناتها الأنثوية وحضورها المادي، يرتد إلى ذاتها المبدعة ليستحيل رموزاً ودلالات ذات علاقة بالولادة والبدايات الغامضة للحياة، تؤكد هذه الإحاءات من خلال الأشكال الشبيهة بالكائنات الحنينية السابحة في محيط كثيراً ما يأخذ صورة الرحم· كما تتكرر الكتل والحركات والخطوط المستديرة والبيضاوية لتعمق الرؤى الأنثوية للوجود البشري، والتي استبدلت غياب الجسد من لوحات ريمة قاسم بحضور النفس والوجدان· ومن التجارب الحديثة والمستمرة تستوقفك تجربة الناقدة والفنانة آمنة النصيري التي تتعدد رؤاها من التعبيرية التجريدية الحديثة، إلى التجريدية الأبجدية، أو الحروفية·
المصدر: صنعاء
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©