السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

آدم حنين يطلق طيوره بأجسادها البرونزية

آدم حنين يطلق طيوره بأجسادها البرونزية
7 ابريل 2010 22:17
عشرة أعمال تلخص رؤاه الفنية، نحات من زمن الحديد والصلب والفولاذ، ويتساءل القارئ معي: لماذا النحت بالبرونز؟ هل ثمة مغزى من ذلك؟ نعم فالبرونز متعدد الألوان، المشع والقاتم، الملون ببريق الحجر والمتماهي مع نفسه، المطواع حد الليونة، والعصي حد الكبرياء، صديق الزمن والمتصارع معه، المتبقي بعد كل الانهيارات، المسجل بين حركات جسده اسم صانعه. ذلك هو البرونز، الأصفر في بريقه والأبيض في شفافيته والأسود في عمق غوره وخوفه، ذلك هو البرونز المتلون كالحرباء، المشع والخافت كالسحابة. عرف هذا النحات الآتي إلى أبوظبي من عمق الحضارات، من رموز الكتابات الهيروغليفية، من أقبية رطبة في المقابر الفرعونية من زخارف مذهبة على جدران المعابد، هذا النحات الآتي من لفائف البردي ومن صخور الأهرامات ومن معادن تربة مصر، هذا النحات المشبع بكل ثقافات حضارة وادي النيل وإشراقات الرؤى الفرنسية وثقافتها، جاء إلى أبوظبي يحمل معه 10 منحوتات فقط. هو آدم حنين الذي استضافه مهرجان أبوظبي 2010 ليقدم مدرسته في فن النحت بالبرونز التي تتلخص في تمازج فن الحداثة الغربية وعمق الموروث الفرعوني، إنه سليل النحاتين الفراعنة بكل اختصار. مدرسة في النحت في أعماله نجد منحوتته الرشيقة ماري نيلوس التي صنعها عام 1969 بأبعاد 40*22*140سم، حيث رشاقتها وانسيابيتها وملامح وجهها الصغير ورقبتها المعتدلة، شيء أشبه بالموجة بكل التوائها وانهمارها من الأعلى حتى تفيض على قاعدة التمثال أشبه بذيل سمكة. لم يهمل آدم حنين ظهر التمثال “المنحوتة البرونزية” بل شكل “غديرتها” النازلة من شعرها المصفوف بعناية لا ترى، كما أنه شكل ثوبها الملتصق بجسدها كأنه ثوب أميرة فرعونية ذاهبة إلى احتفال تمجيد الآلهة. يبدأ بالنساء ويعبر إلى الطيور ويعود مرة أخرى إلى العالم ذاته الخلاق، نساء آدم حنين، بل أقول امرأته الفرعونية اللامتغيرة أبداً. في منحوتته “هي من تراقب أحوال الليل” 1990 البرونزية ذات الأبعاد 64*48*45 سم نكتشف كيف يخلق آدم حنين “الكتلة - لاحظ الأبعاد ارتفاعاً 64 وعرضاً 48 وعمقاً 45 وهي متقاربة إلى حد كبير.. إنها كتلة واحدة” هنا - في جسد البومة ووجهها المفلطح وأنفها المثلث كالأهرامات وبعينيها النافرتين وجناحيها الملتمين خلف ظهرها وبذيلها المنسرح قاعدة للمنحوتة من الخلف نكتشف حقيقة ملامح وأسس مدرسة آدم حنين في الفن النحتي. كتلة دائرية بتفاصيل صغيرة والتفاف جميل ومبهر للجناح الأيسر باتجاه الظهر في الوقت الذي يبرز فيه هذا الجناح متميزاً عن الجناح الأيمن في سكون الليل، حيث ترقب ألبومه الدائم. الكتلة المحسوبة ويلعب آدم حنين على الأشكال ليقدم لنا منحوتته “الطائر الملعقة” التي صنعها عام 1972 حتى 2008 وهي بحجم 14*25*17.5سم بلون أخضر وبجناحين مستقيمين ملتمين على بعضهما أشبه بمقبض الملعقة تماماً، بينما تبدو كتلة الجسد محفورة كالملعقة وهي تحمل رأساً صغيراً نافراً كالورم عند حافتها، ويختفي المنقار والعينان والفم سوى أنف بارز. اعتمد آدم حنين الكتلة “المتن” الذي يحمل القصة كاملة، أما ما هو خارج تلك الكتلة، فلا يبدو سوى هامش بسيط يحيل المتن / الكتلة إلى المعنى المراد. ويتجلى آدم حنين في منحوتته الكبرى “المضجعة” التي نحتها عام 2007 بأحجام 43*104*90 سم من البرونز الأسود في اشتغال جديد على كتلتين فقط وهما المربع والمستطيل، حيث امرأة بكل اكتنازها الأنثوي تجلس على كرسي طولي، ويدها اليمنى حول بطنها عند الحضن، بينما بدت عروق يديها أو ربما شالها تلف به يديها نافراً. جسد المضجعة يستطيل عند الأفخاذ ويمتلئ بشكل ظاهر ويقصر عند البطن والصدر، وثمة ملامح في الرأس المربع من الصعب تحديد جهة رؤيتها، كتفاها غير متناظرين تماماً، بل نرى كتفها الأيمن مرتفعا مع حركة اليد اليمنى وكتفها الأيسر منخفضا مع انخفاض اليد اليسرى، تناغم حركي جسد في الكتلة وتلاعب في الرأس المربع بانحراف واضح أيضاً “وهذا ما سنجده في أغلب تشكلات أعماله الجسدية على مستوى عدم تناظر الكتفين أو انحناءة والتفاتة الرأس في أغلب لوحاته التي سنتحدث عنها”. التماثل التشكيلي في لوحته “بومة واقفة” 1961 بحجم 45*22*47 سم، لاحظ تكرر رمز البومة لديه، إنها متحفزة في برونز رصاصي، وهي بقدمين صغيرتين وذيل يتوسطهما وجسد ينفخ صدره للأمام ورأس مستطيل، وأنف بارز وعينين جاحظتين، وهذا التكوين اشتغال على انسيابية الصدر نحو الأمام وانكسار الكتفين في قطع مباشر وسريع. هنا نلاحظ المشتركات تتكرر، وهي: 1 - عدم تناظر الكتفين. 2 - الصدر المنتفخ. 3 - الكتلة الملتمة. 4 - التحفز للانقضاض “المعنى المرموز”. في منحوتته “تسامي” 1973 إلى 1980 بأحجام 8*45*59 سم، حيث الطائر يمد رقبته الطويلة نحو السماء، نافخاً صدره - ثيمة مشتركة ومكررة - بقدمين يتخللهما فراغ يسند كتلة جسده - عجيزته - مع انحناءات ظاهرة لجناحي الطائر وثمة كتلة تلتم خلف هذا الطائر الفرعوني، إنه يتسامى في تألقه وكأنه يرقص بقدمين ثابتتين. ويحيرنا آدم حنين - حقاً - في منحوتته كائن متحضر 1977 - 1987 بحجم 63*24*14.5سم الذي أحسب أنه صاغه بأربع زوايا وبأربعة وجوه، هو جسد مستطيل من البرونز الأسود، فيه: 1 - الزاوية الأولى تجسد مستطيلاً مقطوعاً من الوسط. 2 - الزاوية الثانية تجسد مستطيلاً منحرفاً بشكل نصف دائري. 3 - الزاوية الثالثة تجسد مستطيلاً بزاوية متعرجة. 4 - الزاوية الرابعة تجسد مستطيلاً بشق طويل من الأعلى حتى المربع الأخير من جسد التمثال في الأسفل. كل هذه الزوايا تشترك مع بعضها بخاصية التشكل الدلالي، حيث نجد كل زاوية تعطي ملمحاً وصورة للجسد، وهي الصورة 1 و2 و3 و4 أي بأربعة أجساد وبـ8 زوايا مشتركة كل زاوية جزء من الصورة التي قبلها والتي بعدها. هذه هي براعة آدم حنين، أما الرأس فلا وجود له “إنه كائن متحضر”، بل هو موجود في الوقت نفسه في تعرجات سطح الكتلة نفسها، حيث ترى فيها 4 حركات تمثل كل جسد في سطوح الكائن الأربعة. الوردة البرونزية في منحوتة “الجالسة” 1991 - 2006 بحجم 22*25*110سم نرى أنها شكل موازٍ تماماً لماري نيلوس، اللون هو ذاته “البرونز الأسود” مع انسراح الأضلاع ذاتها ولكن في وضع جلوس، بينما كانت ماري نيلوس واقفة. هنا لا يرى من وجه الجالسة سوى أذن واحدة، فالوجه بلا أنف أو فم أو عينين. يأخذ آدم حنين من “المضجعة” حركة الكتفين - لاحظ عناصر التكرار - فالكتف الأيسر النازل لا يناظر الكتف الأعلى الصاعد - وهذا وجدناه في “المضجعة” وفي “بومة واقفة” أيضاً - وبذلك يمد آدم حنين الضلع الأيمن طويلاً ويقصر الضلع الأيسر. هنا في “الجالسة” يلعب آدم حنين على منطقة الورك الجالس على كرسي طولي بدون مساند، حيث يعتمد انكسارات متداخلة ومتوازية للفافة عند الورك أشبه بالوردة. حيث يطوع البرونز كالقماش ليخلق منه وردته البرونزية. تناظر بنيوي في آخر عملين له وهما “صرخة” و”التفاتة”، الأول تمثال برونزي لغراب والثاني تمثال برونزي لطائر مجهول. في صرخة 1990 من البرونز بحجم 51*130*85 سم نجد جسداً يمتلك 3 كتل ويستقيم كالسهم فاتحاً منقاره صارحاً، سهم يريد أن يغادر مكانه / قاعدته، يريد أن يطلق قدميه المربوطتين بقوة إلى كتلة رابعة تشده إلى الأسفل. دائماً ما نجد عند آدم حنين جناحي أي طائر لديه ملمومتين ملتصقتين، وهذا الجانب البنيوي في أعمال آدم حنين قد نجده في الحياة ذاتها عندما يتحفز كائننا للانقضاض. أما منحوتة “التفاتة” 2000 من البرونز 93*50*92 سم، فهي تشكل طيراً يلتفت بزاوية منحرفة - وهذا عنصر بنيوي آخر يتكرر في أعمال كثيرة لديه مع محاولة آدم حنين أن يشكل رؤوس طيوره إلى الأعلى - كما في “تسامي” و”صرخة” و”التفاتة” - كذلك نجد الطير في “التفاتة” ينفخ صدره مع أجنحة ملتمة على بعضها، وهذه كما أتصور محاولة لتبني مفهوم الكتلة بنيوياً، حيث تتشكل لدى آدم حنين مفهوميا أن الجسد كتلة واحدة حتى لو تقسم إلى أجزاء مختلفة، فالصدر كتلة والجناحان كتلة والرأس كتلة والقدمان كتلة.. هذا ما أراد آدم حنين أن يقوله. سيرة فنان: الفكرة والإزميل آدم حنين المولود في القاهرة عام 1929 يعتبر واحدا من أبرز النحاتين في العالم العربي، وتُظهر أعماله تأثراً كبيراً بتاريخ حضارة الفراعنة في مصر، إلا أنها تعكس أيضاً موهبته المميزة كفنان ينتمي إلى مدرسة الحداثة، وذلك من خلال استخدامه للأشكال المتماسكة البسيطة والانحناءات الانسيابية في منحوتاته، ومن أبرز الأفكار في أعماله “الصلاة والتنوير والأمومة والطيور والصعود”، التي تظهر في المسلات الفرعونية وهي عبارة عن أعمدة حجرية اشتهرت بها الحضارة المصرية القديمة، حيث كانت تنحت عليها الكتابات الهيروغليفية والرسومات الملكية والدينية، كما يتمثل الفنان فكرة العبور في أعماله من خلال نحته للسفن والقوارب والمعديات، ويصنع آدم أعمله من مختلف المواد مثل البرونز والخشب والفخار والجرانيت، كما أنه برع كرسام أيضاً. أقام آدم حنين الكثير من المعارض التي حظيت باستحسان النقاد من بينها معارضه الفردية في هورايزن وان هول، وزارة الثقافة، القاهرة 2008، متحف متروبوليتان للفنون (مع وزير الثقافة المصري فاروق حسني)، نيويورك 1999، جاليري كريم فرنسيس للفنون، القاهرة، معرض ايه اس بي في ميونخ ولندن عام 1988 والمركز الثقافي المصري في باريس عام 1987 ومركز سلطان في الكويت عام 1983 والأكاديمية المصرية في روما عام 1980، كما شارك في معارض جماعية أقيمت في باريس ونابولي وروما والبندقية والإسكندرية والقاهرة ودبي. يذكر الفنان أنه شعر بوجود النحات في داخله لأول مرة أثناء رحلة مدرسية إلى المتحف المصري في القاهرة عندما كان في الثامنة من عمره، ما دفعه لأن يدرس بعدها في معهد الفنون الجميلة في القاهرة ويحصل على شهادة دبلوم عام 1953، انتقل بعد تخرجه إلى الأقصر وأسوان، حيث راح يدرس نوعية الخامات المتوافرة في هاتين المدينتين. وفي عام 1971 سافر آدم إلى باريس “ليتعلم كل شيء عن الفن” ويشارك في معرض للفن المصري المعاصر في متحف جاليريا. إلا أن إقامته في العاصمة الفرنسية امتدت خمسة وعشرين عاماً حتى عام 1996 سافر خلالها إلى إيطاليا وتحديداً إلى بتراسانتا، حيث توطدت علاقته بسباك المعادن مارياني، وعلى الرغم من إقامته الطويلة في أوروبا، فقد ظل يستلهم أعماله من تراث مصر العريق.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©