الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الملامح الأجمل في مرايا النص

الملامح الأجمل في مرايا النص
7 ابريل 2010 22:18
إن كانت المرايا حسب ريجيس دبريه - في كتابه “حياة الصورة وموتها”- في بعدها الحقيقي ليست سوى انعكاس الضوء على الأشياء، فإن المرآة عند الشاعرة والإعلامية البحرينية بروين حبيب ما هي إلا امتداد للغة والنص، فهي لم تدر ظهرها لمرآتها الجميلة -من خلال ذلك العنوان المخاتل- وبذلك القدر الكبير من التواطؤ والمدروس من المواربة، بينها وبين ذاتها من جهة، وبينها وبين القارئ من جهة أخرى، إلا لتقدم انعكاساً لملامح أخرى أجمل في النصوص وفي مراياها الشعرية. الأبعاد التي تقدمها مجموعتها الأخيرة “أعطيت المرآة ظهري” تحمل في متنها سمات متفردة وخصوصية فيها وشم للذات والروح، تتوزع بين ثناياها مراحل وتجارب مختلفة تنثرها على الصفحات ضوع بنفسج وأصائل أمسيات قديمة، كما في قصيدة “الغريبة”: أتركني أمر إلى فؤادي وحدي هنا، في شمس أيامي وفي ظل البنفسج ضوع أمسية قديمة.. تغالبها الذكرى فلا تبرح المكان حتى تبكي وتستبكي، وهي تجترح ليل غربتها وتصنع من ومض الوطن أغنيات وتشكل من شذى اللغة البهية شمس كلام، ولأنها هي توزعت حروف الاسم الخمسة في ذلك الشتات الباكي أغنية مورقة: لي من شذى اللغة الغريبة عندما يهوي المساء على فؤادي باءٌ بكت راءً وواوٌ أورقت ياءً على الألواح والشمسُ خمرة فكرة في كأس نون.. وتبتعث بروين قلبها رسولا للحروف كلما أرقها الحنين، لأنها تسمع صدى أنفاسها من وراء الموج وترقب زرقة الماء، فهي الوردة العابقة بفكرة الحب كما في قصيدة “أنا الأقحوانة”، ولأنها تشكل لغتها وتخلق لها فضاءها الدلالي الخاص تتكرر في نصوصها تهويمات المكان وانعكاسات الضوء في خبايا الذاكرة، وكذلك انعكاس الزمن الآني الذي يطبع حياتها في ميدانها المهني، وتتضح جلية تلك اللغة المنبجسة من روح المكان في توظيفاتها الدلالية، فتتردد في أكثر من نص كلمات من قبيل: الصورة والكادر والضوء والعتمة والمرايا والظل، والأريكة الحمراء، وتكون أحيانا أكثر مباشرة كما في مجموعة القصائد المعنونة “بابتسامتي في التلفزيون”، حيث تضيئ مرآتها وصورتها في عدسة الوقت، وترهق قلبها الشعري ابتسامتها الفوتوغرافية كما في قصيدة “ورقة بيضاء”. فالمرآة عندها نص آخر أكثر إغواء، لذلك هي لم تدر للمرآة ظهرها إلا لتحيل لظلال وملامح أخرى آسرة تعكس حميميتها معها ومع النص، حيث تجلس في شغفها وتقرأ ذلك الحضور المترف: المرآة تنظرني وترسم المرآة تقرأني وتكتب هي صورة موازية وانعكاس بصري اذن، يكشف عن نفسه جلياً حين تجلس كطفلة تملأ شغاف الليل كما في قصيدة “رجل يمر أمام مرآتي”، أو حين تنفصل العتمة عن يوميات اللون كما في قصيدة “كلمات هاربة من رسالة حميمة”، فبروين لا تكتب إلا لتقدم ملامح أخرى لها أجمل وصور فنية لها أكثر حميمية في انعكاس مرايا النصوص ترى فيها العالم عن قرب وتكتب من خلالها صمتها لتكتشف أنها الأجمل. أكتب صمتي أسافر وأرى العالم عن قرب لأكتشف أنني كنت الأجمل... وعلى امتداد واحد وثلاثين نصاً شعرياً قدمت بروين حبيب في هذه المجموعة رؤيتها للأشياء من حولها بلغة جميلة ومنسابة رغم توحد المعجم اللغوي في قاموسها الشعري في مقاطع واختلاله في أخرى، وتشابه الأفكار والصيغ في أكثر من قصيدة وتنافرها في بعض المرات، فهي احتفت بنصها رؤية وبنية ونتاجاً في علاقات داخلية وطيدة بين الخطاب والعناصر الذاتية النصية المشكلة التي تشد لغتها إلى عوامل إنتاجها الأولى، لذلك لا ينفصل النص عن الذات عندها، بل هما كـُـلٌ واحد، ومحاولة تفكيك كل جزء على حدة هو ضرب من محاولات رولان بارت في حديثه عن سيمولوجيا الذات في بنيويته.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©