الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الحدوتة» لا تؤلف رواية

«الحدوتة» لا تؤلف رواية
7 ابريل 2010 22:18
أصدرت الكاتبة اللبنانية لوريس الراعي عن دار الجيل في بيروت، رواية بعنوان “بشرى”، في مئتين وست عشرة صفحة من القطع الصغير، استوحت أحداثها من ذكريات الطفولة والمدرسة، والعمل والتقاليد الاجتماعية، في البيئتين المدنية والقروية، ثمّ أطلّت على مرحلة عاصفة من التاريخ اللبناني المعاصر، في السبعينات والثمانينات، وفيها محطتان فاصلتان: الحرب الأهلية التي اندلعت سنة 1975، والاجتياح الصهيوني لبيروت سنة 1982. تنشأ علاقة حبّ بين الشّخصيّتين الرّئيستين في الرواية: بشرى وسامي، وهما على مقاعد الدراسة، يترافقان إلى مدرسة في الجوار (بلدة الدّوارة) بشرى في الثالثة عشرة، وسامي في السادسة عشرة. تتكلّل الدراسة بنجاح سامي في الشهادة المتوسطة، فسهرة عامرة احتفاء بالنتيجة تحضرها بشرى. وتترسّخ العلاقة بين التلميذين المتدرّجين في موسم قطاف الزيتون، وتتلقى بشرى التعنيف من شقيقها زاهي لكثرة لقاءاتها مع سامي، صاحب السمعة السيّئة. وفي هذا القسم تلجأ الرواية إلى حدث مفاجئ للتشويق: وهو اعتداء جنسي من سامي على فتاة من أقاربه تدعى سلمى.. ينتهي الأمر إلى إرغامه على الزواج بها صوناً للشرف، وستراً للبنت الضحيّة، جرياً على عادات أهل القرى. لكنّ هذا الزواج غير المحسوب، لم يحل من دون تواصل بشرى وسامي، وقد تلقّت منه عهوداً، بأنّه ليس له من زوجة في هذه الدنيا سواها، وزواجه بسلمى جاء غصباً، وعن مكيدة دبرت له. وفي القسم الثاني سبعة مواضيع تحتوي على الصداقة والحياة الدراسية الجامعية، والتعرف إلى الأحزاب والنشاطات السياسية، ومحاولة التكيّف مع متطلبات الحياة بالعمل إلى جانب التحصيل الأكاديمي. وفي القسم الثالث أحد عشر موضوعاً، وكأنّ التاريخ يعيد نفسه: زاهي شقيق بشرى يتزوّج بصاحبته داليا على طريقة سامي وسلمى، يأخذها خطيفة إلى بيت أهله ليستر العار، فتكثر الإشاعات، وتصيب بشرى في كرامتها العائلية، وقد ظهرت في غير مناسبة مع صديقها الجنوبي رواد، حتى ظنّ المراقبون أنّها صارت زوجته. تنطوي هذه العلاقة الغرامية بطريقة غامضة، فيحلّ محلّ رواد شابّ بيروتي اسمه متري: مثقّف وميسور، تصاحبه وتراقصه، مؤكّدة أنّ ماضيها صفحة طويت بلا رجعة. لكنّ العدوان الإسرائيلي سنة 1982 فصل بينهما، فمتري غادر إلى قبرص، وبشرى عادت إلى ضيعتها، وكانت تنزل بين الحين والآخر لتفقّد منزلها في بيروت. يعود متري من قبرص بصورة مفاجئة، ليخطب بشرى ويحدّد موعد الزواج والمراسم المتعلّقة به. وبعد مقتل الرئيس بشير الجميّل (أيلول 1982) ينسحب متري من العرس، تحت تأثير صدمة الحدث السياسي، ثم يجدّد الاتصال ببشرى بعد أن تقدّم لها شاب جديد يطلب يدها، يدعى كرم. أول ما فكّر به العشق الجديد محاولة إفساد العلاقة بين بشرى ومتري. وفي القسم الرابع عنوان واحد: قساوة مرّة، حيث تعود الراوية والمؤلفة لينا صديقة بشرى لمعاينة المأساة والحديث عن ضحاياها. نجحت الرواية في اختطاف لحظة تاريخية من الحياة اللبنانية، كدنا نفقد فيها المحبة والتسامح والتآلف بين الجماعات الروحية، فكانت لوريس الراعي صوتاً إلى جانب التآخي، والأصالة، وكرم الضيافة، والتماسك العائلي، وحسن الجوار. وفي اختيار الأسماء العربية لشخوصها وأبطالها دليل على موقفها المتمسّك بالثقافة العربية،التي بدأت تتعرّض لموجة تغريب في الأسماء والمفاهيم، والعلاقات، والسلوكات اليومية، والمعاملات التجارية، والمناهج التعليمية. لكن هذا العمل العامر بالفطرة والصراحة والمحبّة، شابته نواقص في اللغة والسرد والوصف والنّموّ الدّرامي، والتماسك القصصيّ، بالإضافة إلى المبالغة في استهلاك التعابير العامية المبتذلة التي كادت تغيّب العربية الفصيحة في الرواية. كذلك مال السرد في الرواية إلى الحشو والاستطراد، ولذا بدت الرواية، أحياناً، تداعيات من خواطر، يصعب الجمع بينها، فجاء القسم الرابع منقطعاً ودخيلاً. أما شخوص الرواية بمن فيهم بشرى وسامي، فقد ظهروا مهزومين أمام الأحداث، محكومين بالضّعف وردود الأفعال، لا يستطيعون مغالبة الأقدار المرسومة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©