الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اشتقاق الأسماء

اشتقاق الأسماء
11 يونيو 2009 02:56
كلما تدبرنا مواقف العلماء والشعراء الأقدمين ورؤيتهم السمحة للتناغم الثقافي في حياتهم أدركنا خطورة البلوى في هؤلاء المختزلة في العصر الحديث من المتعصبين، فشاعرنا السريّ الرفاء يستهل سفره عن المشروب باسم الله، ويشرع في تحليل اشتقاق أسماء الخمر بمنطق العالم الفقيه في اللغة والأدب المتبحر في معرفتهما والاعتزاز بهما، فهو يتحدث عن الأسماء تاركا الحديث عن السوائل ذاتها ليشتغل به فقهاء الدين في الحل والحرمة، فالاشتقاق هنا هو اللغوي، وهو الذي شغفت به مدرسة أصيلة في علوم اللغة من أشهرها «ابن جني» المعاصر للسري الرفاء أيضا الذي يقول: «فأما الخمر فاشتقاقها من ثلاثة أشياء؛ أحدهما من خمرتُ الشيء أي غطيته، كأنها تغطي عقول الشاربين. والخَمْرةُ، لأنها تخمُر موضعها من الأرض، والخِمارُ المِقْنَعَة لأنها تخمر الرأس، والخمر ما وراراك من الشجر، والخمير الذي للعجين؛ فعيل بمعنى فاعل؛ أي خائر فطورته.. والوجه الثاني من الاشتقاق أنه لطيب رائحتها وذكاء نشوتها سميّت خمرا، تقول وجدت خمْرة الطيب أي رائحته، قال الراجز: يا رُبَّ خَوْدٍ طَفْلةٍ مُعطّرة معجبة بحسنها، مشمّرةْ إن جئتها محجوبة مُخَدَّرة وجدت من خلف الجدار الخمرة أي استنشقت رائحتها من خلف الجدار. والوجه الثالث أنه من خامرني الهمّ أي خالطني، وداء مخامر أي مخالط للبدن، كأنها تخامر الأبدان والعقول، قال الشاعر: أتيناه رُوَّارًا فأعتدنا قِرًى من البث والداء الدخيل المخامرِ (أي أشبعنا كرما من الهم والنجوى) وليس لأحد أن يقول إنه يرجع كل اشتقاقه إلى التغطية، لأنه سير في الاشتقاق هذه السيرة بطلت فوائد أبوابه وأنواعه، وإنما يكون اختلافه بزيادة معنى على آخر، وعلى هذا أسسه العلماء من القدماء، وهنا يتجلى في كلام السري الرفاء وجه جميل من فلسفة العربية وفقه اللغة الشعرية فيها، فهو يعتمد على التأسيس العلمي المأثور من ناحية ويفضل انفتاح الدلالات وتعددها على أصول اشتقاقية مختلفة تسمح بفهمها لدى القراء على مستويات متعددة، فالخاصية الجوهرية للغة الشعر هي تعدد المعنى واحتضان الكلمات لإيحاءات تتنوع طبقا لمعارف القراء وقدراتهم في الفهم، مما يجعل إرجاع الاشتقاق إلى مصادر مختلفة يتم استثمارها جميعا في إيحاءات الكلام أعون على إثراء اللغة الشعرية. ويمضى المؤلف في عرض مصادر اشتقاق الأسماء الأخرى للخمر بالطريقة ذاتها، مما يصب في الاتجاه ذاته من الكشف عن إيحاءات كل اسم عندما يتم توظيفه في الشٍعر، فليست الكلمات طبقا لهذا الوعي اللغوي بفقه الشعر مجرد مترادفات متساوية، بل هي تحمل من الخصائص الصوتية الموسيقية، والدلالية الإيحائية سمات متنوعة غنيّة. ويشير الرفاء أيضا إلى أن الخمر مؤنثة بجميع أسمائها، إما علامة أو سماعًا، وربما ذكرّوا الخمر في الشعر كما فعل الأعشى، وإن كان قد عاد إلى التأنيث فقال: وكأن الخمر العتيق من الاسفنط ممزوجة بماء زلال ولعل أطرف ما يشير إليه المؤلف هو ربط كلمة خمر بالدنيا في قول المتنبي: أبدا تسترد ما تهب الدنيا فياليت جودها كان بُخلا فكفت فرحة تورث الغم وخل يغادر الوجد خلا شيم الغانيات فيها فلا أدري لذا أنّث الناس اسمها أم لا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©