السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الموهبة والدرس

11 يونيو 2009 10:40
يبدو أننا على مستوى نظرية الأدب وجماليات الفنون نعيد تلك الأسئلة التي شغلت الإنسان منذ عصور بعيدة. ها نحن نسأل في ملتقياتنا ومناقشاتنا عن حصة الموهبة في تكوين الكاتب والفنان، وهو ما ورد في بحوث الملتقى الأخير للفنون بصنعاء، وساهم فنانون وكتّاب في تقليب أوجهه حين جاء في معرض امتداح تجربة الفنان الرائد هاشم علي الذي لم يدرس الرسم في المدرسة وداخل صفوفها، وبهدي برامجها التربوية والتعليمية، وفكر أساتذتها ومعلميها، وداخل مراسمها ومحترفاتها. ورغم أن المشافهة تولّد غالبا الإرتجال والآراء غير المدروسة، فقد استوقفني تعليق بعض الحاضرين لأنهم جعلوا ذلك سبباً في تميز هاشم علي، وأرجعوا إليه مقدرته الفنية، وتفرغه، وحريته الأسلوبية، وارتباطه ببيئته ومدينته التي لا يفارقها.ذلك التعليق يعيد التساؤل الأزلي: الفِطرة ـ وهي الاسم الذي يتحاشاه المعلقون مرادفا للموهبة ـ أم الدرس وما تضم تفاصيله من ثقافة ووعي مضاف، فضلا عن دراسة تاريخ الفن ومدارسه وأساليبه وتقنياته؟ولا يغيب عنا خوف الإنسان الأول من المكتوب وفتنة المرئي، فيركن إلى الفطرة التي تنتج فنا له مقاييسه وموضوعاته، وأسلوبه أقرب للشعبوية والموروث البِدئي الجمعي، وإذا أبدع فنان كهنري روسو أعمالا خالدة حظيت بالإعتراف، ودخلت سجل الروائع فإن مهارته وحسّه لا يتكرران، لكي يكون للفطرية هذه المكانة التي يتصورها المدافعون عن الموهبة خوف التأثر بالأفكار.رغم أن الموهبة شرارة أولى في موقد الفن لكنها بحاجة لما يديم وهجها ويجلي نورها، وليس سوى الثقافة والدراسة من سبيل لذلك.في حالة هاشم علي رُدمت الفجوة وفراغ الدراسة بالثقافة التي نوهنا بها في المناقشة، فهو عاكف على التثقف الذاتي، وحريص على التحصيل بالقراءة والمعاينة، حتى في الموضوعات الجمالية والفلسفية، وله نظرات في الآثار القديمة في المنطقة العربية وقيمتها الفنية التي تهبها الحضور في الزمن القائم، وله متابعة للأدب والفن، ولكن ذلك لا يمنح نقاده الحق في عدّ موهبته سببا في ما وصل إليه فنه وأثره في تلامذته.كان الإلهام مرجعا أفلاطونيا نافحَ عنه تلامذته، وعدّلوا منظوره المعرفي ولكنه ظل مرجعا غيبيا لا ملموسية له، كتفسير القدامى للشعر والفنون بإيحاء شياطين الشعر أو آلهة الفن في عبقر والأولمب، وإذا كنا نقبل ذلك في سياق الجهل بالحالات النفسية المحيطة بإنتاج النص في تلك العصور، وصعوبة فهم المشغّلات الفاعلة في تكوين الكاتب والفنان، فمن العسير قبولها بعد أن أضاءت عتمة العمل الفني تفسيرات عمَّقها تقدم العلوم الإنسانية المعضدة بدرس منهجي وتدريب وخبرة، توازي ما تتركه الموهبة من استعداد فطري يشبه غابة غير مأهولة، مليئة بالأشواك والموانع إن ظلت دون تهذيب ورعاية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©