الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جواسيس القرن الحادي والعشرين··· تكنولوجيا وأيديولوجيا

جواسيس القرن الحادي والعشرين··· تكنولوجيا وأيديولوجيا
3 مايو 2008 01:35
خلال الجزء الأعظم من فترة الحرب الباردة، كان نمط الجاسوس الأميركي التقليدي -جاسوس العدو- عادة من العزاب البيض الأميركيين، ومن ذوي التعليم العالي، ولم يكن عمره يتجاوز العشرين عاماً، وكان يتم تجنيده من قبل إحدى وحدات الجيش الأميركي بعد خضوع سيرته الذاتية لفحص أمني دقيق للغاية، وغالباً ما يلتحق هذا الجاسوس للعمل متطوعاً بإحدى السفارات أو القنصليات السوفييتية، وحتى بدايات العقد السادس من القرن الماضي على أقل تقدير، كان دافع العمل الجاسوسي تلبية الحاجة المادية أكثر من كونه خدمة لموقف أيديولوجي ما، وقد جرت العادة أن يواصل المخبر نشاطه التجسسي في مأمن تام لمدة ربما تزيد قليلاً على العام أو نحوه قبل أن يقبض عليه متلبساً بجرمه، فيحكم عليه بالسجن لمدة 20 عاماً في المتوسط· وبين هؤلاء الجواسيس النمطيين ''جون ووكر'' الذي وسم إلقاء القبض عليه في عام ،1985 ما تم التعارف عليه حينها بـ''عام الجاسوس'' نظراً لأن ''جون ووكر'' كان هو الجاسوس رقم 11 الذي يلقى القبض عليه في ذلك العام، وكان ''جون ووكر'' يعمل بقسم الاتصال اللاسلكي التابع لسلاح البحرية، وبدأ نشاطه التجسسي في عقد الستينيات، حيث تمكن من تمرير معلومات في غاية السرية لجهاز ''كي جي بي'' السوفييتي، ساعدته على فك شفرة أهم الاتصالات التي أجراها سلاح البحرية الأميركي وأكثرها سرية، وقد حصل ''جون ووكر'' لقاء ذلك على ما يقدر بما يزيد على مليون دولار، خلال مدة السبعة عشر عاماً من نشاطه التجسسي، إلا أنه حكم عليه بالسجن المؤبد في نهاية الأمر· غير أن جواسيس اليوم يختلفون أشد الاختلاف عما كان عليه أسلافهم إبان الحرب الباردة، فهؤلاء -الذين يؤرخ لهم منذ عقد تسعينيات القرن الماضي فلاحقاً- تبيّن أن لهم دوافع أيديولوجية سياسية، إلى جانب تكثيف استخدامهم لشبكة الإنترنت لصالح عملهم التجسسي، وتجيء هذه الاستنتاجات ضمن ما توصلت إليه دراسة نشرها في شهر مارس الماضي، ''مركز أبحاث شؤون الأفراد'' وهي مؤسسة لا يعرف عنها الكثير، تابعة لوزارة الدفاع الأميركية، وقد بحثت هذه الدراسة في تغير طبيعة النشاط التجسسي خلال الفترة 1947-،2007 أجرت الدراسة مقارنة لـ173 حالة من حالات الجواسيس، بعد أن عمدت إلى تصنيفهم إلى ثلاث مجموعات، اعتماداً على تاريخ التحاق كل واحدة منها بالعمل التجسسي، وتوصلت من خلال تلك المقارنة إلى استحالة تنميط جواسيس اليوم أو وضعهم في أي قالب جاهز، على غرار ما كان بالأمس، ولا يزال العنصر الذكوري هو الغالب على مهنة التجسس، إلا أن الجواسيس الذكور أصبحوا أكثر ميلاً للزواج، وأن أكثرهم في عمر الأربعينيات ومن حملة الشهادات فوق الجامعية، وعادة ما يكون له أصدقاء أو نشاط استثماري ما خارج الولايات المتحدة الأميركية، وإلى جانب كل ذلك فهو لم يعد من الضروري أن يكون أميركي الأصل أو أبيض، مثلما كان الشرط لازماً سابقاً، كما يرجح أن يكون جاسوس اليوم مدنياً وليس عسكرياً، وأن يستخدم وسائل جد حديثة في الحصول على المعلومات التي يريدها، بما فيها استخدام آخرين في ذلك· وضمن هذه التغيرات، فقد مضت إلى غير رجعة تلك الأيام الخطرة التي تعين فيها على الجاسوس أن يذهب للالتحاق بالعمل متطوعاً في إحدى السفارات، وكانت كاميرات خفية زرعها مكتب التحقيقات الفيدرالي في إحدى نوافذ مبنى مواجه لمدخل السفارة السوفييتية في العاصمة الأميركية قد تمكنت من التقاط ظهر كل من ''جون ووكر'' و''رونالد بيلتون'' اللذين تسللا إلى السفارة للتطوع فيها، وقد أخرجا من هناك سراً في صندوق سيارة، وكان الجاسوس ''ألدريتش أميس'' قد تطوع هو الآخر في السفارة السوفييتية، إلا أنه فعل ذلك بموجب إذن منحته إياه وكالة ''سي آي إيه'' التي كان يعمل فيها، ضمن نشاط الجاسوسية المضادة الذي كانت تقوم به ضد السوفييت· بيد أن أهم التغيرات التي طرأت على مهنة الجاسوسية منذ عقد التسعينيات وإلى اليوم، هي تضارب الولاءات السياسية والأيديولوجية للجواسيس، مع العلم أن جاسوس الأمس لم تكن مهنته تقوم على ولاءات كهذه أصلاً، من أشهر هذه الحالات التي رصدتها الدراسة المذكورة، لورانس فرانكلين، المتخصص في شؤون جنوب آسيا، والذي سبق له أن عمل مع ''دوجلاس فيث'' بوزارة الدفاع، خلال الفترة 2002-2003؛ وتنطبق على ''فرانكلين'' بالذات صفات جاسوس القرن الحادي والعشرين، فهو على قدر كبير من التعليم، إذ حصل على درجة الدكتوراه في الدراسات الآسيوية، ولم يكن دافعه للعمل التجسسي جمع المال، وإنما توظيف نشاطه التجسسي لتغيير السياسات الخارجية الأميركية لخدمة مواقفهم هم، فما أخطر الهدف! وحسبما ورد في الدراسة، فقد أبدى ''فرانكلين'' خلافاً كبيراً مع السياسات الخارجية الأميركية إزاء إيران منذ عقد التسعينيات؛ ومنذ شهر أبريل من عام ،1999 وحتى أغسطس ،2004 سعى إلى تغيير تلك السياسات عن طريق تبادله معلومات سرية أميركية مع عدد من الشخصيـــات الإسرائيليـــة، بمن فيهم ''ناور جيلون'' -المسؤول السياسي بسفارة إسرائيل في واشنطن- واثنان من ناشطي لجنة ''إيباك'' هما ''ستيفن روسن'' و''كايث وايزمان''· وكان من قصد ''فرانكلين'' -الذي حكم عليه بالسجن سلفاً لمدة 13 عاماً- وهذين الناشطين المذكورين -اللذين لا يزالان في انتظار الحكم عليهما- هو توجيه السياسات الخارجية الأميركية نحو موقف أكثر تشدداً إزاء إيران، وإلى جانب سعيه لتوجيه السياسات الخارجية لبلاده على هواه، فقد كان له دافع آخر شخصي يتمثل في أمله في الحصول على وظيفة في مجلس العلاقات الخارجية، والخطر هنا أن من شأن ما قام به ''فرانكلين'' أن يؤدي إلى نشوب مواجهة نووية في منطقة الشرق الأوسط، التي تعد أخطر مناطق العالم قاطبة! جيمس بامفورد كاتب أميركي متخصص في شؤون الأمن القومي ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©