الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جورجيا وأوكرانيا... دروس على طريق الديمقراطية

جورجيا وأوكرانيا... دروس على طريق الديمقراطية
13 يونيو 2009 02:14
إن الغرب معني أمنياً واقتصادياً بما ستؤول إليه أزمة غير معروفة في جورجيا وأوكرانيا اليوم. وإذا كانت «الثورة الوردية» في جورجيا عام 2003، ولاحقاً الثورة «البرتقالية» في أوكرانيا، قد رفعت الآمال في العالم بشأن انتشار الديمقراطية في بلدان الاتحاد السوفييتي السابق، فإن القوى الديمقراطية، التي سقطت في الصراعات الشخصية والمصالح الفاسدة، وضعت منذ ذلك التاريخ مستقبلَ البلدين في خطر. ففي روسيا مثلاً، عبدت الخصومات بين الديمقراطيين الطريق لفلاديمير بوتين ليعيد روسيا إلى السلطوية. وحالياً، تستغل موسكو نقطة الضعف هذه في أوكرانيا وجورجيا من خلال تشويه صورة «الديمقراطيين» ومساعدة خصومهم ودعم الانفصاليين، والحال أن فشل «الديمقراطيين» داخل هذين البلدين في التعاون والعمل معاً يمكن أن يؤدي إلى حكم سلطوي أو معادٍ للغرب. وعليه، فإذا كانت أوكرانيا وجورجيا لا تريدان أن تلقيا المصير ذاته، فيجب عليهما الآن أن تقوما باختيارات صعبة. والحال أنه في جورجيا، قام الرئيس ميخائيل ساكاشفيلي، الذي تلقى تعليمه الجامعي في الولايات المتحدة، بعدد من الإصلاحات، ولكنه بالمقابل رفض الآراء المعارضة وقمع بعض وسائل الإعلام. واليوم، يقود زملاء سابقون له في «الثورة الوردية» أحزابَ المعارضة، وقد أغلقوا بعض الشوارع وأوقفوا بعض القطارات. وفي العيد الوطني لجورجيا في السادس والعشرين من مايو الأخير، غص ملعب لكرة القدم بعشرات الآلاف من المتظاهرين. وقد حثت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي المعارضةَ الشهر الماضي على التفاوض حول الإصلاحات، ولكن الدعوةَ لم تلق آذاناً صاغية عموماً. وبدلاً من ذلك، طالبت المعارضةُ في معظمها بالاستقالة الفورية للرئيس الجورجي الذي تُظهر استطلاعات الرأي الحديثة أنه بات يحظى بدعم 40 في المائة من الجورجيين فقط، هذا مع العلم بأن خطر العنف أصبح يمثل مصدر قلق حقيقي بالنظر إلى تمرد وحدة عسكرية جورجية مؤخراً وانفجار قنبلة يدوية في محطة تلفزيونية معارضة للحكومة. وفي أوكرانيا، قاد الرئيس الحالي فيكتور يوشينكو، ورئيسة الوزراء «يوليا تيموشينكو» القوى الديمقراطيةَ في الثورة البرتقالية، وبعد ذلك انكبا على الإصلاحات. غير أن الفساد نسف الكثير من مزايا وفوائد النمو الاقتصادي السريع، كما أن الانقسام بين الشرق والغرب مازال قائماً داخل أوكرانيا. وقد تحول الزعيمان إلى خصمين لدودين، وبذل «يوشينكو» ما في وسعه لإغضاب موسكو في حين غازلت «تيموشينكو» ائتلافاً موالياً لروسيا يسعى إلى تقريب أوكرانيا أكثر من موسكو. فأي دروس يمكن استخلاصها من هذه القصص السياسية يا ترى؟ الدرس الأول هو أن التركة الستالينية القائمة على إشاعة الخوف، الذي غذى وأجج انعدام الثقة السياسية والاجتماعية مازالت تحول دون إجراء نقاش مفتوح وصريح. ففي أعقاب حرب مدمرة مع روسيا في أغسطس الماضي وأزمة اقتصادية خانقة، ازدادت التصدعات في جورجيا وتكرست، غير أن النقاش ساعد الجورجيين على التعاطي معها. وتحاشى ساكاشفيلي على نحو حكيم تكراراً لسيناريو 2007 حين قمع مظاهرات سلمية ووسائل الإعلام الحرة. ومع ذلك، فالمطلوب اليوم هو مفاوضات جادة بين الأطراف وحلول ديمقراطية. أما الدرس الثاني، فيتمثل في أن الضعف وانعدام الوحدة يعدان أمراً خطيراً في وقت أصبح فيه مستقبل البلدين على المحك؛ ذلك أن إراقة الدماء بين الديمقراطيين في أوكرانيا تُضعف قدرتهم على مقاومة الضغط الروسي على نقل الطاقة ووضع منطقة كرايميا. كما أن خصومات مماثلة في جورجيا تحول دون تحقيق المصالحة السياسية وتطور جيش لا يتدخل في السياسة. في هذه الأثناء، توجَّه الدعوات، خاصة إلى الولايات المتحدة، لحث الزعماء المحليين على حل مشاكلهم السياسية. فعلى سبيل المثال، التقى «يوشينكو» خلال الأسبوع الماضي فقط مع سفراء مجموعة السبع في كييف وحث حكوماتهم على المساعدة على إنقاذ الديمقراطية في أوكرانيا. غير أن ذلك لم يكن كافياً لأن السياسة في أوكرانيا وجورجيا معقدة وغير مفهومة جيداً من قبل الأجانب، وعلاوة على ذلك، أو بسببه ربما، فإن النصيحة قلما يُعمل بها. ففي أغسطس 2008 مثلاً، تجاهل «ساكاشفيلي» تحذيرات متكررة، حتى من الرئيس الأميركي، لتجنب مواجهة عسكرية مع روسيا. وفي أوكرانيا، لم يصغ زعماء الثورة البرتقالية لنصيحة البلدان الغربية والأوكرانيين المقيمين في الخارج بالسعي إلى المصالحة ومحاربة الفساد. ولعل الدرس الصعب بالنسبة لجورجيا وأوكرانيا يتمثل في ضرورة أن تستجمع الحكومات والمواطنين شجاعتهم ويحلوا مشكلاتهم. كما يتعين على الزعماء أن يجعلوا من الإصلاحات أجندتهم الرئيسية. أما إذا لم يستطيعوا أو لم يفعلوا، فعليهم أن يتنحوا جانباً ويفسحوا المجال لجيل جديد من الزعماء قادر على احتواء القوى الرجعية وحمل لواء الإصلاح. وعلاوة على ذلك، على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يبذلا المزيد من أجل تحسين الظروف من أجل الإصلاح. ولعل أفضل وسيلة هي المساعدة أكثر على دعم وتقوية حكم القانون، والانتخابات النزيهة، واحترام حقوق الإنسان والأقليات، ومحاربة الفساد. على أن يتم تغليب التقدم في هذه المجالات على تعزيز العلاقات مع الاتحاد الأوروبي و«الناتو»، وليس العكس. إن على أوكرانيا وجورجيا اختيار مستقبلهما وإيجاد زعماء يستطيعون التعاون من أجل الديمقراطية. وينبغي أن تشكل المظاهرات الاحتجاجية في الشوارع والأزمات الاقتصادية والضغوط الروسية نداء تحذير ومناسبة للتأمل؛ لأنه إذا لم يوحد «الديمقراطيون» صفوفهم، فإن القوى الرجعية ستمسك بزمام الأمور – مثلما حدث في روسيا، مما أضر بالمصالح الأميركية والأوروبية. دنيس كوربي مدير «معهد سياسات القوقاز» بجامعة كينجز كوليدج في لندن، وسفير المفوضية الأوروبية السابق في جورجيا ويليام كورتني سفير أميركي سابق في كازاخستان وجورجيا كينيث يالويتز مدير «مركز ديكي للتفاهم الدولي» بجامعة دارتموث كوليدج في ولاية نيوهامبشر. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©