الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
14 يونيو 2009 02:19
إنه صباح مختلف، بالأمس فقط أنهيتُ كتاباً يشرح بالتفصيل الممل فضائل الطاقة الإيجابية، وقدرتها الفائقة على إصابة الناس بالعدوى المباركة، هي وباء مجيد.. أي أنها تحتمل كلمة وباء وفقاً لمدلولها الإيجابي. أنهيت قراءة الكتاب، وأنوي ممارسة الالتزام الكلي بنصائح الكاتبة. الطاقة الإيجابية، تقول المؤلفة، هي السحر المذهل الذي سيجعلنا أصدقاء حميمين لكل الناس، فإذا تحقق ذلك، أو جزء منه تفادياً للمبالغة، ما الذي يعود ينقصنا؟! عالم مليء بالأصدقاء يشبه مجموعة قصصية للأطفال، ألوان زاهية، رسومات أليفة، تعابير تفيض جاذبية وحبوراً، أشجار خضراء، ورود تكاد تضيء لبهاء ألوانها وتناسقها، هكذا ستكون الحياة بفضل الطاقة المكتشفة، ولتذهب كل أقاويل التأويل والتحليل إلى جحيم النسيان. إنها تجربة مثيرة أن تملك عالماً بأسره، وأن يقتصر الثمن المطلوب منك دفعه على مجموعة من الإجراءات الفيزيولوجية فقط: ابتسامة من هنا، نظرة ذات مغزى من هناك، حركة يد مدروسة من هنالك، بعض التطبيقات البسيطة والتوظيف المدروس لإبداعات الجسد المطواع، وستكون الدنيا من حولك امتداداً أميناً لأجمل وأزهى ما عاقرت من أحلام.. قد تواجهك حينها مشكلة أنَّه لم يعد لديك مشاكل، لكن حلها لن يكون صعباً على الأرجح.. بعد انتهائي من قراءة الكتاب أدركت تفسيرات لأمور شتى كانت غائبة عن ذهني، في مقدمها كيف أن زميلتي لكبيرة التونسي تتحدث عن المعجزات الأسطورية للطاقة الإيجابية كما لو أنَّها شهدتها لتوها، وقررتُ أنه قد حان الوقت أخيراً لأضع ثقافتي النظرية موضع التطبيق العملي.. «صباح الخير يا صلاح»! توجهت إلى ناطور المبنى بنبرة واثقة، ونظرة مشعة، وابتسامة عريضة، «.. النور» رد عليّ كأنه يتقي صفعة مفاجئة. من غير المنطقي أن أمنح الناطور فرصة لإحباطي، أنا القادم من خلف ثلاثمائة صفحة مدبجة بمعسول الكلام، الأرجح حينها أن الكاتبة ستغضب مني بالرغم من حرصها الواضح على إزالة مصطلح الغضب من كل قواميس الدنيا. «كيف الحال يا أبا محمد»؟! سألته وأنا أصوغ حركات جسدي وفقاً لتعاليم الكتاب، جاء الرد على شكل غمغمة غامضة كانت كافية لثنيي عن المحاولة، والاعتراف بأن الفصل الأول من المجموعة القصصية يعوزه الاخضرار. حسناً الدنيا لا تنتهي عند ناطور مبنى يشعر بالضيق لبعده عن عائلته، وفي الخارج ثمة فرح كثير بانتظارنا، هكذا أسريت لنفسي بينما كنت أغادر مدخل المبنى.. في موقف سيارات الأجرة بدا الموقف عصيبا، الحرارة في أعلى مناسيبها المتوقعة، والرطوبة تحيل الملامح إلى بقايا سحنات غائرة، كان المشهد بحاجة إلى النظرات الزاجرة لسائقي سيارات الأجرة حتى يكتمل، كل طاقاتي الإيجابية المفعلة لم تفلح في الحد من الانتهاكات المناخية التي كنت أتعرض لها، أخيرا ابتسم الحظ لمولود برج التجهم، وها هو أحد السائقين يضيء الإشارة معلناً عزمه على التوقف.. لم أكد أومئ لنفسي بأن إيجابيتي بدأت تعطي أُكلها أخيراً، حتى انقض أحد العابرين على سيارة الأجرة، وسرعان ما سقطت بين يديه كقلعة رديئة التحصين، «لكن.. يا اااخ».. ذهبت الصيحة سدى، وبقي مفعولها التأخخي فقط.. المهم أن الله يسر ووصلت إلى مكان عملي، وهذا أوان الصمت عن الكلام المباح.. علي العزير
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©