الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حسين شريف.. هَيْمنَةُ النظام

حسين شريف.. هَيْمنَةُ النظام
6 ابريل 2017 10:58
تمثل أعمال الفنان حسين شريف شكلاً من الولع بالتعبير والنقد، حيث يعمل النمط النظامي القوي والمهيمن في أعماله المفاهيمية على التقليل من توتر فكرة العمل الفني، والذي يظهر أقرب إلى الضغط، إذ يأخذ شريف المواد التي يستخدمها إلى أقصى حدودها الفيزيائية المحسوسة، ليناقش الأبعاد الاجتماعية القاتمة في المجتمع المعاصر عبر المدرسة المفاهيمية، لتكشف الأفكار عن نفسها بظلال ملونة وتثير مشاعر غير معلنة. يعد حسين شريف أحد مؤسسي جماعة «الخمسة» في دبي، وهي المجموعة الفنية التي بلورت الاتجاه المفاهيمي في الإمارات، منذ ثمانينيات القرن الماضي، وقادت المشهد الفني للانفتاح على الحداثة والتجريب في وقت كان التيار التقليدي مهيمنا، بل ورافضاً للتجديد. فكان شريف إلى جانب شقيقه الراحل حسن والفنانين محمد كاظم ومحمد أحمد إبراهيم وعبد الله السعدي هم الذين كرسوا ممارسات هذا التيار بشكل منظم، الأمر الذي قادهم إلى تأسيس جمعية الإمارات للفنون التشكيلية التي أصبحت اليوم مركزاً لتجمع كل الفنانين في الإمارات. المتعبون في معرضه الشخصي الأخير، الذي يحتضنه «جاليري سلوى زيدان» في أبوظبي، يطور شريف من منظوره النقدي للاستهلاك بما فيه استهلاك البشر، فيُظهر عمله الجديد «مظاهرة المتعبين» ملامح الإحباط واللاجدوى للجماهير الذين جسدهم سابقاً في عمل «المظاهرة» عام2002، مستخدماً نفس المادة من أسلاك الألمنيوم السوداء، ليشكل شخوصاً تجلس وتتمدد على الأرض، في لحظة استسلام وتعب من المطالبة والهتاف، راسما بذلك المصير الجديد لتلك «المظاهرة» التي جسدها سابقاً لمجاميع كأنها تسير باندفاع نحو هدف معين، وهو العمل الذي اعتبر وقتها استشرافياً للقلق السياسي الذي ما لبث أن اندلع لدينا لاحقا وعرف بـ«الربيع العربي»، أما في العمل الجديد فيظهر كأنه يرصد واقع الحال بعد سنوات من التظاهر دون جدوى، كما يبدو. وليس بعيداً عن المبدأ نفسه لتشكيل الشخوص بالأسلاك المعدنية، يقدم شريف مجسماً لرجل يجلس على مقعد ويسند ذقنه بيده، قد يذكر هذا التجسيد بتمثال «المفكر» الشهير للنحات رودان، إلا أن الأسلاك بتداخلاتها تعطي بعداً آخر لهذا الوضع المتأمل، إنها حالة التشويش الذاتي وعدم اليقين، ويبدو أنه بورتريه شخصي، كما تقول سلوى زيدان صاحبة الجاليري. قطع وربط اختار شريف عنوان «قطع وربط» للمعرض، مقدماً بذلك تعريفاً للممارسات الفنية التي يتبعها، وربما هو إشارة إلى غيابه عن إقامة المعارض الشخصية، إذ كان آخر معرض شخصي له قبل نحو 15 عاماً، بينما استمر في المشاركة في معارض جماعية، مفضلاً عدم المشاركة في «حمى التنافس الفني الشرس» كما وصف الواقع الفني الحالي، وقال لـ«الاتحاد الثقافي»: «لقد تغير الواقع كثيراً عن بداياتنا، فأصبحت هناك معاهد وكليات تدرس الفن، ومؤسسات تشجع عليه وترعاه، وهو ما كنا نفتقده». كولاج الكرتون ممارسة القطع والربط تظهر جلية في الـ45 عملاً المعروضة في المعرض، سواء في الأعمال القديمة التي تعرض لأول مرة، أو الأعمال الجديدة. فتكسير المواد وتفتيتها وتقطيعها وإعادة تركيبها مستمر عند شريف، خاصة في أعمال الكولاج التي يقدمها بروح متجددة، فيقتطع قصاصات من الصحف والصور الملونة من المجلات، ويعيد إلصاقها ويعالجها بالحبر الأسود، وكأنه يشطبها أو يعيد تشكيل الكلمات، وغالبا يوظف مادة الكرتون التي تستخدم لتغليف المواد الاستهلاكية، كخلفية بديلة للكانفس، «إنها مادة متوفرة بكثرة، وفيها ميزة الليونة لاستخدامها بشكل معبر، وهو مادة جيدة لعمل أعمال فنية من أي شيء» كما يقول. وبطبيعة الحال ترمز هذه المادة إلى العالم الاستهلاكي المهيمن رغم الافتقار إلى القيمة الجوهرية. وفي لوحة منفردة يظهر الكرتون بطلاً في عمل مركب من مربعات الكرتون في طبقات فوق بعضها البعض، ليكثف بذلك من مفهوم الاستهلاكية والعدمية. هذيان النظام أما المنهج النظامي، الذي مارسه منذ بداياته، فهو يظهر في سلاسل اللوحات المنجزة من الحبر على ورق والتي تعود إلى الأعوام 1983 و1984 و1990، مشكلاً من تكوينات النقاط والخطوط والمربعات والمكعبات المتكررة نمطا يعيد نفسه فيما يشبه الهذيان، أو رجع الصدى المتطابق الذي يتردد بشكل لا نهائي، وهو النمط ذاته الذي يخلقه بمواد مختلفة في أعمال أحدث تعود إلى العام الحالي وعام 2015، إذ يمزج فيها مادة الكرتون بصفيح المعلبات الغذائية الفارغة بمظهرها المعدني ولمعتها الصناعية، لتعطي الكولاج تجسيداً بارزاً وقاسياً وحاداً ومتكرراً أيضاً. وفي كولاج من الكرتون يقدم لوحة كبيرة الحجم تبدو كأنها ألوان زيتية، تظهر فيها ظلال صورة ساعة يد كبيرة كأنها تغرق في موج من الألوان الساخنة، كأن الوقت «مستهلك» هو الآخر. الأخ الأكبر لا يمكن إنكار تأثير الفنان الراحل حسن شريف على أسلوب شقيقه الأصغر حسين، فالمشتركات بينهما كبيرة ومتقاطعة وأحياناً تبدو متطابقة، خاصة في الرؤية النقدية عبر الفن وتجسيد النمط الاستهلاكي والعدم، بتوظيف الأشياء العادية والمواد اليومية في أعمال تحاكم المعاصرة. فقد تشارك الأخوان حتماً الطفولة والنشأة، واستمرا في العيش معاً حتى وفاة شريف العام الماضي، ويؤكد حسين أن التأثر بشقيقه حتمي لكونه الأكبر منه سناً، خاصة أن الأعراف العائلية تفرض هذا الأمر، فتعلم منه الفن النظامي وطور معه أسلوباً خاصاً للخروج عن النمطية التقليدية في الفن. سيرة الشَّغف ولد حسين شريف العام 1961 في دبي، ودرس فن الديكور المسرحي في الكويت العام 1986، عمل بعدها في تلفزيون الشارقة وبدأ يعرض أعماله في المعارض الفنية في الإمارات، وقاده شغفه بالممارسات الفنية إلى استكشاف الفنون العالمية بهدف اقتفاء أثر اهتماماته بالفن، ويظهر هذا التوالي في العديد من أعماله. مع نهاية التسعينيات كان قد أنجز سلسلة «وجوه» باستخدام مواد استهلاكية يومية مشكلاً نتائج غير متوقعة. تعبر أعمال شريف بشكل مباشر عن موهبته الفطرية للوصول إلى جوهر الإلهام حيث تطلق المواد الأولية قيمتها الأساسية أو عدم جدواها ليجسد بذلك خطابه وفي المقابل تصبح المواد حاملاً له. أقام عدداً من المعارض الشخصية، وشارك في معارض جماعية داخل الدولة وخارجها، وحاز عدة جوائز، من بينها الجائزة الأولى في النحت في بينالي الشارقة الدولي العام 1997، والجائزة الأولى في معرض البورتريه في جمعية الإمارات للفنون التشكيلية العام 1998.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©