الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المكسيك... وتداعيات مرحلة الركود

المكسيك... وتداعيات مرحلة الركود
15 يونيو 2009 01:23
عندما حصل «جيساس بيريرا لوبيز» على وظيفة سهلة تتمثل في تركيب بلاط القيشاني على أرضيات المساكن في مدينة «فونيكس»، فإنه كان يفعل ما يفعله كل مهاجر من مدينته الأم الواقعة بوسط المكسيك هو الحصول على راتب مغرٍ ينفق جزء منه ويرسل الجزء الأكبر منه لعائلته. يقول «بيريرا»: قبل الركود الاقتصادي كان متوسط ما أقوم بإرساله كل أسبوعين إلى عائلتي يتراوح ما بين 300 إلى 400 دولار، أما بعد أن ساءت الأحوال، فإن ما كنت أرسله لعائلتي خلال الفترة نفسها لم يكن يتجاوز 100 دولار في المتوسط». مؤخراً، اختار «بيريرا» العودة إلى قريته الجبلية الصخرية ذات المناخ الحار، الواقعة في ولاية «هيدالجو» بعد أن أصاب الركود صناعة البناء في ولاية «أريزونا»، وأصبح من الصعب العثور على أي عمل. ويضيف «بيريرا»، وهو يجلس في منزله نصف المكتمل: «أما الآن، فإنني لا أجد شيئاً»، يقولها بحسرة، متأسياً على أوقات الازدهار حينما كان يعمل هو وما لا يقل عن 50 شخصاً من«الأرينال»، ويكسبون الأموال، ويرسلونها دورياً، وفي المناسبات كالكريسماس مثلاً كانوا يطلبون عائلاتهم إقامة وليمة للقرية بأكملها. ومن المعروف أن التحويلات التي يرسلها المكسيكيون المغتربون إلى ذويهم تعد ثاني أكبر مصدر قانوني للعملات الأجنبية بعد الجازولين الذي تصدره شركة النفط الوطنية. وهذه التحويلات المالية الإلكترونية حيوية ليس للعائلات التي تتسلمها، وإنما للاقتصادات الإقليمية والمحلية أيضاً. ففي العام الماضي على سبيل المثال، أرسل المهاجرون المكسيكيون تحويلات وصلت إلى 25 مليار دولار، وفقاً لبيانات «بنك المكسيك» المركزي. ولكن تلك التحويلات بدأت في الهبوط بشكل منتظم اعتباراً من نهاية 2007، بعد أن بدأت صناعة البناء، والصناعة بشكل عام، والخدمات في الولايات المتحدة، تتعثر، وهي القطاعات التي كانت تستقطب نسبة هائلة من العمال المكسيكيين الذين يعيشون في الولايات المتحدة، معظمهم بشكل غير قانوني. عام 2008، هبطت التحويلات للمرة الأولى بنسبة 3.6 في المئة، وهو ما مثل ضربة لحكومة الرئيس «فيليب كالديرون»، الذي كان قد وعد المكسيكيين بأن بلادهم سوف تنجو من أسوأ انكماش اقتصادي، وبعد ذلك جاءت الضربة الثانية في شهر أبريل الماضي عندما هبطت تلك التحويلات، بنسبة 19 في المئة مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق. «الوضع لا يمكن أن يكون أسوأ مما هو عليه حالياً بالنسبة للمكسيك»... هكذا عبر «ماورو جويلين» مدير معهد «لاودار» في مدرسة «وارتون» في فيلاديلفيا، والخبير في شؤون اقتصادات أميركا اللاتينية عن الأوضاع الحالية. وشرح «جويلين» حقيقة الأحوال بقوله: «لقد عانى الاقتصاد المكسيكي من الركود، ومن العنف المرتبط بتجارة المخدرات، وإفلاسات تجارة السيارات، وها هو الآن يُبتلى بمرض انفلونزا الخنازير، الذي بدأ فيها، والذي قتل صناعة السياحة، بعد أن كان قد ابتُلي بتقلص تحويلات المهاجرين، وكلها تطورات سيئة في الحقيقة فاقمت من معاناة الناس». وعلى الرغم من أن التحويلات النقدية تُرسل إلى العائلات في مختلف أنحاء المكسيك، فإن تلك التحويلات تحتل أهمية كبيرة في المناطق الزراعية والمدن في الولايات الأكثر فقراً مثل «الأرينال»، التي تعد منذ أجيال طويلة مصدراً رئيسياً للمهاجرين المتجهين شمالًا للعمل. يقول «أدولفو زونيجا فوينتيس» عمدة «الأرينال» الجديد: «لقد قلص الناس إنفاقهم إلى حد كبير، وهو ما يفسر أن معظم البيوت هنا غير مكتملة، ففي الماضي كان أهل المهاجرين يشترون بجزء من التحويلات سلعاً كمالية، أما الآن فإنهم ينفقون التحويلات على الطعام فقط». ويقدر «زونيجا» أن 20 في المئة على الأقل من البالغين في «الأرينال» يسافرون للعمل في الولايات المتحدة غالباً. ويشار إلى أن الحكومة المكسيكية تطبق برنامجاً لتطوير المرافق في القرى والمدن الصغيرة في الولايات الأكثر فقراً، يتم بموجبه تخصيص اعتمادات بنسبة 1 إلى 3 من تحويلات المهاجرين بمعنى أنه مقابل كل 3 دولارات من تحويلات المهاجرين تخصص الحكومة دولاراً واحداً لبناء المدارس والعيادات الطبية والملاعب، ونتيجة للنقص الكبير في التحويلات تعثرت بعض المشروعات. يعبر العمدة عن هذه الحقيقة بقوله: لم نستلم نقوداً من مهاجرينا في الشهور الماضية، وهو أمر سيئ للغاية؛ لأننا سوف نفقد دعم الحكومة». ويقول«بريميتيفو رودريجز» خبير الهجرة في «مكسيكو سيتي» إن التحويلات النقدية التي ينظر إليها من قبل الحكومة على أنها «نعمة دائمة» ليست في حقيقتها سوى نوع من «المسكنات» التي جعلت المكسيك تستسلم للكسل، ويجب على الحكومة أن تتعامل مع هذه التحويلات، كما تتعامل مع الاستثمارات الخارجية، فتمنح الأشخاص المهاجرين أو أهاليهم الذين يودون استثمارها في مشروعات صغيرة إعفاءً من الضرائب. ويضيف «رودريجز»: «يجب على الحكومة أن تفكر في طرق لوضع تلك المليارات من الدولارات في مشروعات بدلًا من الاكتفاء بإنفاقها». ويقول «أسبيرانزا أكوستا»، وهو صراف في «مكتب بانسفيي» في الميدان الرئيسي بالمدينة حيث يأتي أهالي المهاجرين لتسلم التحويلات: «لقد رأينا شيئاً غير مألوف يحدث هذا العام، ولم يسبق لنا رؤيته من قبل... لقد رأينا أهالي المهاجرين، يأتون إلى هنا كي يحولوا أموالاً إلى أبنائهم الموجودين في الولايات المتحدة ممن فقدوا وظائفهم». ويضيف «أكوستا»: قبل الركود كان أهالي المهاجرين يضعون جزءاً من التحويلات في حساب ادخار جماعي، أما الآن فإنهم يسحبون مبالغ التحويل كلها، بل إن البعض منهم يأتي طالباً تحويل دولارات كان قد تلقاها أيام الازدهار واحتفظ بها للزمن لأبنائه المهاجرين في الولايات المتحدة». ويليام بوث - المكسيك ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©