الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اتفاق براغ... ودواعي القلق الروسي

9 ابريل 2010 22:04
منذ بداية استعداد أوباما للتوقيع على المعاهدة التاريخية بشأن التحكم في الأسلحة النووية مع نظيره الروسي مدفيديف، تزايدت الشكوك والانتقادات هنا في موسكو بسبب التنازلات الكبيرة التي قدمتها روسيا من أجل إبرام هذه المعاهدة. ومع ذلك لم يكن في وسع هذه الانتقادات والشكوك -التي كان مصدرها الرئيسي هو مخاوف الروس من تنامي الهيمنة الأميركية في مجال القوات التقليدية- أن تعيق توقيع الطرفين على المعاهدة الجديدة في العاصمة التشيكية براغ. غير أن من المتوقع لهذه الشكوك والانتقادات أن تؤثر سلباً على خطط وأهداف إدارة أوباما الرامية إلى التوصل إلى عالم خال من الأسلحة النووية. ولعل من أوضح الأدلة على قلق الكرملين نفسه على الشروط التي أبرمت بموجبها هذه المعاهدة الجديدة، هو امتناع مدفيديف وبوتين عن التعليق العلني عليها حتى هذه اللحظة، على رغم عقد الرئيس أوباما مؤتمراً صحفياً للاحتفال بالنتائج التي توصلت إليها المحادثات المشتركة بين بلاده وروسيا، وقد أعقبه في الأسبوع الحالي الكشف عن مراجعة إدارته لسياسات الأسلحة النووية. وقد انصبت الانتقادات الموجهة إلى موسكو فيما يتعلق بصفقة التحكم بالأسلحة التقليدية التي أبرمتها مع واشنطن، على عدم محاولة الكرملين وضع أية قيود أو حدود لخطط إدارة أوباما ذات الصلة ببناء الدرع الصاروخية في أوروبا -على رغم ما أثارته هذه الخطة من نزاعات وتوتر معروفين بين الكرملين والبيت الأبيض في ظل إدارة بوش السابقة. كما انتُقدت موسكو كذلك بسبب عدم سعيها لتغيير النظم والقواعد الحالية التي تيسر على البنتاجون تخزين الرؤوس الحربية النووية، وتمكن أميركا من إعادة بناء ترسانتها النووية بأسرع ما تستطيع متى ما دعت الضرورة إلى ذلك. وهناك من مضى بهذه الانتقادات إلى مدى أبعد وأوسع نطاقاً بتساؤله عما إذا كانت سياسات وخطط نزع الأسلحة النووية فيما بعد نهاية الحرب الباردة قد خدمت مصالح روسيا بالفعل، بما فيها معاهدة "ستارت" المتعلقة بالحد من الأسلحة الاستراتيجية، التي أبرمت في عام 1991، والتي تم استبدالها للتو بمعاهدة "ستارت" الجديدة. ويرى ألكسي أرباتوف -الباحث المختص في التحكم بالأسلحة بمركز موسكو التابع لمؤسسة كارنيجي للسلام، وعضو البرلمان الروسي سابقاً- أن معاهدة ستارت الأولى لم تكن تخدم بما يكفي المصالح الأمنية الروسية. أما النسخة الجديدة من المعاهدة التي تم التوقيع عليها للتو، فليس متوقعاً لها أيضاً أن تخدم مصالح روسيا وأمنها، بالنظر إلى التنازلات الإضافية التي قدمتها موسكو فيها. يذكر أن النسخة الجديدة من "ستارت" تطالب الدولتين العظميين بخفض الترسانات المنشورة إلى 1550 رأساً نووياً، وبأن لا تتعدى قاذفات الصواريخ والقنابل لأي من الدولتين الـ700 قطعة، إضافة إلى السماح لكل واحدة من الدولتين بالاحتفاظ بـ100 أخرى من القاذفات هذه، بشرط أن تكون تحت الصيانة أو في مناطق بعيدة كل البعد عن الأوضاع الحربية القتالية. أما على أرض الواقع كما يقول الخبراء، فسوف تطالب المعاهدة الجديدة الولايات المتحدة بخفض 100 من قاذفات الصواريخ والقنابل الخاصة بها، أي بما يعادل خفض مجموعتين من صواريخ Minuteman111 في حين أن روسيا تنشر أصلاً عدداً من تلك القاذفات يقل عن السقف الذي حددته المعاهدة الجديدة لكل واحدة من الدولتين. وفي المقابل سيطالب السقف المحدد للرؤوس النوية الدولتين بخفض ترسانتيهما من تلك الرؤوس. غير أنه يظل مجهولاً حتى الآن المدى الذي يمكن أن يصل إليه هذا الخفض، خاصة مع تضمين نص جديد إلى المعاهدة يضيف قاذفات القنابل باعتبارها آليات حربية حاملة للرؤوس النووية، بصرف النظر عن عدد القاذفات التي تحوزها كل من الدولتين، أو قدرتها الفعلية على القذف. وربما تبدو الصفقة في مجملها سخاءً كبيراً من جانب الروس. وبالنظر إلى قبضة الكرملين القوية على النظام السياسي فإن المصادقة على المعاهدة ستكون سهلة جداً من قبل "الدوما" الروسي، قياساً إلى صعوبة المصادقة عليها من قبل مجلس الشيوخ الأميركي. غير أن المحللين الروس رصدوا تنازلين رئيسيين قدمتهما موسكو في هذه المعاهدة. فخلافاً لمعاهدة ستارت الأولى كما يقولون، لا تحصي النسخة الجديدة منها العدد الأقصى للرؤوس الحربية التي يتعين على كل صاروخ حملها. وهذا ما يتيح لواشنطن إمكانية خفض ترسانتها بمجرد إزالة وتخزين الرؤوس، مع الاحتفاظ بالصواريخ نفسها في منصاتها. وهذا يعني بدوره في نهاية الأمر، قدرة الولايات المتحدة على إعادة بناء ترسانتها من الصواريخ والرؤوس الحربية بأسرع مما تستطيعه روسيا، وخاصة أن هذه الأخيرة تعتمد على صواريخ ذات سعة محدودة لحمل الرؤوس الحربية. والجانب الإيجابي في نص المعاهدة الجديدة -على حد قول سيرجي روجوف، مدير معهد الدراسات الأميركية الكندية- هو خفض ترسانة الصواريخ والرؤوس الحربية لكلتا الدولتين. أما الجانب السلبي منها فهو قدرة طرف من طرفي المعاهدة على إعادة رؤوسه الحربية خلال فترة زمنية قياسية تتراوح بين 12-6 شهراً فحسب. أما التنازل الثاني والأكثر وضوحاً من جانب موسكو في هذه المعاهدة، فيتعلق بالدرع الصاروخية الإقليمية التي تخطط إدارة أوباما لإنشائها في أوروبا، على رغم التوتر الذي أثاره هذا المشروع بين موسكو وواشنطن في عهد بوش. وبسبب التنازل الذي قدمته موسكو عن تضمين هذا المشروع إلى نصوص المعاهدة الجديدة، فقد ازداد قلق الروس من أن تتمكن الولايات المتحدة في نهاية الأمر من استخدام الدرع في تسريع اعتراضاتها للصواريخ البالستية الروسية العابرة للقارات، فيما لو دعت الضرورة الحربية لاستخدامها يوماً من الأيام. فليب بي. بان - موسكو ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©