الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ضرنا من غرنا!

5 ابريل 2017 00:02
ضقت ذرعاً بمصطلحات المواجهة الفكرية للإرهاب وتجديد الخطاب الديني وتبرير الإرهاب بالفقر والبطالة وانهيار نظام التعليم العربي وغياب الديمقراطية وحرية التعبير.. ضاق صدري بمن يسمون أنفسهم خبراء في شؤون الجماعات الإرهابية، فما أرانا إلا ندور ونلف حول أنفسنا ويبحث مجددو الخطاب الديني ومواجهو الإرهاب بالفكر وخبراء الجماعات الإرهابية عن مكاسب مادية.. ومصائب الأوطان عندهم فوائد.. ولا يتمنى الطبيب زوال المرض من العالم لأن زوال المرض يعني إفلاسه.. والإرهاب ورم خبيث لا يجدي معه دواء المواجهة الفكرية وتجديد الخطاب الديني.. وليس له إلا الاستئصال الجراحي الأمني.. ومَن قال إن الحل الأمني لا يجدي وحده فقد جانبه الصواب.. بل لا حل سوى المواجهة الأمنية.. لا حل سوى أن نغلظ على الإرهابيين ولا تأخذنا بهم شفقة ولا رحمة. وقد فشلت المواجهة الفكرية للإرهاب منذ الفتنة الكبرى، ولم يجد أئمة وقادة المسلمين أيامها سوى الحسم العسكري والأمني.. وأقول لدعاة المواجهة الفكرية للإرهابيين الخوارج.. لقد واجههم من هو خير منا جميعاً.. الإمام علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه.. وصبر عليهم ثم لم يجد بداً من الحسم العسكري.. وقد كان من كلام الإمام علي للخوارج بالنهروان: لقد نزلت عند رأيكم في التحكيم رغم أني كنت أعلم أنها مكيدة.. وعندما أصررتم قبلت رأيكم على غير رضا مني.. فبينوا لنا بم تستحلون دماءنا وقتالنا والخروج عن جماعتنا وتضعون أسيافكم على عواتقكم وتستعرضون الناس تضربون رقابهم؟ إن هذا لهو الخسران المبين.. والله لو قتلتم على هذا دجاجة لعظم عند الله قتلها فكيف بالنفس التي قتلها عند الله حرام؟ قال له الخوارج: رضينا بالتحكيم فلما وقع أثمنا وكنا بذلك كافرين.. وقد تبنا فإن تبت وأقررت بكفرك واستغفرت الله فنحن معك، وإن أبيت فإنا منابذوك على سواء.. فقال علي: أبعد إيماني برسول الله صلى الله عليه وسلم وهجرتي معه وجهادي في سبيل الله أشهد على نفسي بالكفر؟ لقد ضللت إذن وما أنا من المهتدين..؟! وعندئذ قال الخوارج لأنصارهم: لا تخاطبوهم.. ولا تكلموهم وتهيؤوا للقاء الله.. الرواح الرواح إلى الجنة.. وعند ذلك آيس منهم علي وقاتلهم حتى أفناهم، وقال حين مرّ بهم وهم صرعى: بؤساً لكم.. لقد خسركم من غركم.. قيل: يا أمير المؤمنين: من غرهم؟ قال: الشيطان وأنفس أمارة بالسوء غرّتهم بالأماني وزينت لهم المعاصي ونبأتهم أنهم ظاهرون. نبئني بالله عليك.. هل بعد كلام الإمام علي من كلام؟ ومَن منّا يساوي قلامة ظفر الإمام علي، باب مدينة العلم؟ أليس الأوْلى أن نكف نحن عن اللجاجة بشأن المواجهة الفكرية للإرهاب والخوارج الذين كفّروا صحابة رسول الله؟ دعك من هذا كله.. واقرأ هذا المشهد جيداً لترى وجه الشبه والتطابق بين الليلة والبارحة.. فقد قيل إن الخارجة «أي الخوارج» لما أقبلت من البصرة حتى دنت من النهروان، رأي عصابة منهم رجلاً يسوق بامرأة على حمار.. فدعوه فانتهروه فأفزعوه وقالوا له: من أنت؟ قال: أنا عبدالله بن خباب بن الأرت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فقالوا له: هل أفزعناك؟ قال: نعم.. قالوا: لا روع عليك.. حدثنا عن أبيك حديثاً سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم تنفعنا به. قال عبدالله بن خباب: حدثني أبي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: تكون فتنة يموت فيها قلب الرجل كما يموت فيها بدنه.. يمسي فيها مؤمناً ويصبح كافراً ويصبح كافراً ويمسي مؤمناً.. قالوا: لهذا الحديث سألناك.. فما تقول في أبي بكر وعمر؟.. فأثنى عبدالله بن خباب عليهما خيراً.. فقال له الخوارج: ما تقول في عثمان في أول خلافته وفي آخرها؟ فقال: إنه كان محقاً في أولها وفي آخرها. قال الخوارج: فما تقول في علي قبل التحكيم وبعده؟ قال: إنه أعلم بالله منكم وأشد توقياً على دينه وأنفذ بصيرة. عندئذ استشاط الخوارج غضباً وقالوا لعبدالله بن خباب: إنك تتبع الهوى وتوالي الرجال على أسمائها لا على أفعالها.. والله لنقتلنك قتلة ما قتلناها أحداً.. فأخذوه فأوثقوه.. ثم أقبلوا به وبامرأته وهي حبلى متم.. أي حبلى في الشهر التاسع، حتى نزلوا تحت نخل فسقطت منه رطبة فأخذها أحد الخوارج ثم تركها في فيه.. فقال له آخر: أخذتها بغير حلها وبغير ثمن فألقاها الأول من فيه.. ثم مر بهم خنزير لأهل الذمة فضربه أحدهم بسيفه.. فقال له أصحابه: هذا فساد في الأرض.. فلقي الضارب بالسيف صاحب الخنزير فأرضاه وطلب منه العفو. فلما رأى عبدالله بن خباب ذلك، قال لهم: لئن كنتم صادقين فيما أرى فما علي منكم من بأس.. إني مسلم ما أحدثت في الإسلام حدثاً.. ولقد أمنتموني وقلتم.. لا روع عليك.. فأضجعوه.. فذبحوه فسال دمه في الماء.. وأقبلوا على المرأة فقالت: أنا امرأة ألا تتقون الله؟ فبقروا بطنها وقتلوا ثلاث نسوة من طيئ. ماذا بقي ليقال يا كذابي المواجهة الفكرية والأيديولوجية.. ويا مبرري الإرهاب؟ إنه نفس المشهد منذ الفتنة الكبرى. وكأن ما حدث مع عبدالله بن خباب بن الأرت وامرأته سيناريو محفوظ عن ظهر قلب علّمه أسلاف الخوارج لأخلافهم اليوم.. حيث الذبح وبقر البطون وقتل الأجنة والأطفال وتخريب العامر والفساد في الأرض.. وكل هذا تحت شعار «الله أكبر».. ذلك الشعار الذي رفعه الخوارج منذ الفتنة الكبرى وقال عنه الإمام علي كرم الله وجهه: الله أكبر.. كلمة حق يراد بها باطل، وهو الذي كان يحدث أصحابه قبل ظهور الخوارج قائلاً: إن قوماً يخرجون يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.. وقد خرجوا وما زالوا يخرجون.. والأدهى والأمر أنه رغم اتساع الدولة الإسلامية ودخول العجم في الدين أفواجاً.. لم يكن هناك خارجي أو إرهابي إلا من العرب ولم يوجد بينهم أعجمي واحد.. وكأن العرب جبلوا على الدم والعجم تفرغوا للعلم.. فيا دعاة المواجهة الفكرية وتجديد الخطاب الديني وتبرير الإرهاب.. كفوا.. فلا حل سوى مواجهة الدم بالدم.. فإلى متى يبقى الإرهاب صوتاً والرد عليه صدى؟ يبقى فعلاً والرد عليه قولاً؟.. كفوا.. فقد ضرنا من غرنا! *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©