الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

معاهدة لشبونة... هل تحل أزمة الهوية الأوروبية؟

معاهدة لشبونة... هل تحل أزمة الهوية الأوروبية؟
11 يناير 2010 00:00
أبو المحاسن فاسي فهري باحث وممثل مؤسسة «الأرضية المشتركة» في أوروبا جرت المصادقة في الأول من شهر ديسمبر 2009 على معاهدة لشبونة، وهي اتفاقية تهدف إلى إصلاح مؤسسات الاتحاد الأوروبي، مما يجعل الإعلان الأوروبي للحقوق الأساسية، وهو وثيقة تضع المجال الكامل للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية لمواطني الاتحاد الأوروبي والمقيمين فيه، مُلزِمة قانونياً لهيئاته الحكومية على اختلافها. وقد أصبح الآن مواطنو أوروبا ذوي التنوع الواسع، محميين قانونياً بشكل أفضل ضد أعمال التفرقة الممكنة على أساس العرق أو الدين أو التوجه الجنسي أو الخلفية الثقافية. إلا أن معاهدة لشبونة لا تشكل حلاً شاملاً لأزمة الهوية القائمة بحدّة في فضاء الاتحاد الأوروبي، إذ يتوجب على الأوروبيين كذلك أن يتعلموا العيش معاً، بلغاتهم وأعراقهم وخلفياتهم التاريخية على اختلافها. وقد أظهر استطلاع أجري مؤخراً في كافة أنحاء أوروبا نتائج مزعجة حول مستويات التفرقة التي تواجهها الأقليات خلال حياتها اليومية في بلدان القارة. ونشرت وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية نتائج استطلاع أجرته "مؤسسة غالوب" تم من خلاله استطلاع 23 ألف مواطن من الاتحاد الأوروبي، من أقليات عرقية ومجموعات مهاجرة، حول تجاربهم مع التفرقة، وذلك عبر تسعة من مجالات حياتهم، مثل السكن، والبحث عن عمل، والرعاية الصحية، والخدمات الاجتماعية، والتعليم، والتسوّق، وفتح حساب بنكي أو الحصول على قرض. وكانت النتائج التي خلص إليها الاستطلاع مزعجة إلى أبعد الحدود. فقد ذكر 11 في المئة ممن ينتمون إلى أصول شمال إفريقيّة إنهم تعرّضوا لتفرقة عرقية خلال الشهور الاثني عشر الماضية، عندما دخلوا متجراً، أو حتى في مواقف أبسط من ذلك. وشعر 19 في المئة آخرون أنه جرى توقيفهم من قبل الشرطة بسبب عرقهم لا أكثر. كما ذكر 17 في المئة من الذين تم استطلاعهم في روما أن موظفي الرعاية الصحية قاموا بالتمييز ضدهم، وشعر حوالي ربع من تنحدر أصولهم من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أنه جرى التمييز ضدهم مرة على الأقل عندما تقدموا للحصول على وظيفة. وبأخذ هذه النتائج في الاعتبار، يستطيع المرء أن يتصور ببساطة احتمالات التمييز ضد شخص من أقليات مركّبة، لذلك يمكن أن يطرح السؤال التالي نفسه: هل يوجد لامرأة مسلمة محجبة وداكنة البشرة مكان في أوروبا اليوم؟ إضافة إلى ذلك، يشير الاستطلاع أيضاً إلى أن حوالي 46 في المئة من المستطلَعين لم يكونوا على علم بحقوقهم فيما يتعلق بالحماية من التمييز في الأماكن العامة، مثل المتاجر والمطاعم والنوادي الليلية... بينما لم يسمع 63 في المئة منهم عن "هيئات المساواة"، وهي مؤسسات عامة تتسلم احتجاجات الأشخاص ممن يعتبرون أنفسهم ضحايا للتمييز، في كل دولة. لم تكن غالبية المستطلعين على علم بوجود أية منظمة تقدم الدعم أو المشورة للأقليات التي تتعرض لممارسة التمييز. وأخيراً، أفاد 82 في المئة من الذين شعروا بالتفرقة أنهم لم يبلغوا عن آخر تجاربهم في هذا الخصوص لأية سلطة أو منظمة. وهكذا تكشف هذه الإحصائيات تحديات خطيرة، فهي أولاً تلفت الانتباه إلى عجز شديد في الوعي بالحقوق المدنية ومسؤولية المجتمعات الأوروبية تجاه الأقليات المقيمة بين ظهرانيها. ويتوجب على مجموعات الأقليات، تماماً مثل مؤسسات توفير الحماية والخدمة، بما فيها المستشفيات والمدارس والشرطة وأصحاب العقارات وأصحاب الأعمال... أن يكونوا على علم تام بأحكام الإعلان الأوروبي للحقوق الأساسية والهيئات التنظيمية ذات العلاقة. وتستطيع وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية، وكذلك الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشكل فردي، وأيضاً المجلس الأوروبي -وهو منظمة وتضم الحكومات تعمل باتجاه التكامل الأوروبي- والمجتمع المدني الأوروبي... تستطيع كلها لعب دور أساسي في تحسيس الجمهور المستهدف، بمن فيه الصحفيون، ورفع وعيه بهذه القضايا القانونية المهمة. أما التحدي الثاني الذي يعكس الهوية المعاصرة للمواطنين الأوروبيين فهو أكثر خطورة. وليس من شك هنا بأن أوروبا القرن الحادي والعشرين متنوعة وقائمة على مبدأ التعددية. إلا أن هذا الاستطلاع يثبت أن العديد من الأوروبيين لا يقدّرون بشكل كامل واقع التنوع في بلدانهم ومجتمعاتها. ومن الأمثلة على هذه الصعوبات الخلاف الذي أثاره مؤخراً تصويت سويسرا على قانون يمنع بناء المآذن في البلاد، وكذلك الحوار الذي أخذ طابعاً سياسياً واستقطابيا حاداً حول معنى الهوية الوطنية في فرنسا. هل هناك من سبيل للخروج من أزمة الهوية الأوروبية؟ الجواب هو: نعم. يجب أن تبدأ جهود حل هذه المعضلة على مستوى التعليم والإعلام وصناعات الترفيه، وهي الساحات التي تشكّل مواقف الناس ومعتقداتهم. يتوجب على الأحزاب السياسية في التيار الرئيس كذلك أن تحثّ الأوروبيين على الاستثمار في المناهج التي ترسخ قبول التنوع والإيمان به لدى تلاميذ المدارس في أوروبا كلها. وإضافة إلى ذلك، يجب أن تعكس واجهة الإعلام وتركيبة الفرق الإخبارية، بما فيها المذيعون والمحررون والمخرجون، بصورة أفضل، واقع التنوع العرقي في المجتمع الأوروبي. وأخيراً، يتوجب على صناعات الترفية الأوروبية أن تتبنى مبدأ المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات الكبرى، وأن تنتج أفلاماً ومسلسلات تلفزيونية ليست ترفيهية شعبية فحسب وإنما تعمل كذلك على تحويل التوجهات والسلوكيات نحو رعاية التسامح وإعلاء شأنه بين الناس. وهكذا فإن تطبيق الإعلان الأوروبي للحقوق الأساسية، يمثل مسؤولية قانونية وأخلاقية ليس فقط بالنسبة للسلطات الحكومية والإعلام والمجموعات السياسية، وإنما أيضاً للمجتمع الأوروبي ككل. وحتى يتسنى حل أزمة الهوية هذه يجب إدامة الجهود للعمل بعمق في مجال العيش المشترك داخل الاتحاد الأوروبي. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كومون جراوند»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©