الخميس 9 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

جابر عصفور: فوجئت بحكومة نصف أعضائها سيئو السمعة

جابر عصفور: فوجئت بحكومة نصف أعضائها سيئو السمعة
1 مارس 2011 00:19
خلال الزلزال المصري الذي طال ثمانية عشرة يوماً، قبل أن ينتهي بما انتهى إليه وينفتح على مرحلة جديدة، مثّل الدكتور جابر عصفور، الأكاديمي المعروف، والناقد الأدبي البارز، ورئيس المجلس الأعلى للثقافة، ومدير المركز القومي للترجمة حدثا في قلب الحدث.. أثار زوبعة بقبوله منصب وزير الثقافة في الحكومة التي شكلها الفريق أحمد شفيق في عهد الرئيس حسني مبارك، وأثار زوبعة باستقالته منها قبل تنحي الرئيس مبارك بثلاثة أيام. ثمانية أيام قضاها عصفور في الوزارة، التي كانت متاحفها وقصورها الثقافية ومنشآتها، مهددة بالتخريب والنهب ـ وقد أصابت ارتكابات الغوغاء بعضها بالفعل ـ لكنه عندما كان في بداية الطريق قرر الخروج "لأسباب صحية"، بحسب ما تناقلته وكالات الأنباء في حينه. في هذا الحوار مع «الاتحاد»، ينفي الدكتور جابر عصفور حكاية "الأسباب الصحية"، ويقول إنه لا يعرف مصدرها، وإن استقالته جاءت بسبب ما كان يشهده الشارع المصري، وبسبب ما جرى في جلسة الحكومة الوحيدة التي حضرها. يسرد الدكتور جابر عصفور، وهو الخبير بعوالم السرد في الرواية العربية، ما قاله، وما قيل في تلك الجلسة.. من غضب ومن صمت.. ولماذا اتخذ قراريه: القبول والاستقالة. ? اسمح لي أن نبدأ من حيث انتهت إليه الأمور، من قرارك تقديم الاستقالة كوزير للثقافة من الحكومة التي شكلها الفريق أحمد شفيق، والذي صرحت يومها بأنه لأسباب صحية، فما هي قصة هذه الاستقالة؟ ? لا أبداً، هذا لم يكن تصريحاً مني، الله أعلم من الذي أطلقه، لكن في ما يتصل بي، أنا قبل إعلان تشكيلة الوزارة اتصل بي الفريق أحمد شفيق وقال لي: أرجو أن تكون معنا في الوزارة الجديد، وهي فيما قال لي كانت وزارة إنقاذ وطني. في تلك الفترة كان الوضع خطيراً جدا بعدما تم إطلاق سراح البلطجية والمساجين، بسبب الخيانة التي ارتكبها وزير الداخلية السابق حبيب العادلي، وهي لا توصف إلا بهذا ولا يمكن تخفيف الوصف. فكان من الطبيعي جدا أن أوافق على الأقل لأني أعرف وزارة الثقافة مثل كف يدي، وأعرف أن هناك أكثر من 35 متحفا تحوي كنوزاً فنية لا تقدر بثروة، وإنها ليست ملكاً لي ولا لأحمد شفيق ولا لحسني مبارك، بل هي ملك للشعب المصري، فقبلت. في اليوم التالي كلمني زكريا عزمي من رئاسة الجمهورية وطلب مني المجيء لحلف اليمين. فسألت: هل السيد حبيب العدلي موجود؟ فأجاب: لا، اطمئن الوجوه القديمة اختفت. فاطمأننت لأنني لا يمكن أن أجلس على منضدة واحدة تضم العادلي بسبب الجرائم التي ارتكبها. وعلى هذا الأساس ذهبت وعندما وصلت، وفيما كنا بانتظار أداء القسم كانت المفاجأة المحبطة رقم واحد، وهي تتمثل في أنني وجدت ما لا يقل عن 14 وزيرا قديماً، وبعضهم سيئ السمعة. ? ألم تطلع على تشكيلة الوزارة قبل قبولك؟ ? لا إطلاقاً، ولم أسأل عن الأسماء، ولكني فهمت أن حبيب العادلي ليس موجوداً، وأن الوجوه القديمة، اختفت، لكني فوجئت بوجود 14 وزيرا قديما من ذوي السمعة السيئة وعلى رأسهم السيد أنس الفقي وزير الإعلام السابق. فوجدت نفسي بين خيارين، إما أن أعود إلى منزلي وذلك كان مستحيلاً، لأننا على وشك حلف اليمين، أو أبقى. فذهبت إلى حلف اليمين وأنا كلي توتر. وانتظرت أن نتكلم عقب حلف اليمين لكن للأسف كان الكلام مجاملات وعبارة عن تأكيدات من الفريق أحمد شفيق بأن مهمتنا ستكون إنقاذ الوطن، وعلى كل منا أن يحافظ على ما تحت يديه، وما في وزارته، يعني وزارة الثقافة تحافظ علي المتاحف، كما تم تكوين وزارة جديدة لتتولى الحفاظ على الآثار من النهب ومن السرقة، خصوصاً أن المتحف المصري موجود بالقرب من ميدان التحرير، وبالمناسبة فإن الأمن تولى حماية هذا المتحف مؤخرا، لكن الذي حماه فعليا هم المتظاهرون. وعلى هذا الأساس، ذهبت إلى الوزارة وجمعت كل زملائي وعملنا حالة طوارئ مستمرة علي مدار الـ24 ساعة، لكي نتأكد من أن المتاحف المصرية التي تضم أجمل وأندر اللوحات المصرية والعربية والعالمية في أمان، فإذا كانت خسارة لوحة واحدة هي “زهرة الخشخاش” بمثابة كارثة كبيرة، فما بالك إذا دخلت مجموعة من الخارجين على الأمن إلى متحف من المتاحف. والمفاجأة التي كانت في انتظاري، هي أن البلطجية قد أحرقوا المسرح العائم في المنيل كاملا، وفجعت بخبر أن متحف مصطفى كامل في القلعة دمر تماما، ونهبت محتوياته، فهذا هو الواقع الذي وجدت نفسي فيه. تخيل الموقف، لا بد أن تعمل متيقظا لمدة 24 ساعة لحماية هذه المتاحف وحماية قصور الثقافة، ومع ذلك ورغم كل الاحتياطات خسرنا عشرة قصور ثقافة دمرت ما بين تدمير كلي وتدمير جزئي، وكان الرعب الأساسي أن يُمسَّ متحف من المتاحف. والحمد لله، وضعنا خطة أمنية متكاملة وكنت أتابع على مدار الساعة.. باختصار لم أنم. وفي الوقت نفسه كنا نرى ما الذي يفعله هذا الشباب الرائع في ميدان التحرير. مر الوقت إلى أن حل يوم الأربعاء الأسود الذي جهّز فيه عناصر الحزب الوطني عددا من راكبي الجمال والخيل لكي يدخلوا في غزوة بربرية على ميدان التحرير، وتسبب ذلك في سقوط عدد من الشهداء، كل قطرة دم لكل واحد فيهم تساوي كل هؤلاء الوزراء القدامى وعشرات أمثالهم. ثم فوجئت يوم 6 فبراير بعمرو أديب يذيع للمرة الأولى صور الشهداء.. “خبطة” الفقي ? كنتم حتى هذا الوقت لم تعقدوا الجلسة الأولى لمجلس الوزراء.. ? لا، الجلسة انعقدت يوم 7 فبراير، فذهبت إلى مجلس الوزراء وأنا متوتر أصلا. فأعطى لنا السيد أحمد شفيق الفرصة للكلام، فبادرت فوراً للحديث في ثلاث نقاط. النقطة الأولى هي شكر الجيش الذي آخى الشعب وحمى الشبان في هذه الثورة المجيدة. النقطة الثانية طالبت بالتحقيق فورا مع الذين ارتكبوا جرائم اغتيال الشهداء، أيا كانوا ومن كان وراءهم. والنقطة الثالثة قلت: أرجو أن أكون مطمئنا لأنني أنا مستقل، ولست من الحزب الوطني، ووجودي كمستقل في هذه الوزارة يمكن أن يكون بداية لحكومة ائتلاف وطني، لأنه لا حل للأزمة الحالية إلا بحكومة ائتلاف وطني تمثل كل القوى الوطنية، وغير هذا ستكون عملية ترقيع. وخلال حديثي كنت أقاطع بالقول إنني أتحدث في أمور خارجة عن جدول الأعمال، وكان يتولى هذه المقاطعة الوزير مفيد شهاب، ثم بعد انتهيت صدرت تعليقات عديدة، مثل: هؤلاء ليسوا ثواراً، وليسوا ضمير مصر، هؤلاء بلطجية.. ? من الذي كان يطلق هذه التعليقات؟ ? وزير البترول، ووزير العدل، وأيضا وزير الخارجية. فاعترضت وقلت: يا إخوان هؤلاء الشباب هم ضمير مصر النابض.. ? ألم يؤيد أي من الوزراء ما كنت تقوله؟ ? وزيرة واحدة فقط.. ? من؟ ? سأقول لك. إلى أن جاء الدور على السيد أنس الفقي الذي خبط على الطاولة بطريقة تسلطية وقال: أي ائتلاف وطني، هذه وزارة حزب وطني، وإذا كنا نستعين بأحد من خارج الحزب الوطني فذلك لأنه يمكن أن يفيد، لكننا سوف نجبره على أن يكون من الحزب الوطني.. ? هو يقصدك؟ ? يقصدني طبعا لأنه لا يوجد مستقل غيري. ثم بدا يظهر وكأنني قد ارتكبت جريمة. لحسن الحظ فإن الوزيرة الدكتورة مشيرة خطاب، وهي عضو في الحزب الوطني لكنها من الشخصيات المحترمة، جاءت همساً ـ فهي خائفة من هذا الإرهاب ـ وقالت لي أنت معك حق في كل ما تقول وأنا سوف أدعمك. وبعد قليل تفضلت مشيرة خطاب بأن تقول ما قلته ولكن بشكل مهذب وأكثر ديبلوماسية، ولكنه ليس صريحاً وحاداً كما فعلت. ومع ذلك لم تنج من الهجوم العنيف. فقد قوطعت ثلاث مرات. كذلك كان عضو لجنة السياسات بالحزب ووزير المالية الدكتور سمير رضوان يومئ موافقاً على كلامي. صمت القبور ? وماذا عن موقف الدكتور زاهي حواس وزير الدولة لشؤون الآثار في هذه الجلسة؟ ? كان صامتا صمت القبور. بل بالعكس عاتبني عندما خرجنا بأنني عنيف وصريح، وصراحتي وعنفي لا لزوم لهما الآن، وإن ليس هذا وقت أن نقول هذا، وأنه هو شخصيا ليس في الحزب الوطني، وكانت تلك المعلومة مفاجأة لي. فقلت له ما معناه أنت حر، لكن موقفي ينبغي أن يكون واضحا. المهم، انتهت الجلسة، فخرجت وأنا مصمم على الاستقالة. ? الفريق أحمد شفيق باعتباره رئيساً للحكومة، ومديراً للجلسة، ألم يتدخل في هذا السجال؟ ? تدخل مرة واحدة لمصلحتي، عندما قلت إن عدد الشهداء هو 300 شهيد، فاعترض وزير الداخلية قائلا لماذا أنت تتكلم عن الشباب فقط، لماذا لا تتكلم عن الجيش وعن الشرطة، فقال له الفريق أحمد شفيق ـ للأمانة ـ يا سيدي هو لا يتحدث عن شهداء من هذا الجانب أو ذاك، هو يتحدث رقم عام. وعندما انتهى الفريق شفيق من تهدئة وزير الداخلية، انبرى فوراً وزير الصحة وهو عضو لجنة السياسات وكان عميدا لكلية الطب، وقال إن المعلومة التي يعطيها الدكتور جابر عن عدد الشهداء خاطئة، وإن عدد الشهداء أقل من مئة، ونحن لم نحص بعد، بينما كنت أعلم من زملائي في كلية الطب أن هناك ما لا يقل عن 200 جثة موجودة في مشرحة القصر العيني. طبعا رددت عليه، لكن كان واضحا أنه يدافع عن الحزب الوطني، وأصبحت أنا عدو الحزب الوطني، ويشرفني أن أكون عدواً له. انتهت الجلسة وأنا مصمم على ألا أعود إلى هذا المجلس قط. لأن هذا هو الدليل. وزارة نصفها وجوه قديمة وعقول متخلفة لا يمكن على الإطلاق أن تكون مستعدة لقيادة مرحلة جديدة. وكان الفارق بينهم وبين الواقع هو بالضبط الفارق بين عقلية الجمال والخيل، وعقلية الشبان الذين يستخدمون الإنترنت. فالنت هو الذي انتصر وليس الجمال. انتهت الجلسة في وقت متأخر، وذهبت في اليوم التالي إلى الوزارة، فوجدت هناك بعض الأعمال الضرورية جداً، وبعض الأشياء التي لابد من تسويتها والتأكد من انتظامها خصوصا لناحية سلامة المتاحف. اطمأننت إلى الأمور يوم 8، ويوم 9 فبراير، صباحا، عقدت اجتماعا أخيراً مع قيادات وزارة الثقافة. كنا اتفقنا أن نسير في مستويين. الأول إعداد خطة طارئة ومبادئ لخطة طويلة المدى. والثاني هو التأكد من حماية كل منشأة من منشآت وزارة الثقافة، وعددها ضخم. بعد الاجتماع، ذهبت من الوزارة إلى مكتبي في المركز القومي للترجمة وهناك كتبت الاستقالة واستدعيت رئيس الأمن المركزي في الوزارة، لأنه قادر على حرية الحركة في ظل الظروف القائمة، وطلبت منه نقل خطاب الاستقالة إلى رئيس الوزراء. ? هل كانت استقالتكم مسببة، بعكس ما أشيع بأنها كانت لدواع صحية؟ ? طبعا كانت مسببة، وعرضت أسبابي على النحو الآتي: أولا، إنه لا يمكن النظر إلى هذا الشباب على هذا النحو، وثانياً إنه لا يمكن أن تصلح الوزارة لأداء عملها وتحتفظ بنصف الوجوه القديمة، وثالثا إنه لا أمل إلا بتشكيل وزارة تقوم على الائتلاف الوطني. أرسلت الاستقالة وانتظرت يومين، مجاملة للفريق أحمد شفيق بعد أن أذاعت وكالات الأنباء أن الاستقالة هي لأسباب صحية، إلى أن اتصل بي حافظ الميرازي من قناة “العربية” فأعلنت معه بعض هذه الأسباب التي أقولها الآن كاملة. ? كيف تقيم فترة الأيام الثمانية لك في الوزارة؟ ? إذا لم يكن في هذه الأيام الثمانية التي قضيتها في الوزارة من فائدة إلا تأكدي من حماية جميع المتاحف المصرية، وإن الخسائر هي أقل من القليل فهذا يكفيني. مع العلم أن القليل من الخسائر هو كارثة بالفعل. فقد تم تدمير متحف مصطفى كامل وسرقة محتوياته. تصور أن البدلة التي كان يلبسها مصطفى كامل وعصاه سرقتا، وهو من رموز مصر الوطنية والشاعر الرومنسي للوطنية المصرية، فلماذا حرق هذا المتحف؟ هل الذين أحرقوه يفهمون قيمته؟ مسرح المنيل لا يوجد فيه شيء ينهب فلماذا تدميره؟ قصور الثقافة لماذا دمرت؟ تلك كانت خسائرنا، وبعد أن اطمأننت إلى أن الخسائر في هذه الحدود، قلت السلام عليكم. الغريب، أنه بعد أن أعلنت الاستقالة تلقيت اعتذارات من الذين هاجموني.. ? هل تنسحب استقالتك من الوزارة على موقعك كمدير للمركز القومي للترجمة؟ ? تعييني في المركز القومي للترجمة هو بقرار من الوزير، وعندما لم أعد وزيرا كيف سأعيّن نفسي؟ ? لكن أنت كنت معيناً؟ ? نعم كنت معيناً، وقرار إنهاء عملي يستمر حتى نهاية مارس “حتفرق إيه عشرين يوما؟” وفي الحقيقة قلت لنفسي: آن الأوان لكي أستريح من العمل العام. لقد أنجزت إنجازات أفتخر بها، على مدى عشرين سنة أو أكثر. وكل ما فعلته في وزارة الثقافة ولصالح الثقافة المصرية والعربية يجعلني فخوراً بما فعلته، وأنظر إلى الماضي براحة. ? يعني لو عرضت عليك مناصب جديدة، أو لو كلفت بالوزارة في حكومة مقبلة، هل تقبل؟ ? الآن لا. لكن لو قامت في المستقبل حكومة مدنية كاملة، يمكن أن أفكر. لكن الآن، أنا مرتاح أن أجلس مستقلاً في بيتي، وأن أتفرغ لمهمة البحث الأكاديمي. الخرابة والصرح ? من ضمن الانتقادات التي وجهت إليك، أنك كنت جزءاً من منظومة وزارة الثقافة، التي كان يديرها الوزير فاروق حسني، وتحمل تلك الانتقادات بعض الاتهامات لدورك في تلك المرحلة؟ ? يا سيدي حاسبني على ما فعلت. أنا تسلمت المجلس الأعلى للثقافة وهو خرابة. المجلس الآن أصبح صرحاً شامخاً، وهو ليس مجلساً أعلى للثقافة المصرية فقط وإنما هو مجلس أعلى للثقافة العربية. واستطعت من خلاله أن أحقق ما يلي: أولا، أن يعود المثقفون العرب إلى مصر وأن تعود مصر إلى حضن الثقافة العربية، ولم يحدث في تاريخ هذا المجلس أن انفتحت أبواب الثقافة العربية على هذا النحو بحيث أصبح زملائي من المثقفين العرب يطلقون عليه اسم المجلس الأعلى للثقافة العربية. ثانيا، أكبر قدر من الحرية أتيح به هو في هذا المجلس، الذي كان يبدو جزيرة منعزلة عن التأثيرات السياسية. ولم يحدث ولا مرة واحدة في كل المؤتمرات التي انعقدت أن صدرت برقية تأييد مثلا، على النحو الذي عهدناه في مؤتمرات أخرى. ثالثا، على صعيد الإنجازات فإن كمية الكتب التي طبعناها في المجلس، ومنها ما هو ضد النظام القائم، خير دليل. ورابعا، انتقلت من المجلس الأعلى للثقافة وأفلحت في إنشاء المركز القومي للترجمة، وفي خلال مدة بسيطة استطعنا أن ننتج ألفي كتاب وكان إنتاج المركز إلى يوم أن غادرته يوازي إنتاج العالم العربي كله في الترجمة، بلا مبالغة ولا فخر. ? كنت جزءا من المشهد المصري. دخلت الوزارة واستقلت وعدت إلى طابور المثقفين، فكيف ترى صورة مصر الآن وفي المستقبل؟ ? أتصور أن هناك فترة من الزمن قد تطول أو تقصر، سنسمع فيها أصوات متنافرة وبعضها غير نزيه، وكل فريق سوف يسعى إلى الاستحواذ على نصيب من التركة. هناك أحزاب هشة، تحاول أن تكون في المشهد، بينما الثورة كانت فوق السقف الذي يطمح إليه الخيال. كنت أتصور بأن هؤلاء الشباب سوف يكتفون بتنازل مبارك، لكنهم سبقوا الخيال. الود غير مفقود بين المثقفين ووزارتهم ? طيلة ربع القرن الماضي، كان هناك ود مفقود بين المثقفين المصريين عموما ووزارة الثقافة، ويتبدى هذا الود المفقود في الكثير من المواقف والكثير من المشاكل التي حصلت.. برأيك، ما الذي تحتاجه وزارة الثقافة المصرية مستقبلاً لكي تعود وتحتضن المثقفين المصريين؟ ? رأيي أنه لم يكن هناك ود مفقود على مستوى 80 في المئة من المثقفين المصريين. ومع العرب لم يكن هناك سوى الود الرائع، ولا تسألني أنا، بل إسأل المثقفين العرب أنفسهم عن علاقتهم بالمجلس الأعلى للثقافة. العشرون في المئة الباقون هؤلاء هم بعض الماركسيين الأصوليين، الذين تعودوا على الاتهام.. مثلا، عندما توليت المجلس الأعلى للثقافة، لم يسأل عدد من المثقفين الماركسيين الأصوليين أنفسهم ما الذي سوف أفعله هناك، وإنما قالوا إنني ارتكبت جريمة بأن أكون موجودا في مكان يتبع هذه الدولة. هذا المجلس في حقيقة الأمر لم يكن يتبع الدولة، بل كان يتبع المثقفين. عندك مثال بسيط، 80 بالمئة من المثقفين كانوا مع خططنا الوطنية، أما عشرون في المئة من المتصلبين فلن يحدثواً فرقا. لكننا في كل مؤتمراتنا كنا نوجه الدعوات بلا استثناء، حتى إلى الإخوان المسلمين وتيارات الإسلام السياسي والماركسيين والليبراليين. فما كان يهمنا هو المثقف الوطني وما يقوله. والأمر نفسه بالنسبة إلى المثقفين العرب. لهذا السبب أثبت المجلس صدقيته عند المثقفين القوميين. ? كانت المشكلة مع الوزير كما أظن، أكثر مما هي مع مؤسسات الوزارة؟ ? نعم. لكن الوزير فاروق حسني، أيا كانت الاعتراضات عليه، كان يتمتع بميزة، ينبغي أن نذكرها للأمانة. فالرجل كان يعطي لمن يعاونونه الحرية الكاملة في التصرف. أنا شخصيا كانت لدي صلاحيات الوزير كاملة فلا أعود إليه لا في شأن إداري ولا مالي. ولست وحدي. وسيبقى لفاروق حسني أنه ترك لي ولغيري الحرية كاملة في أن نفعل كل ما نريد، وكان مقياسي ومقياس غيري هو مصلحة الثقافة العربية ومنها الثقافة المصرية بالطبيعة. وبطبيعة الحال هناك عدد من المثقفين المصريين سوف يظلون يتاجرون بتهم الخيانة إلى يوم الدين. استفتيت قلبي.. فقبلت واستفيته فخرجت ? عندما قبلت الوزارة تعرضت إلى سيل من الانتقادات، تراوحت حدتها بين الهجوم العنيف والاتهامات، واللوم والعتاب.. ألم يكن لهذه الحملة المتواصلة، أثر ولو في خلفية قرارك بالاستقالة؟ ? لا أبداً.. أنا عندما قبلت، قبلت مستفتياً قلبي، وعندي إحساس بأنني أساهم في إنقاذ بلدي. وعندما استقلت استقلت بنفس الإحساس. إذ من العار أن أظل في هذا الموقع، وأنه من الجائز أن تكون استقالتي مفيدة، وأعتقد أنها كانت مفيدة لأنه عقب خروجي لم تجتمع الوزارة إلا مرة واحدة، والمرة الثالثة كان تم إجراء تعديل وزاري تغيرت فيه الوجوه القديمة. والسيد أنس الفقي أصبح في السجن. ولم يأت من الأسماء القديمة إلا اثنان وزير العدل ووزير الخارجية. واعتقد أنهما لن يطيلا البقاء في الوزارة. ثم إن الوزارة الآن أصبحت نواة لوزارة ائتلافية، ففيها شخصيات مستقلة، وممثل لحزب الوفد، وممثل لليسار. وهذا ما كنت أطالب به، فإذا لم يكن لاستقالتي من فائدة سوى أنها نبهت إلى ضرورة تغيير الوجوه، فحسبي هذا وكفاني. تخليت عن جائزة القذافي بعدما هدد بإفناء شعبه ? أعلنت قبل وقت قصير تخليك عن جائزة القذافي، فلماذا قبلتها وقتها، ولماذا تتخلى عنها الآن؟ ? قبلت جائزة القذافي لأسباب رأيتها معقولة، وكان لا بد أن أعلن تخلي عن هذه الجائزة لأسباب مهمة جداً. فعندما أرى زعيما أحمل جائزة باسمه، وهو يذبح شعبه فكيف يسمح لي ضميري أن أقبل هذا! في البداية قبلت لأن المبادئ كانت سليمة وجيدة. وبالمناسبة فإن المحكمين من الذين تنطبق عليهم الموضوعية والنزاهة. المهم، المبادئ التي تحكم الجائزة والنزاهة في التحكيم، وليس اسم الشخص، فنوبل كان تاجر ديناميت. ? في أية لحظة قررت أن تتخلى عن الجائزة؟ ? بعد رأيت القذافي يهدد الشعب الليبي بإفنائه. ويقول للقبائل اقتلوهم. هذا الكلام لا يقوله إلا سفاح. ورغم كل الفساد الذي نتحدث عنه في النظام المصري السابق، لم يفعل مبارك ما فعله القذافي. فعندما رأى أنه لا سبيل للبقاء قبل نصيحة الجيش بالتنحي. عصفور في محاضرة بأبوظبي: العرب بعيدون عن اجتراح نظرية نقدية سلمان كاصد (أبوظبي)- استضاف المركز الثقافي الإعلامي لسمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان ممثل صاحب السمو رئيس الدولة، أمس الأول في مقره بأبوظبي الناقد المصري جابر عصفور في محاضرة بعنوان “تحديات الناقد الأدبي المعاصر”، وشهد المحاضرة عدد من الشخصيات الثقافية والاجتماعية ومن الباحثين والأكاديميين والمهتمين بالشأن الثقافي. وقدم المحاضر الإعلامي نايف النعيمي، حيث استعرض سيرة جابر عصفور الحياتية والنقدية وإسهاماته في مجال المعرفة النقدية. وحدد عصفور 4 مفاصل أساسية تطرق لها في ميدان التحديات التي تخص الناقد العربي وهي أولاً التحديات المعرفية وثانياً التحديات المنهجية وثالثاً التحديات النصية ورابعاً التحديات السياسية والاجتماعية. وقال “نتفق منذ البدء على أن التحديات التي تواجه الناقد العربي هي ذاتها التي تواجه المثقف العربي، لأن الناقد العربي يعد مثقفاً عربياً وهو نفسه ناقداً ومثقفاً”. وفصل عصفور في مفهوم القسم الأول من التحديات وهي التحديات المعرفية، حيث نوه إلى انفجار المعرفة وضرورتها وقال “نحن أمام كم هائل من الانفجار المعرفي وهو عبء وليس ميزة”. واستشهد بقول لنجيب محفوظ “الحمد لله الذي لم أر الإنترنت في شبابي وإلا ما كان لي أن أنتج كل هذه الأعمال الروائية”. واعتبر عصفور الإنترنت قدر فائدته وأهميته الكبرى إلا أنه طريق للغواية والتوهان والضياع في خضم هذا الكم المعرفي الهائل. وتحدث عن كثرة المجلات العربية والعالمية على الإنترنت وعن الرقابة الثقافية واستشهد بثورة 25 يناير المصرية التي انطلقت من الإنترنت والفيسبوك والتي أعتبرها من إيجابيات عصرنا العلمي الراهن، وأشار إلى أهمية علاقة الناقد باللغات العالمية وصلة الناقد بالحرية ومعرفة التراث والاشتغال على المعاصرة. وفي مجال التحديات المنهجية تحدث جابر عصفور عن منهج الناقد وعن وهم إنتاج نظرية نقدية عربية كون العرب بعيدين عن اجتراحها وافترض عدم انتساب النظرية النقدية للأفراد أو للبلدان. وفرق عصفور بين الناقد التقليدي الاتباعي والناقد المبدع الابتكاري وأشار إلى أدوارد سعيد وأهمية طروحاته واقترابه من فوكو في تفعيل نظرية الأخير ورؤيته للعالم. وتحدث عصفور عن النقد التطبيقي ونقد النقد “ميتانقد” وأهمية الأخير، وتطرق إلى إشكالية المصطلح النقدي وتعدد مصطلحاته في العربية مما يجعل الدارس يعيش حالة من الضياع الاصطلاحي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©