الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جوانتانامو.. السرّية تقوّض العدالة

15 مايو 2016 22:56
السرّية والعدالة ضدّان لا يجتمعان. وحتى تتأكد من هذه الحقيقة يكفيك أن تتمعّن بالتناقضات التي اعترت التحقيق في قضية «خالد شيخ محمد» المتهم الرئيس في أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة. ولقد تحدث محاميه عن عمل غير قانوني زعم أنه تم بطلب من النيابة العامة عندما سمح قاضٍ للحكومة بإتلاف الدليل الوحيد الذي يمكن الاستناد إليه للدفاع عن نفسه. وتتم إجراءات المحاكمة في المحكمة العسكرية التابعة لسجن جوانتنامو بمستوى من السرّية بحيث لا يُسمح لأي إنسان بالتحدث عن طريقة سير المحاكمات ولا عن الأدلة التي يتم تداولها أثناءها. ويغلب الاعتقاد عند الصحفيين الذين يتولّون تغطية أخبار المحاكمة بأن الأدلّة التي يتم الاستناد إليها ربما تكون حكراً على موقع سرّي تابع لوكالة المخابرات المركزية فيما يكون محمد وأمثاله على وشك الغرق. ويعتبر هذا نوعاً من التعذيب المختبئ تحت غطاء القانون المتبع في الولايات المتحدة، وهي ممارسة تفوق بكثير ما هو مسموح به حتى في توصيات وزارة العدل فيما يتعلق بتحديد تقنيات الاستنطاق القاسية. وطالب محامي محمد، وهو الميجور «ديريك بوتيت»، بعزل القاضي والنائب العام عن متابعة القضية بسبب ما اعتبره تواطؤاً أدى إلى إتلاف الدليل الذي يصب في مصلحة موكله. وعلى أن مجرد محاولة التفكير بما يجري هناك يمكن أن تقودنا إلى اكتشاف شيء ما أكثر عمقاً وخطورة، وهو أن محكمة جوانتانامو يبدو وكأنها لا تمثل أكثر من ظل لمبدأ حكم القانون، بدلاً من كونها تمثل جسماً قانونياً حقيقياً. ويؤدي الجمع بين السرّية المطلقة والحقائق المثبتة حول الممارسة الحكومية الرسمية للتعذيب، إلى خلق صعوبات كبيرة أمام محاولة فهم الظواهر المعتادة للمحاكمات الجنائية حتى في الجرائم البشعة كتلك التي تعرض لها مركز التجارة العالمي. فما هو إذن هذا الدليل الذي تم إتلافه؟.. لقد كان ذلك الدليل هو التعذيب بحد ذاته. ففي عام 2013، أصدر قاضي محكمة جوانتانامو أمراً يُلزم الحكومة «بضمان إبقاء أي منشأة للاعتقال تقع في ما وراء البحار تحت مراقبة الولايات المتحدة ما لم يتم إصدار أمر مخالف». ويبدو من المحتمل أن تكون الحكومة قد طلبت من القاضي، ومن دون إعلام محامي الدفاع، إتلاف الموقع الذي يحتفظ بالأدلة السرّية. وليس من العسير أن نتصور الأساس المنطقي الذي يفرض ضرورة التكتّم على مثل هذا الطلب. وذلك لأن هذا الموقع ينطوي على الحساسية، والكشف عن أسراره هو مسؤولية تتعلق بالأمن الوطني قبل أي شيء آخر. وبناء على ما يقوله المحامي، وبعد أن تم إتلاف الدليل - كائناً ما كان، لأنه هو الوحيد الذي يعرفه- طلب من الحكومة تزويده «بملخص عن محتوى الدليل الأصلي الذي تم إتلافه». إلا أن مثل هذا الطلب يمكن أن يفضح حقيقة الموقع الأسود. وهناك احتمال آخر بألا يكون الشيء الذي تم إتلافه هو الموقع ذاته، بل يمكن أن يكون دليلاً على شكل فيلم فيديو أو شريط صوتي أو صور فوتوغرافية. وفي عام 2009، قالت وكالة المخابرات المركزية بأنها أتلفت قبل أربع سنوات أشرطة فيديو، تتضمن استجواباً لمتهم، ولكنّ وزارة العدل رفضت التعليق على هذا التصريح. إلا أن الحقيقة التي تفيد بإتلاف بعض أشرطة الفيديو لا تنفي احتمال بقاء دليل آخر. وتطبيقاً لقانون الحرية في طلب المعلومات، حددت وكالة المخابرات المركزية 580 وثيقة ذات علاقة بما هو مسجل على أشرطة الفيديو، من التي لم يتم نشرها. ولعل الشيء الذي يمكن معرفته هو أن الدليل قد تم إتلافه من دون توفير الفرصة لمحامي الدفاع للموافقة على حفظه، ولا للإقرار بأن الملخص البديل عنه لا يكفي. ويبقى عنصر السرّية في جزء من المحاكمات الجنائية مقبولاً عندما يتم اللجوء إلى حفظ الأدلة الجنائية لأسباب وجيهة. إلا أن الانحراف يحدث عندما يكون الهدف من السرّية هو إخفاء الانتهاكات القانونية التي ترتكبها الحكومة الأميركية ذاتها في أثناء تعاملها مع المدعى عليهم. *أستاذ القانون الدستوري والدولي في جامعة هارفارد ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©