الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

الجريمة لا تفيد!

6 ابريل 2017 14:18
مقتل طفل، اغتصاب فتاة، اختطاف شاب، احتراق أسرة بأكملها.... إلخ. عناوين بلا نهاية لقصص مروعة عن جرائم تحاصر وتطارد الجمهور العربي في مختلف وسائل الإعلام، من دون أن تترك لهم فرصة للهرب أو النجاة أو حتى التقاط الأنفاس. أضحت الجريمة في أبشع صورها، وجبة يومية مفروضة على القراء والمشاهدين، مع إفراط الإعلام في نشر كل ما هو شاذ وقاسٍ وخارج عن الأعراف والتقاليد، حتى أنه لم يعد في صفحات الحوادث متسع. صحيح أن معدلات الجريمة زادت في العالم العربي، لكن الطريقة التي تنشر بها الصحف والمواقع والفضائيات أخبار الحوادث، فيها قدر كبير من تعمد الإثارة، والاستهانة بالعرف والتقاليد، بل والتخلي عن الإحساس بالمسؤولية المهنية في حالات كثيرة. وكثير من وسائل الإعلام لا تتوانى عن نشر التفاصيل الدقيقة للجرائم، خاصة البشع منها أو تلك التي تتعلق بالشرف، كما لا تتورع عن نشر صور واضحة للمتهمين (باعتبارهم الجناة مع أنهم مازالوا قيد التحقيق)، ناهيك عن صور بعض أفراد عائلاتهم، وصور الضحايا والأسماء الكاملة لجميع الأطراف. وبعض هؤلاء، ربما كانوا أطفالاً صغاراً أو مراهقين أو نساء.. لا يهم أبداً بالنسبة للإعلام، فشعاره.. صور أكثر .. ذلك أفضل. بل إن بعض الفضائيات العربية، مثلاً، صارت تتعيش على برامج «فاحشة» يتبادل فيها أفراد الأسرة الواحدة التهم بممارسة جرائم الدعارة والاغتصاب والاتجار في البشر وتهريب وتعاطي المخدرات.. كل ذلك أمام الكاميرا.. بالصوت والصورة. وفي ذلك مخالفة صارخة لقواعد النشر والأعراف المهنية، التي تقضي باحترام الخصوصيات والحفاظ على سمعة العائلات والأفراد ومراعاة أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، بل واحترام الجمهور الذي هو طائفة عريضة من الكبار والنساء والأطفال. وقد يرد البعض بأن الإعلام إنما يؤدي دوره في نقل الواقع. إلا أنها كلمة حق يراد بها باطل. لأن الواقع فيه أشياء أخرى أفضل بكثير من الجريمة ، لا تهتم بها الصحف .. ثم أن الإعلام يتحمل مسؤولية تاريخية تجاه المجتمع، خاصة في تلك اللحظات الحرجة التي يمر بها العالم العربي الآن. وللأسف ، يعجز قطاع عريض من المؤسسات الإعلامية عن إدراك خطورة وحساسية تلك المسؤولية.. وربما كان السبب هو التزامن الغريب بين التحولات العميقة في المجتمع وفي البنية التحتية للصناعة نفسها ككل. فالمجتمعات العربية تمر منذ سنوات بموجة تغير بطئية لكنها كاسحة وعنيدة، تحت وطأة الضغوط السياسية والمتاعب الاقتصادية وتململ الأغلبية الشابة من الأوضاع السائدة، في ظل غياب توافق أو إجماع عام على قضايا جوهرية كثيرة، بما في ذلك خيارات المستقبل. في الوقت نفسه، غيرت تحولات تكنولوجية عميقة، صناعة الإعلام، مع ظهور وسائل التواصل الجديدة. هذا التزامن، جعل الإعلام، يقف مرتبكاً، غير قادر على أن يستوعب الأمر أو يتعامل بمهنية وعمق وفق ما تقتضيه المصلحة العامة مع ما يراه أمامه. وبدلاً من استغلال إمكانات التكنولوجيا الحديثة في رصد أعراض التغيرات داخل المجتمع (وهي كثيرة جدا)، اختار الحل الأسهل.. ملء الصفحات وساعات البث بالجريمة والعنف بالاستفادة من الوسائط الجديدة، لجذب أكبر قدر ممكن من الجمهور. وقد يرد البعض، بأن العنف عموماً هو عنوان المرحلة. يقول هؤلاء: انظر للحروب الأهلية وجرائم الإرهاب. كيف يمكن للإعلام أن يتابع هذا العنف السياسي والديني ويتجاهل العنف الفردي؟! وهم محقون إلى حد ما، فالإعلام لا يمكن أن ينفلت من ظروف الواقع المحيط به، لكن يتعين على صناع الإعلام التحلي بقدر أكبر من المسؤولية لوضع قواعد أكثر صرامة فيما يتعلق بنشر أخبار الجريمة، حتى لا نكرر خطأ السينما العربية، التي كرست «الشبيح» أو «البلطجي» مدمن المخدرات بطلاً على الموضة يستهوي الشباب. كما أن الإفراط في ذلك يهدم قيماً عربية أصيلة، ويسهم في تفسخ المجتمعات، ويغذي العنف بكل أشكاله .. السياسي والمدني. في المقابل، يمكن تسليط الضوء أكثر على العناصر المضادة.. صناع الأمل، والناجحين بكل مجال، لتقديم قصص أكثر إيجابية للناس تكون بالنسبة لهم مصدر إلهام ودعم وتشجيع. ahamed.moustafa@alittihad.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©