الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أحمد بن ماجد.. دوّن اكتشافاته بالشعر

أحمد بن ماجد.. دوّن اكتشافاته بالشعر
17 يونيو 2009 02:33
ابن ماجد.. عالم الملاحة الأول برز علماء عرب في القرون الوسطى فيما قدموا للبشرية من نظريات وأفكار وتجارب استمراراً لعلماء عرب سابقين كانت لهم مكانتهم وقامت على جهودهم ممالك وإمبراطوريات عربية قديمة في عهود حضارة السومريين والبابليين والكنعانيين والفينيقيين والفراعنة والتدمريين والسبئيين وغيرهم، كما استفادوا من علوم الإغريق والفرس والصين والهند وطوروها فأبدعوا فيها. سبق العرب غيرهم في مجال علوم الطبيعة ففي علم الفلك رسموا الخرائط لمواقع النجوم ووضعوا لها أسماء تنسب إليهم، كما رسموا خرائط للأرض والبحار وحددوا طرق الملاحة وعلومها وأحاطوا بعلم المناخ والطقس فعرفوا تحركات الرياح والأنواء على مدار السنة وفي شتى المواقع. لذلك برعوا في الملاحة والأسفار وظهر منهم رحالون كبار جابوا الشرق والغرب وكتبوا الكثير عن البلاد وعن الأمم والشعوب. سيرة عالم وبحار في هذا المجال برز عالم البحار العربي أحمد بن ماجد ابن دولة الإمارات العربية المتحدة الذي ولد في مدينة جلفار برأس الخيمة منذ ما يزيد على خمسمائة عام. واسمه الكامل: أحمد بن ماجد بن محمد بن عمر بن فضل بن دويك بن يوسف بن حسن بن حسين بن أبي معلق بن أبي الركايب. هذا العالم أورث للبشرية وللحضارة الإنسانية من علمه الكثير سواء في مجال الملاحة أوالفلك والمناخ والأنواء. لقد أدرك ابن ماجد أهمية المعرفة والتجربة في علم الملاحة الفلكية، وارتباطها الوثيق بالخبرة الملاحية وتطور الأدوات المرتبطة بها، وكان الجانب النظري لديه هو تصور مدارات الكواكب، وصور المنازل والبروج، وحساب الأبعاد، وغير ذلك مما له علاقة بعلمي الفلك والرياضيات. كانت المراكب الخليجية في عصر ابن ماجد تعتمد في رحلاتها على الرياح الموسمية الشمالية الشرقية (من أكتوبر حتى مارس) للسفر باتجاه الغرب، والرياح الموسمية الجنوبية الغربية الأكثر هدوءاً (من إبريل حتى مايو، ومن أغسطس حتى سبتمبر) للسفر باتجاه الشرق. فارتبط الجانب التطبيقي عنده بالإبحار وبابتكار طرق التوجه إلى الشاطئ المقصود والإرشاد الملاحي في توخي الحذر والأخطار لإنجاز الرحلة بيسر وسلام، مستفيداً في ذلك بمعرفته لمواقع النجوم والمواسم وعلامات البرور واتجاه الرياح الموسمية. إلا أن معرفة هيئة كرة السماء بقيت عند ابن ماجد هي الأصل في معرفة الملاحة ومعرفة مواقع الأفلاك وحركاتها. وأدرك أن ما يهم من هذه الكرة هي النجوم الثابتة التي يستفاد منها في التوجه نحو الشواطئ والبلاد وسهولة الأسفار في المحيطات والبحار الجانبية، فحدد هيئة كرة السماء بثلاث دوائر: 1- الدائرة التي تقسم الكرة إلى نصفين (شرقي وغربي)، وهي دائرة منتصف النهار. 2- الدائرة التي تقسم الكرة إلى قسمين متساويين، أحدهما شمالي والآخر جنوبي، وهي (دائرة معتدل النهار) لتساوي النهار والليل عند وقوف الشمس عليها. 3- الدائرة الثالثة تلك التي تحيط بالأفق، وتتقاطع مع الدائرتين السابقتين، وتسمى (الدائرة الأفقية). ربط ابن ماجد ذلك بالتقويم البحري الأساسي (النيروز) عند البحارة العرب القدماء في مياه الخليج، حيث يحسبون به طلوع المنازل ومواسم الرياح والأسفار وأوقات القياس وغيرها.. والنيروز العربي هو الذي تكون بدايته في التاريخ الموافق الثالث عشر من شهر نوفمبر. ولتحديد موقع السفينة استخدم ابن ماجد ما افترضه بالدائرة الأفقية فقسمها إلى اثنين وثلاثين جزءاً سماها بالأخنان وكل خن يشير إلى جهة باعتبارها تقابل أخنان المركب وبيت الإبرة (البوصلة) وحدد الخن الواحد بقبضة اليد، وسمى كل خن باسم أحد الكواكب المشهورة. وكواكب الأخنان هي: الجاه، الفرقدان، الناقة، العيوق، الواقع، السماك، الثريا، الجوزاء، التير، الطائر، الإكليل الجنوبي، العقرب، الحمارين، سهيل، السبار، والقطب الجنوبي. ولأنصاف الأخنان أيضاً كواكب تعرف بها. واعتبر ابن ماجد القياس من أهم عناصر الملاحة في المحيط الهندي وبحاره الشاطئية والخلجان المطلة عليه، فبواسطة القياس يعرف الربان موقعه وبعده عن المكان الذي يقصده وأن يحدد المسافة التي قطعها المركب استناداً إلى ارتفاع النجم عن الأفق محددا بالأصابع إذا كان المركب يجري باتجاه الكوكب، أو بمقدار هبوط الكوكب إلى الأفق إذا كان المركب يجري في الاتجاه المعاكس للكوكب. كتب ابن ماجد نحو أربعين مؤلفاً في علوم البحر والأنواء والفلك ولعل أشهر كتبه كتاب الفوائد في علم البحر والقواعد الذي يعتبر من أكبر أعماله والذي حوى تفصيلات لنظرياته الفلكية أكثر من غيره مما كتب، فقلما يخلو مصنف من مصنفاته من الخوض في علم الفلك وهذا يدل على براعة ابن ماجد وسعة اطلاعه ودقة قياساته الفلكية المبتكرة. درس ابن ماجد القبة السماوية بالملاحظة والمتابعة والاطلاع على علم الأولين واستخدم لهذا الغرض الحسابات، واعتبر قبة السماء نسبة للمشاهد بأنها تبدو نصف كرة مقلوبة ترسم فيها الكواكب والنجوم وتظهر فيها الشمس والأفلاك الأخرى وتعتبر الكواكب قريبة نسبياً من الأرض ويخيل للرائي أن هذه الكواكب تتحرك بالنسبة لمواقع النجوم الثابتة خلفها وقد ركز ابن ماجد على الكواكب الشائعة المعروفة بدرجة لمعانها العالية التي تسمح برؤيتها وهي الزهرة والمريخ والمشتري وزحل، واتبع ابن ماجد تقسيم بطليموس للنجوم إلى ست مراتب حسب درجة اللمعان فالنجوم التي ترى بالعين المجردة لا تزيد عن خمسة آلاف نجم ويقول ابن ماجد إنه عرف منها على الأقل 15.000 نجم، أما النجوم المستعملة في الملاحة منها فلا يزيد عددها عن أربعين نجماً معروفة المواقع، وتظهر أكثر النجوم الملاحية بالغرب ومجموعات محددة معروفة من النجوم وبذلك يسهل التعرف على النجم المرصود ومن هذه المجموعات: 1- مجموعة الدب الأكبر 2- مجموعة الدب الأصغر 3- ذات الكرسي 4- مجموعة الفرس الأعظم أو المربع 5- مجموعة الحمل 6- مجموعة الجبار 7- مجموعة الصليب الجنوبي الديرة النجمية العربية وربط ابن ماجد تصنيفاته للقبة السماوية بالمنطقة المدارية، وعلى وجه التدقيق في المنطقة الاستوائية حيث ينطبق القطبان الكونيان الشمالي والجنوبي مع جهتي الأفق الشمالية والجنوبية وتطلع جميع الكواكب متعامدة على مستوى الأفق الأرضي وتساوي زاوية سمت النجم زاوية بعده عن القطب مثلاً يطلع النجم البعيد 20 درجة عن القطب الشمالي من درجة 20 شرقية في نصف الكرة الشمالي، ويطلع النجم البعيد 30 درجة عن القطب الجنوبي من الدرجة 30 شرقية في نصف الكرة الجنوبي بالتالي يمكن تحديد كل نقطة من دائرة الأفق في المنطقة الاستوائية أو المدارية بأنوار كوكب يطلع أو يغيب فيها ولا تختار تلك الكواكب من نجوم منطقة البروج بالضرورة بل تؤخذ من نجوم القبة السماوية جمعاء أينما وجدت. ولا تستعمل هذه الديرة إلا في المنطقة المدارية لأن مستوى مدار النجوم اليومي متى ابتعدت عن خط الاستواء يقطع الأفق بزاوية حادة تتضاءل قيمتها كلما زاد بعد موقع الكواكب عن هذا الخط ثم تنعدم متى أصبحت الكواكب قريبة من القطبين أي أن هذه الكواكب تبقى تدور فوق الأفق أو تحته في تلك العروض العليا النائية (الرحويات).. ويبلغ عدد أجزاء الديرة النجمية العربية 32 خناً تعرف بمطلع 15 نجماً ومغيبها، يضاف إليها الشمال والجنوب. وبقي الأوروبيون يجهلون هذه الديرة العربية حتى القرن التاسع عشر رغم قدمها وارتباطها بالفلك البابلي. وعني ابن ماجد بشخصية الربان وحدد له أسس تلك الشخصية وما يجب أن يتمتع به من علم ومعرفة. فهو قائد السفينة الذي تتوقف عليه سلامة الأرواح والأموال في البحر لذلك حدد صفاته الشخصية التي أولها أن يكون على مستوى أخلاقي رفيع قليل الغفلة كثير الهمة مطاع في سفينته وأن يعرف الصبر من التواني ويفرق بين العجلة والحركة ويكون عارفاً بالأشياء ليناً في قوله عادلاً لا يظلم أحداً مقيماً على الطاعة لربه متقياً الله عز وجل لا يسعى فيما لا يصلح له. فإذا ما توافرت كل هذه الصفات في الربان وجب عليه أن يتقن صنعته ويحصل من العلوم ما يؤهله لقيادة المركب، والتعرف على المجرى في البحر سواء بالليل أو النهار، ويُجمِل ابن ماجد هذه العلوم في الفقرات التالية في كتاب الفوائد فيقول: فأولها معرفة المنازل والأخنان (منازل القمر وتقسيم بوصلة الملاحة) والديرة والمسافات والباشيات والقياس والإشارات وحلول الشمس والقمر، (وكلها تنطوي تحت العلوم الرياضية والفلكية) والرياح ومواسمها ومواسم البحر (وهي علوم الأرصاد الجوية والبحرية) وآلات السفينة وما تحتاج إليه وما يضرها وما ينفعها وما يضطر إليه في ركوبها (ويعني بذلك قواعد أصول الملاحة). وينبغي التعرف على المطالع والاستواءات وجلسة القياس (ويعني بالكلمة الأخيرة الوضع الصحيح الذي يتخذه الربان لقياس ارتفاع النجوم وترقبه مطالع النجوم ومغاربها وطولها وعرضها ومحورها إن كان معلماً ماهراً). وابتكر ابن ماجد عدة آلات وأجهزة ودفاتر إرشادية للأسفار، ومن تلك الآلات: الحقة: وتتكون من جزئين، الجزء الأول وعاء دائري خشبي أو معدني من غير الحديد فيه إبرة ممغنطة، والجزء الثاني دائرة مرسومة على حافة الوعاء مقسمة إلى أخنان.. وسائر الأخنان في الحقة سوا فهو حساب الجزء ما فيه غوى وكما ورد في كتاب الفوائد في نصوص كثيرة: «وجلس الحقة في مكانها»، ويسميها أيضاً حقة المجرى في الحاوية. دائرة الأخنان: أسماؤها: تسمى دائرة الحقة، دورة المركب كما في الحاوية إذ يقول عنها: وانصب لها دائرة أفقية في صحن أو رق بالسوية إشارة إلى الأفق في ذيل السما وخط بالخطوط لها قسما وتسمى أخيراً مندل الأخنان أو دورة الأخنان. الخشبة أو الحطبة: وهي من ابتكار ابن ماجد اتخذها وسيلة لقياس ارتفاع الكواكب باعتبارها عملية أساسية في الملاحة الفلكية، اعتمد منها 24 عقدة بقياسات متعددة يقيس فيها أبعاد الكواكب بواسطة احتساب نسبة ارتفاعها عن خط الأفق، حيث يربط الخشبة بخيط مقسم بعقد بأبعاد متساوية يتدلى جزء منه بشكل عمودي، يحتسب من خلاله ارتفاع الكوكب عن خط الأفق والطرف الآخر من الخيط يمر عبر الخشبة مابين الكف والمعصم إلى مستوى نظر الملاح الذي يستخدمه. الاسطرلاب: يمثل الاسطرلاب الجهاز الفلكي الثاني عند ربان الجهازين. ويخبرنا أحمد ابن ماجد أنه يستعمله في القياسات الفلكية ويستخدمه الربان في حسابات التقويم والنجوم ومواقع السفينة وفي ذلك يقول ابن ماجد: إن لم تكن خابر في علم الفلك ولا باسطرلاب علم قد سلك ووردت إشارة ثانية للاسطرلاب في أرجوزة ابن ماجد المعروفة بالسفالية، المنظومة قبل سنة 895 هجري/ 1489م قوله: مع الربابين لها أيضاً حساب قد قستهم هناك بالاسطرلاب الحجـر: يسميه أحمد بن ماجد الحجر المغناطيسي، حيث يقول‎: «وأما الحجر المغناطيسي الذي عليه المعتمد، ولا تتم هذه الصنعة إلا به، وهو دليل القطبين، فهو استخراج النبي داود عليه السلام. ويؤكد ابن ماجد في كتاباته أنه أول من ركب المغناطيس في حقة وهي كما بينا أنها وعاء دائري فيقول: «ومن اختراعنا في علم البحر تركيب المغناطيس في الحقة، ولنا فيه حكمة كبيرة لم تودع في كتاب إنه لا يقابل الجاه إلا سهيلة وهذا يعني أن ابن ماجد كان يستعمل الإبرة المغناطيسية في بيت يسميه الحقة أو بيت الإبرة. ويسمي الإبرة السمكة أو سمكة الحقة ويقول: «ولا تختل أي ديرة المل إلا سواء جر ماية أو دفع ريح أو فساد بيت الإبرة التي تسمى السمكة، سمكة الحقة».. ويشرح المقريزي سمكة الحقة في كتاباته فيقول: «وما برح المسافرون في بحر الهند، إذا اظلم عليهم الليل، ولم يروا ما يهديهم من الكواكب إلى معرفة الجهات، يحملون حديدة مجوفة على شكل سمكة، ويبالغون في ترقيقها جهد المقدرة، ثم يعمل في فم السمكة شيء من مغناطيس جيد، ويحك فيها بالمغناطيس. فإن السمكة إذا وضعت في الماء دارت واستقبلت القطب الجنوبي بفمها، واستدبرت القطب الشمالي، وهذا من أسرار الخليقة، فإذا عرفوا جهتي الجنوب والشمال تبين منهما المشرق والمغرب، فإن من استقبل الجنوب، فقد استدبر الشمال، وصار المغرب عن يمينه والمشرق عن يساره، فإذا تحددت الجهات الأربع، عرفوا مواقع البلاد فيها، فيقصدون حينئذٍ الناحية التي يريدونها». ومع نشاط حركة الاستشراق والبحث العلمي في بدايات القرن العشرين، اهتم العلماء المستشرقون من الشرق والغرب بشكل واسع بعلوم ابن ماجد فتتبعوا معارفه وابتكاراته، ومنهم علماء الملاحة والفلك والجغرافيون: اليابانيون والصينيون والفلبينيون والأندونيسيون والهنود وكذلك علماء آسيا الوسطى وتركيا وروسيا وأوربا، فكتبوا الكثير عما توصل إليه ابن ماجد في علم الفلك وحركة النجوم ومواقعها وفي علم الملاحة وطرقها ومواسمها، وأقر بعضهم بما استفادت به الجامعات من علومه في مختلف التخصصات، ذلك إضافة إلى ما سبق أن كتبه المهتمون في الملاحة والفلك عبر القرون الخمسة السابقة. شهرة ابن ماجد وفي هذا المجال برزت دراسات أكدت أن وليم بورن نسخ عن ابن ماجد (رهمانج) البحر أو دليل البحر، وأشارت الكتابات أيضاً إلى أن بحار البرتغال الشهير (فاسكو دي غاما) قد استقى معلوماته عن بحر الهند من المخطوطات العربية لابن ماجد، وأذكر من المستشرقين الفرنسيين والإنجليز الذين كتبوا عن ابن ماجد أشهرهم وهم: غابرييل فران، وليو بولد دي سوسور، وهنري غراسيه غراند، وجيمس برنسب، وجيرالد آر تيبتز. ومن البرتغال كتب: ميرون ملكييل جيرمونسكي، وتكسيرا دا موتا، وليرينو برادس، وانطونيو فارينها. ومن روسيا كان أشهر من كتب عن علوم ابن ماجد: المستشرق يوليانوفيتش كراتشكوفسكي وهو ناشر كتاب ثلاث أزهار في معرفة البحار لابن ماجد. لقد انتشرت تصانيف ابن ماجد في حياته انتشاراً واسعاً في أوساط البحارة العرب الذين اتخذوا منها مرجعاً لحل قضاياهم الملاحية، ومنهم من نقلها إلى لغة الأوردو (ماجد كتاب) وبعضهم نقلها إلى اللغة العثمانية التركية (كتاب المحيط لأمير البحر التركي علي بن الحسين). وفي القرنين التاسع عشر والعشرين ترجمت ثلاث أراجيز في الإرشاد البحري إلى الروسية والبرتغالية. اعتبر كتاب المحيط لأمير البحر التركي علي بن الحسين عن تصانيف ابن ماجد مرجعاً للدراسات الأوروبية، فقد ترجمت فصوله إلى اللغة الألمانية والإنجليزية ابتداءً من عام 1838 من خلال الجمعية الآسيوية البنجالية المهتمة بالعلوم الجغرافية والملاحية، والتي نشرت فصول كتاب المحيط في مجلتها العلمية على مراحل. ومن ثم تحركت الأوساط العلمية الأوروبية مرةً أخرى في مطلع القرن الماضي لدراسة مصنفات ابن ماجد، فظهرت مقالات ودراسات في الدوريات المختصة وفي المحافل العلمية الملاحية والتجارية. قام المستشرق الروسي تيودور شوموفسكي بترجمة ثلاث أراجيز لابن ماجد (السفالية والمعلقية والتائية) إلى اللغة الروسية، وهي المخطوطة الوحيدة في العالم ويمتلكها المتحف الآسيوي لأكاديمية العلوم السوفييتية في ليننغراد، وعنها أخذ المستشرق الفرنسي غابريل فران الذي يعتبر علماً من أعلام الاستشراق ملم باللغات والآداب والعلوم الشرقية، واكتسب شهرة عالمية لاهتمامه بالملاحة العربية، فانصب اهتمامه لترجمة النصوص الملاحية العربية والبرتغالية العائدة للقرنين الخامس عشر والسادس عشر إلى اللغة الفرنسية مع الشروح والتعليق لذا كان اهتمامه بعلوم ابن ماجد وبمصنفاته كبيراً، فأصدر أربعة مجلدات اتبعها بمجلدين آخرين تفصيليين محفوظة في المكتبة الوطنية بباريس. وعمل الملاح والمستشرق الفرنسي ليولدي دي سوسور ـ الذي اكتسب شهرة واسعة في دراسة الفلك الصيني ومقارنته بالفلك البابلي والكلداني والفارسي والهندي ـ على شرح الجوانب الملاحية والفلكية في المرشدات البحرية العربية فكتب عن وردة الرياح واختراع البوصلة عند ابن ماجد. وممن تبعه في الدراسة والكتابة ملاح فرنسي آخر هو غروسيه غرانغ عمل قبطاناً في المحيط الهندي حتى عام 1971، حيث تقاعد وبدأ اهتمامه بالكتابة عن علوم الملاحة العربية، وتبعه أيضاً الباحث الكاتب الفرنسي البير كاميرير. وكان اهتمام المستشرقين الإنجليز شديداً أيضاً بدراسة مصنفات ابن ماجد وترجمة بعضها إلى الإنجليزية مع الشروح والخرائط والصور، وقد اشتهر منهم جيمس برنسب أمين سر الجمعية الآسيوية في البنجال ومركزها مدينة كلكوتا، والذي دأب على إجراء لقاءات مع النواخذة ومعالمة السفن العربية ونقل معلوماتهم عن آلات القياس التي يستعملونها وخاصةً ما جاءهم نقلاً عن ابن ماجد مما ورد ذكره في كتاب المحيط التركي. إلا أن أبرز المستشرقين الإنجليز في التوجه لدراسة الملاحة العربية وعلوم ابن ماجد كان المستشرق جيرالد د. تيبتز الذي استفاد من وجود علاقات طيبة له في باريس ودمشق وألمانيا الغربية حيث استفاد مما سبق ما كتبه البارون النمساوي جوزيف فون هامر بالألمانية عن الملاحة عن ابن ماجد. امتد نشاط تيبتز في الكتابة من عام 1956 وحتى عام 1971 حيث نشر العديد من الدراسات والمقالات في المجالات المتخصصة تناولت كتابات ابن ماجد وعلومه. فكتب الكثير من المقالات والدراسات مفصلاً بعض ما كتب ابن ماجد وخاصةً كتاب الفوائد والأراجيز الملاحية وأدوات القياس. ولم يقل اهتمام المستشرقين الروس عن غيرهم بالملاحة العربية وخاصةً مصنفات ابن ماجد، فكما وجدنا اهتمام أكاديمية العلوم السوفياتية وما حوته مكتبة ليننغراد من كتابات وخاصةً كتاب الرهمانجات الثلاث لابن ماجد الذي نشره تيودور شوموفسكي، كذلك عني المستشرق الروسي اغناطيوس بوليانوفيتش كراتشكوفسكي بدراسة علوم الملاحة والفلك عند العرب، فأصدر كتاباً عنوانه «تاريخ الأدب الجغرافي العربي» في أواسط القرن الماضي خص الجغرافية الملاحية العربية بالتحليل والشرح. ولعل المستشرقين الروس المعاصرين اتجهوا أيضاً لمتابعة سابقيهم في البحث عن العلوم العربية وترجمتها إلى الروسية، ومثالنا على ذلك المستشرقة مارينا تولماشيفا التي اهتمت بعلوم الفلك عند العرب مرتكزةً في ذلك على علوم ابن ماجد في تحديد الديرة النجمية ومواقع النجوم والكواكب. البرتغاليون والعرب احتفظ البرتغاليون بما حصلوا عليه من مخطوطات ملاحية عربية في رحلة فاسكو دي جاما الأولى، ولم ينشروا منها شيئاً على الملأ بل اكتفوا بتناقلها بين قائدي البحر والملاحين البرتغاليين، ولم تبرز دراساتهم حتى منتصف القرن الماضي حيث نشر شوموفسكي أراجيز ابن ماجد (الرهمانجات الثلاثة) في عام 1957. وإثر ذلك ترجم ميرون ملكييل جيرمونسكي تلك الرهمانجات إلى البرتغالية، ونشرته لجنة لشبونة التنفيذية بمناسبة الاحتفال بمرور خمسة قرون على وفاة هنري الملاح المتوفي عام 1460م، وهو نجل ملك البرتغال جان الأول، وعنهم نقلت مبادئ علوم ابن ماجد إلى الإسبانية والفرنسية والإنجليزية. ثم برز عدد من الباحثين والملاحين البرتغاليين الذين تابعوا الطريق في الكتابة عن الملاحة العربية والبحرية البرتغالية، وفي طليعتهم القائد البحري البرتغالي تكسيرا دا موتا، وليرينو برادس الذي كتب شروحاً لأرجوزة السفالية وحدد الأماكن الوارد ذكرها فيها. * ورقة قدمها الباحث في «ملتقى الفكر والثقافة في الخليج العربي ـ الدورة الثالثة» بتنظيم من دائرة الثقافة والإعلام في عجمان
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©