الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دعوة إلى مساجلة.. غائبة

17 يونيو 2009 02:33
لماذا تغيب المساجلات الثقافية عن ساحتنا المحلية؟ هل يعود ذلك إلى قصور لدى المثقفين انفسهم، أم أن المسألة تتعلق بانصراف وسائل الإعلام، خصوصا محطات التلفزة الأرضية والفضائية، إلى تغطية أنشطة أخرى، أو اقتصارها على تغطية النشاط من دون تحليله وتقييمه؟ أعتقد أن الإطلالة على آخر نشاط مميز في ساحتنا المحلية، ربما يقودنا إلى إعادة بسط المشهد الثقافي المحلي على سجادة (الرأي والرأي الآخر)، وثقافة التجربة والخطأ، ومعرفة مكامن العلة التي نحن بصددها. إبراهيم سعيد الظاهري * فقد نظم اتحاد كتاب وأدباء الإمارات لقاء لمناسبة مرور 25 عاما على تأسيسه. حول «دور المؤسسات الثقافية المحلية في العملية الثقافية بالدولة» والحديث في هذه القضية المهمة يتطلب الوقوف على المشهد الثقافي الإماراتي الذي أفرزته تلك المؤسسات، ومجازا يمكن القول انه مر بثلاث محطات رئيسية: الأولى: تبدأ من سبعينيات القرن الماضي والى نهاية الثمانينيات. والوسطى من نهاية الثمانينيات والى نهاية التسعينيات. وأما الثالثة فهي التي نعيش فصولها منذ عشر سنوات، أي مع بداية القرن الحالي.. وهذا التقسيم القصد منه تبسيط الفكرة، وسهولة عرض المعنى ليس إلاَّ. مساهمة المؤسسة الاتحادية إذا كانت المرحلة الأولى قد شهدت حراكا ثقافيا متميزا ساهمت فيه المؤسسة الاتحادية ممثلة بوزارة الإعلام والثقافة، والهيئات والمؤسسات الأخرى بدرجات متفاوتة، إلا أن الوزارة تميزت بموسمها الثقافي النوعي، ومراكزها الثقافية ومكتباتها العامة، وبدعمها للفرق المسرحية وفرق الفنون الشعبية وتسييرها القوافل الثقافية، وتبنيها للبرامج التراثية. كما كان لوسائل الإعلام المرئي والمقروء جهدا ملموسا في هذا النجاح من خلال الملاحق والصفحات الثقافية والبرامج التلفزيونية مثلـ»لقاء الفكر، ولآلئ من الخليج»، وفي تبني العديد من المواهب الشابة في مجالات الشعر والقصة والرواية، وإتاحة مساحات مناسبة لنشر نتاجهم عبر أشكال العمل الصحفي المختلفة من تغطية خبرية إلى حوار وتحقيق واستطلاع وزوايا يومية.. الخ أيضا كان للمجمع الثقافي وجمعية الاجتماعيين واتحاد الكتاب دورا ونشاطا فاعلا في هذا الجانب. وحفلت هذه الفترة بظهور تيارين فكريين أحدهما محافظ والآخر حداثي، ما أوجد تنافسا فكريا وافرز نتاجا ثقافيا في الساحة المحلية. ولعل اتساع هامش حرية الفكر والتعبير في تلك الفترة، أضاف بعدا آخر إلى الأبعاد السابقة، مما أدى إلى رفد الساحة الثقافية والإعلامية بأسماء ـ يضيق المجال هنا عن ذكرها- تحملت مسؤوليات العمل الثقافي والإعلامي في مؤسساتنا المحلية. المرحلة الثانية لم يحدث فيها تغيير ملحوظ، إلا أن أبرز ملامحها هو ثبات المشهد الثقافي، وعدم حدوث إضافات مؤثرة، اللهم إلا مؤسسات أخرى اضطلعت بنشاط فاعل، في مقدمتها المجمع الثقافي وجمعية الاجتماعيين، ودائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، واتحاد الكتاب. طفرة نوعية وشهدت المرحلة الثالثة طفرة نوعية وعودة الحركة إلى القطاع الثقافي، نتيجة لاهتمام القيادة السياسية بهذا القطاع بحيث أصبح ولأول مرة للثقافة إستراتيجية خاصة تنفذ بصورة مبرمجة من قبل وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، على مستوى دعم الكتاب والمسرح والفنون التشكيلية والجوائز التقديرية والمشاركات الخارجية، والقائمة تطول. وتشهد العاصمة أبوظبي نشاطا مكثفا من خلال هيئة أبوظبي للثقافة والتراث ومشروعاتها المتنوعة (مشروع كلمة وأكاديمية الشعر) والمشاريع الثقافية والفنية في جزيرة السعديات، وعلى رأسها إنشاء فرع لـ»متحف اللوفر العالمي» بالإضافة الى اقامة «متحف جوجنهايم» على الجزيرة نفسها ودار عالمية «للأوبرا» والفنون الحديثة. يضاف الى ذلك إنشاء المنطقة الإعلامية بأبوظبي والتي تحمل اسم «تو فور 54».. ويرمز الاسم الجديد إلى الإحداثيات الجغرافية لمدينة أبوظبي الواقعة على خط العرض 24 شمالا وخط الطول 54 شرقا.. والتي سوف تجعل من عاصمة دولتنا مركزا إعلاميا عالميا.. وكذا الحال في دبي حيث «المنطقة العالمية للإنتاج الإعلامي» و»مدينة دبي للإنترنت» و»هيئة دبي للثقافة» و»مشروع خور دبي الثقافي» حيث تطلع الإمارة بإقامة الأنشطة المختلفة بما يخدم الحركة الثقافية ودفعها نحو التأسيس المجتمعي. وفي عمق هذا الحراك الثقافي، بل تعتبر هي الرائدة فيه، يندرج دور دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، بينما تسعى بقية إمارات الدولة للمشاركة في هذا الحراك. ولا تغيب عن مشهدنا الثقافي المؤسسات الأهلية مثل مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، ندوة الثقافة والعلوم، مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث. وتضاف إلى المشهد الثقافي إيجابية أخرى في هذه الفترة، وهي ان النشاط الثقافي لم يعد يتركز فقط على مجال الآداب (قصة، رواية، شعر)، فقد انفتح الباب على مصراعيه أمام فنون أخرى كالفنون التشكيلية وفنون الأداء (مسرح، سينما، موسيقى) ومجالات العلوم (بحتة، تطبيقية، ابتكار علمي) ومجال الدراسات والأبحاث (علمية وفنية ونقدية وأدبية وإنسانية وتراثية) عبرت عن حضورها بمشاركات خارج حدود الدولة، وبرزت أسماء مميزة وضعت بصمتها على هذه الفنون والعلوم. الجامعة والصحف لكن ما يلاحظ على الفترة الحالية بكل ما تميزت به من اهتمام وتوفر الإمكانيات والبنى التحتية، تراجع دور المواطن قياسا على ما كان عليه الأمر في الفترة الماضية في تحمل مسؤولياته الثقافية والإعلامية، وعدم بروز أجيال جديدة في مجال القصة والرواية والشعر. كما تراجع دور اتحاد الكتاب الذي لم يعد بذاك البريق القديم. وتتحمل الصحف نصيبا في هذه الحالة بتقليصها مساحة الصفحات الثقافية فيها لصالح أنشطة وفعاليات أخرى تفرد لها صفحات وملاحقا، فضلا عن تراجع اهتمامها بالمادة الثقافية والفكرية. ولعل أهم سلبية ينبغي ان نتوقف عندها هنا، تتمثل في تراجع هامش الحريات وغياب المساجلات الثقافية والتي تميزت بها ساحتنا الثقافية في مرحلتها الأولى و انتجت وعيا جديدا مضافا؛ وأدت إلى امتدادات في الجامعة على سبيل المثال. أقول في الجامعة، لان هذه المؤسسة الراقية في أغلب بلدان العالم هي التي تهيئ فرص الحوار الخلاق، بين المتعارضين بالأفكار. ودليلي في ذلك ما شهدته الجامعات كجامعة السوربون في فرنسا واكسفورد في بريطانيا وهارفارد في أمريكا. وهذه الحالة أيضا شهدتها إسبانيا بعد الحرب الأهلية حيث ظهرت فكرة «الأجيال الأدبية» التي انتقلت إلى العالم عامة، وعالمنا العربي خصوصا. وفي روسيا القيصرية كان للتعارضات الفكرية والاجتماعية بين المحافظين والراديكاليين، أثرها في بروز حركات تجديد في الأدب الروسي. أما في العالم العربي، فكانت هناك في مصر مساجلات على هذا الطريق، لاسيما تلك التي جرت بين العقاد وسلامة موسى ومحاكمة طه حسين في النصف الأول من القرن الماضي. وما شهدته الساحة الثقافية المصرية في عقدي الخمسينات والستينات وبداية السبعينات. ربما أكون قد غاليت في تكبير بعض الهنات في ساحتنا المحلية. نعم؛ ولدي الكثير، فهل هنالك من يمسك بقلمه ويفند آرائي هذه بالدليل والبرهان العلمي والتوثيقي؟ أقول هذا من اجل توفير جو ملائم لمساجلات فكرية مسؤولة، إذ أن ما بات ينقص ساحتنا الثقافية فعلا، هو الحوار الخلاق والمبدئي والنزيه والمتكافئ، حيث يشترك الجميع في طرح أفكارهم ورؤاهم، بحرية تامة، عبر وسائل الإعلام كافة، وكذلك في النوادي والمؤسسات الثقافية المحلية. مرة أخرى، أدعو الزملاء الكتاب والإعلاميين والمثقفين والمفكرين عموما الى مناقشة ما اطرحه من أفكار هنا، فلعلنا نقدر على تحريك المياه في نهر الثقافة الواسع والمتجدد والذي لا يستطيع أحد عبوره مرتين. * مدير عام دائرة الثقافة والإعلام ـ عجمان
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©