الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

وجيه غالي قاد التطبيع مع إسرائيل ثم انتحر

وجيه غالي قاد التطبيع مع إسرائيل ثم انتحر
17 يونيو 2009 02:35
وجيه غالي، مثقف وكاتب مصري مجهول، غادر مصر نهاية الخمسينيات من القرن الماضي الى بريطانيا ومنها الى المانيا ثم بريطانيا ثانية، وفي عام 1964 أصدر في لندن روايته الوحيدة «بيرة في نادي البلياردو».. كان ماركسيا ومشبعا بالنزعة اليسارية، وفي عام 1967 أقدم على مغامرة خطيرة، ففي شهر يوليو، بعد الهزيمة بشهر واحد، ذهب الى اسرائيل، اذ تعاقد مع صحيفة «التايمز» اللندنية على أن يكتب لها رسائل صحفية من اسرائيل، ونشر مقاله الأول في 10 أغسطس 1967، وقدمته الصحيفة باعتبار أنه «قبطي ملتح» وأنه «على يسار عبدالناصر، وأنه مناصر للسلام مع اسرائيل» وجاء في ذلك التقديم أن جواز سفر وجيه المصري قد سحب منه، لأنه أعلن على الملأ موقفه من السلام، ولذا منحه الاسرائيليون تأشيرة دخول، لعل ذلك يؤدي الى اسقاط الحواجز. ويقول بعض النقاد الانجليز انه راهن على أن سفره الى اسرائيل سوف يفتح أمامه الحواجز في أوروبا لحل مشكلاته، فقد كان بلا عمل ولا مصدر للدخل، ولم يتحقق له شيء، من ذلك، وانتهى به الأمر الى أن انتحر في عام 1968. في مصر كان سفره الى اسرائيل حدثا مهولا بين المثقفين والكتاب، وتم التنديد به، ونظر اليه باعتباره خائنا، ولكن جاء انتحاره ليسدل الستار عليه تماما، ونسيه الجميع تقريبا، فقط في عام 1989 اعدت باحثة مصرية هي د. نادين جندي دراسة عنه باللغة الانجليزية، ولكن قبل عامين، عاد الاهتمام به من جديد في مصر، حيث صدرت ترجمة عربية لروايته، وصدرت طبعتها الثانية مؤخرا، وفي مايو 2008 اعد د. عبدالرشيد الصادق المحمودي دراسة عنه بعنوان «البحث عن وجيه غالي» نشرت في جريدة «القاهرة» بأربعة أعداد، وصدرت ضمن كتاب «أدباء ومفكرون» وبعد أن كان ينظر اليه في الستينيات باعتباره خائناً يقال عنه الآن إنه «المطبع الأول». أما في لندن فالرواية طبعت أكثر من مرة وقدمت أهداف سويف الروائية المصرية المقيمة في لندن وتكتب بالانجليزية، إحدى طبعات رواية وجيه غالي، واحتفى كبار النقاد الانجليز بالرواية. تحولات لندن الرواية التي ترجمتها هناء نصير وقدم لها د. ماهر شفيق فريد، تدخل منطقة أحجم عنها الروائيون المصريون، ربما بحكم ظروفهم الاجتماعية، وهي الارستقراطية المصرية سنوات الخمسينيات، أي منذ قيام ثورة 23 يوليو 1952 والى ما بعد تأميم قناة السويس، حيث تبدأ الرواية بخالة البطل وهي توقع عقود بيع الأطيان للفلاحين، وهو بيع صوري حتى لا يطال أملاكها قانون الاصلاح الزراعي، ويبدي البطل تعاطفا مع الثورة والضباط الأحرار، ويرصد ما يعده الزيف الاجتماعي والأخلاقي الذي تعيشه هذه الطبقة، من تفسخ انساني ضخم، ورصد دقيق لما يتم من إهدار لحقوق الفلاحين في الريف المصري. بين لندن والقاهرة تدور وقائع الرواية، وفي لندن يلتقي بمواطن انجليزي، ابن محصلة الاتوبيس، التي تدعوه الى بيتها، ويكتشف البطل أن ابن هذه السيدة كان جنديا في الجيش الانجليزي خدم في منطقة قناة السويس وفي عدن، ومن خلال الحوار بينهما يتذكر البطل مقاومة الفدائيين المصريين في منطقة القناة. ويسمع من الشاب الانجليزي كلاما سيئا بحق المصريين واهالي عدن. وينتقل البطل الى قناة السويس وما كان يجري فيها، ويرى أن القناة كانت غنيمة للفرنسيين من مرشدين وإداريين ومسؤولين «كان الفرنسيون الذين يأتون الى بلادنا يحصلون على وظائف سهلة ويتعالون على الجميع، إن البريطانيين المتحمسين لبلادهم أشخاص مسلون مع من يرافقهم من شابات مهتمات بالخيل. ولا يبدون سيئين إذا ما قورنوا بالبرجوازيين الفرنسيين، كانت شركة قناة السويس نعيماً للفرنسيين عديمي النفع ذوي الوساطة الذين يجلسون طيلة اليوم لا يقومون بأي عمل». ولذا فقد سعد بتأميم القناة عام 1956» أقول لكم، حين أممت القناة أردنا تقبيل أقدام البكباشي من فرط الاعجاب». ويقول ايضا «أتذكر حين أممت قناة السويس واستشاط حملة الأسهم الأجانب غضبا. كان تأميم القناة خطوة عظيمة، بخاصة في نظر أولئك الذين يعرفون ما كانت عليه الحال في النادي الفرنسي في بور فؤاد». تطبيع مبكر لا يعني هذا أن الرواية تقوم كلها على الاعجاب، بعبدالناصر، ولا أن الروائي ناصري، هو يأخذ عليه أمران.. الأول الاعتقالات للشيوعيين وتعذيبهم والثاني موقفه من اسرائيل، فهو ضد تسليح الجيش المصري لمحاربة اسرائيل. ويقول البطل «ان ثلث دخلنا ينفق على جيش يجهز لمحاربة مليوني يهودي ارتكبت ضدهم جرائم بشعة اثناء الحرب الماضية». وهو هنا يقصد الحرب العالمية الثانية، ويتناسى أن المليوني يهودي الذين تحدث عنهم لم يكونوا بائسين، بل كانوا مسلحين وعدوانيين الى اقصى حد، وهو لا يمانع ان يتخذ عبدالناصر قرارا بالصلح مع اسرائيل، حتى لو كان ضد رغبة الشعب المصري. «هو قوي بما يكفي ليتخذ قرارات غير مرحب بها من قبل الشعب، كما أننا نحن المصريين لا نهتم البتة بشأن اسرائيل». ويتحدث البطل عن زميل له، كان ماركسيا واعتقل لسبب غريب جدا. يقول عنه «كان ابنا لمزارع من الصعيد، يعيش على سبعة جنيهات في الشهر ينالها من العمل ليلا أبلسير في سينما. كان مثقفا ماركسيا رفض الاشتراك في الحرب ضد اسرائيل ما لم يقابل عبدالناصر بن جوريون في محاولة لحل الأزمة سلمياً. ذهب في هدوء كما اخبرني جيرانه، ولم يسمعوا عنه شيئاً». باختصار انتحر زميله من شدة التعذيب وراح ضحية إيمانه بالسلام بين مصر واسرائيل، ولنتذكر أن ذلك تم بعد تأميم قناة السويس مباشرة. الرواية مليئة بتلك التفاصيل، ويبدو أنها كانت تعبر جيداً عما يدور في ذهنه هو آنذاك، والدليل انه سافر الى اسرائيل في توقيت بالغ الصعوبة، لكن سفره لم يحقق له ما أراد، ففيما نشره عن الرحلة، اثبت مدى المعاناة التي يعانيها اللاجئون الفلسطينيون، وعنصرية الاحتلال الإسرائيلي. الرواية: بيرة في نادي البلياردو ? المؤلف: وجيه غالي ? ترجمة: هناء نصير
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©