عاد المستثمرون الأوروبيون للاهتمام بقوة بالقطاع الزراعي الذي كان ينظر إليه خلال السنوات الأولى من القرن الـ21 كأمر من الماضي، خاصة مع التراجع الكبير الذي طرأ على أسعار العقارات التجارية والسكنية مترافقاً مع أزمة أسواق المال العالمية·
ولم يتوقع أحد أن يسجل هذا القطاع مثل هذه العودة القوية التي سجلها خلال الأشهر القليلة بعدما شهدت الأسواق العالمية ارتفاعاً كبيراً في الطلب على المواد الغذائية، فنتيجة لذلك، ارتفعت عوائد الاستثمار في الزراعة في دول الاتحاد الأوروبي بشكل خاص إلى مستويات قياسية·
وفتحت هذه التطورات شهية الكثير من الصناديق الاستثمارية نحو الأراضي الزراعية وخاصة في بريطانيا التي ارتفعت فيها الأسعار إلى الضعف خلال العام الماضي·
ويقول مارك دوشينيز المدير التنفيذي لمجموعة مانشستر الاستثمارية: ''لقد أغلقنا صندوقاً للاستثمار الزراعي افتتحناه قبل أسبوعين بسبب كثرة العروض التي انهالت علينا إلا أننا نعتزم إعادة فتحه من جديد''، ولم يقدم دوشينيز معلومات إضافية عن قيمة صندوقه إلا أنه أشار إلى أنه يعتزم شراء أول قطعة أرض زراعية قريباً تبلغ مساحتها 800 ألف متر مربع، وتقضي خطة الصندوق بتأجير الأرض إلى مزارعين يحققون منها عوائدهم ويدفعون نسبة من مداخيلهم له·
ويبدو أن الاستثمار الزراعي أصبح الآن الخيار المفضل للمستثمرين الباحثين عن ملاذ آمن لأموالهم، ويقول دوشينيز في هذا الشأن: ''لن يقتصر الارتفاع السريع لأسعار الأراضي الزراعية على المملكة المتحدة وحدها، بل إن الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية يقتضي بالضرورة أن تتجه المحافظ الاستثمارية لشراء الأراضي الزراعية الرخيصة مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعارها وخاصة في أوروبا الشرقية والدول الناتجة عن تفكك الاتحاد السوفيتي السابق التي تتوفر فيها مساحات شاسعة من الأراضي البكر ذات الإنتاجية الزراعية العالية''·
وفي ليتوانيا مثلاً، يبلغ ثمن الهكتار (10 آلاف متر مربع) من الأراضي الزراعية 734 يورو (1167 دولاراً) مقابل 164340 يورو (261300 دولار) في لوكسمبورج التي تعد أراضيها الأغلى في أوروبا والعالم·
وخلصت دراسة أميركية إلى أن أسعار الأراضي الزراعية في بولندا ارتفعت بنسبة 60% بين عامي 2003 و2006؛ وتوقعت أن تتضاعف أسعار الأراضي في أوكرانيا خلال هذا العام الجاري بالرغم من أنها لم تنضم إلى الاتحاد الأوروبي؛ وسوف ترتفع أسعار الأراضي فيها من 3500 دولار إلى 7000 دولار للهكتار·
وسجل ارتفاع كبير على أسعار الأراضي الزراعية في صربيا؛ ففي منطقة فوجفودينا الشمالية الخصبة ارتفع سعر الهكتار من 5000 يورو العام الماضي إلى 8000 يورو خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري·
وما إن شعرت العديد من دول العالم التي تمتلك أراضي بكرا شاسعة بتدافع الصناديق الاستثمارية لشرائها، حتى عمدت إلى إصدار قوانين تهدف إلى تنظيم عملية بيعها إلى الأجانب، فأصدرت بولندا قانوناً يمنع بيع الأراضي للأجانب قبل حلول عام ،2016 ويرى الخبراء أن هذه الإجراءات لن تكون لها قيمة تذكر طالما أن في وسع الصناديق الاستثمارية الأجنبية أن تؤسس الشراكات مع المستثمرين المحليين لتجاوز هذه القوانين·
وفي بلدان يتم فيها تنظيم امتلاك الأراضي الزراعية بشكل أكثر صرامة مثل فرنسا، شهدت الأسعار تطوراً بسيطاً حيث ارتفع سعر الهكتار إلى 6000 يورو بزيادة تقدر بنحو 50% فقط عن سعرها عام ·2003
وتشهد بريطانيا ارتفاعاً سريعاً في أسعار الأراضي التي تضاعفت خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية بسبب الإقبال الكبير للمستثمرين الأجانب على شرائها·
وقال مارك ماك أندرو خبير الأراضي الزراعية في وكالة سترات أند باركر إن الأكر الواحد ''4000 متر مربع'' من الأراضي الزراعية الخصبة وصل إلى 13 ألف دولار، وبما يعني أن سعر الهكتار وصل إلى 32500 دولار ارتفاعاً من 7000 دولار قبل سنتين فقط·وما زال مشترو الأراضي الزراعية في بريطانيا يتدفقون من الدنمارك وآيرلندا منذ بضع سنوات لاستغلال الأراضي الخصبة هناك، فبالرغم من انخفاض أسعار الأراضي في دول أوروبا الشرقية، إلا أن المستثمرين يفضلون شراء الأراضي في بريطانيا بسبب الاستقرار السياسي والقوانين المتساهلة التي تسمح لهم بالشراء والاستثمار من دون عوائق أو عراقيل·
عن الفاينانشيال تايمز
عدد اليوم
