السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هل تراجعت سلطة الجيش في تركيا؟

هل تراجعت سلطة الجيش في تركيا؟
11 ابريل 2010 20:49
منذ تأسيس الجمهورية التركية قبل 87 عاما، وقف الجيش وصيا على الديمقراطية العلمانية، يتدخل عندما يعتبر ذلك ضروريا من أجل الإبقاء على الدين خارج السياسة في هذا البلد المسلم. لكن اليوم، وبعد أن انهالت عليه ادعاءات بالفساد والفضائح، باتت سلطة الجيش الذي لم يكن يتجرأ أحد على تحديه في السابق، تنفلت تدريجيا من بين يديه أمام جمهور واثق وحاضر بشكل متزايد. وتشمل دائرة المنتقدين طيفا متنوعا من المدافعين عن الديمقراطية والنساء المحجبات والصحافيين وغيرهم ممن يشتكون من أن قبضة الجيش على السلطة إنما تخدم مصلحة النخبتين الغنية والعلمانية في المقام الأول. وهكذا، بدأت التابوهات القديمة تنهار وسط تساؤلات جديدة حول نظام سياسي -عسكري تأسس على يدي كمال أتاتورك المبجل. وفي هذا الإطار، تتذكر سيرين كنار، وهي طالبة في الخامسة والعشرين، مشاركتها في مظاهرة بأحد شوارع أنقرة احتجاجا على تدخلات الجيش في السياسة عام 2007، وتقول إنها عندما لم تتعرض للاعتقال، "أدركتُ أن تركيا قد تغيرت". واليوم، يتحدث الأتراك حول الجيش وينتقدونه بكل حرية. واللافت أكثر هو أن ضباطا كبارا في الجيش، كانوا محصنين من أي نوع من أنواع المتابعة القضائية، اعتُقلوا في مؤامرة مفترضة لخلع حزب رئيس الوزراء أردوجان من السلطة؛ حيث يُتهم الضباط بالانتماء إلى منظمة سرية، تعرف باسم "إيرجينيكون"، خططت للإطاحة بأردوجان بعد انتخابه في عام 2002. لكن الاعتقالات أضعفت كثيراً معنويات الجيش وأثارت حفيظته، وهو الذي تعتمد عليه واشنطن التي تريد من تركيا الاستمرار على نهج الإصلاحات الدستورية، لكنها تريد من الجيش أيضاً أن يظل حليفا قويا يعُتمد عليه في المنطقة. وفي هذا الإطار، أشار أوباما إلى أهمية تركيا -التي تشترك في الحدود مع إيران والعراق وسوريا- قبل حوالي عام عندما جعل منها أول وجهة دولية له كرئيس، حيث قال للبرلمان التركي، بعد زيارته ضريح أتاتورك، إن "أعظم تركة لأتاتورك هي ديمقراطية تركيا العلمانية والقوية". غير أن تلك التركة باتت اليوم محورا لصراع السلطة القائم في تركيا. فأردوجان يدفع باتجاه إصلاح جوهري من شأنه تغيير دستور البلاد العسكري الذي اعتُمد قبل 82 عاماً، إذ تشمل الإصلاحات تغييرا لقوانين تمنع متابعة الضباط العسكريين قضائياً. وحسب استطلاع للرأي أجري مؤخرا، فقد قال 58 في المئة من المستجوَبين إن تركيا بحاجة إلى دستور مدني مقارنة مع 20 في المئة قالوا إنها لا تحتاجه. ويذكر هنا أن الجيش التركي لا يخضع بشكل واضح لسلطة الزعماء المدنيين، خلافا للوضع في الولايات المتحدة حيث الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة. وفي هذا السياق، تقول ياسمين كونجر، رئيسة تحرير "ترف"، الصحيفة التركية التي تأسست قبل سنتين وغطت أخبار "إيرجينيكون"، إن قائد هيئة أركان الجيش التركي "لا يعتبر نفسه خاضعاً لوزير الدفاع، ولا يعتبر نفسه خاضعاً لرئيس الوزراء"، مضيفة: "إن الحكومات المنتخَبة في تركيا لم تكن في يوم من الأيام هي السلطةَ الحقيقية... وهذا هو الأمر الذي بدأ يتغير الآن. إنه نوع من القوانين غير المكتوبة، كونهم يخضعون للجيش: فهو مؤسس الجمهورية، والوصي على النظام، والساهر على العلمانية. واليوم، بدأ ذلك يتغير قليلا، لكن بصعوبة شديدة". ونظراً لدورها المركزي والخطير في التشهير بمؤامرة "إيرجينيكون"، تتنقل كونجر بمعية حراس شخصيين، وتتجنب ركوب العبارة لتنقلها إلى مقر عملها في الضفة الأخرى من البوسفور، المضيق الجميل الذي يقسم اسطنبول ويفصل أوروبا عن آسيا، وذلك خشية اغتيالها. لكن بعض الأتراك يرون أن قصص الانقلاب تبدو موغلة في الخيال، بينما يرى أتراك كثيرون آخرون أنها حقيقية في دولة للجيش فيها سجل طويل في تنفيذ الانقلابات ضد الحكومات التي لا تعجبه. وبالنسبة لكثيرين، فإن الجانب الأكثر إذهالا في "إيرجينيكون" هو أنها تناقَش في كل مكان، ولم يستطع الجيش إغلاق ملفها. وفي هذا السياق، يقول دبلوماسي غربي في أنقرة وافق على الحديث شريطة عدم الإفصاح عن هويته، "إن الأمر المهم بخصوص إيرجينيكون ليس حدوثها، لأن ثمة بعض الحقيقة في هذه الادعاءات، بل هو أنهم تمكنوا من حل هذه الأشياء حتى الآن بدون أي نوع من الأزمات". في تركيا توجد صور أتاتورك في كل مكان تقريباً، غير أنه عندما أصدرت تركيا عملة جديدة العام الماضي وُضعت صورة مؤسس الدولة على جانب واحد فقط من الورقة النقدية، وليس على الجانبين. وإلى ذلك، فإن الجيش لم يعد يحرس مقر البرلمان، ما يعد تحولا رمزياً. غير أن لدى الجيش الكثير من المعجبين الذين يعتقدون أنه يسهر على عدم السماح للدين بإضعاف الطابعَ العلماني للدولة، خاصة وأن كثيرين هنا يعتقدون أن أردوجان يريد تحويل تركيا إلى دولة إسلامية، ويشيرون خاصة إلى جهوده في السماح للنساء بارتداء الحجاب في الجامعات التابعة للدولة، وتجريم الخيانة الزوجية، وإن فشل في المعركتين معاً- إضافة إلى انتصاره لفكرة فرض الضرائب على التبغ والكحول. ولعل مشكلة أردوجان الأكبر هي أنه فشل في إقناع جزء كبير من النخبة التقليدية بأنه لن يسلبهم حرياتهم العلمانية. وفي هذا الإطار، يقول أحد أبرز منتقديه، وهو الجنرال هالدون سولمازتورك، إن أردوجان قد لا يتخذ قرارات تحافظ على علمانية تركيا؛ لكن العديد من الأتراك يتساءلون ما إن كانت رؤية أتاتورك ملائمة لتركيا الحديثة والمتنوعة، والمتطلعة لعضوية الاتحاد الأوروبي. ومن جانبها، تتوقع كنار، الطالبة في أنقرة، أن تزداد المظاهرات ضد الدور المهيمن للجيش في المجتمع، إذ تقول: "إن الإفراط في استعمال أتاتورك خلق جيلا مثل جيلي". جانين زكريا - اسطنبول ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©