الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السلاح النووي والإفراط الأميركي-الروسي

11 ابريل 2010 20:51
"فيتالي كاتاييف" كان رجلاً لا يفارقه قلمه، وبوصفه موظفاً في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي خلال العقدين الأخيرين من الحرب الباردة، اشتغل على كل أنظمة الأسلحة الرئيسية، حيث كان جزءاً من عمله يقوم على تتبع المجمع الضخم لصناعة الغواصات السوفييتية والصواريخ الاستراتيجية التي تطلق من البحر. وقد ترك سجلات ثمينة كتبها بخط يده في دفتره، مرفوقةً في أحيان كثيرة برسوم بيانية تعكس تدريبه الأكاديمي كمصمم للطائرات والصواريخ. أرشيف "كاتاييف"، الذي اطلعتُ عليه أثناء البحث في كتاب حول نهاية الحرب الباردة، يكشف كيف أن الاتحاد السوفييتي كان يفرط في تكديس الأسلحة في إطار سباق التسلح مع الولايات المتحدة. وذات مرة، سجل "كاتاييف" ملاحظاته أثناء زيارة قام بها إلى مَصنعين لصنع صواريخ تطلق من الغواصات وحواره مع المدراء فيهما. وعندما لفت إلى أنهم يهدرون المال على صنع أسلحة لا يستعملها أحد، عارض مسؤولو المصنع كلامه وتذكر "كاتاييف" جواب أحدهم: "إن طلبية صنع الصواريخ قد صدرت، وهي مشمولة في المخطط، والتمويل قد مُنح، وبالتالي، فإننا نقوم بالتصنيع... أما الطريقة التي سيتم بها استعمال هذه الصواريخ من قبل الجيش، فتلك ليست مشكلتنا". إن الإفراط في التسلح الذي أشار إليه "كاتاييف" ناتج عن عقلية الحرب الباردة التي تشكلت خلال مواجهة محتدمة وطويلة بين القوتين العظميين. أما اليوم، فإن سباق التسلح ذاك قد انتهى؛ ومعه انخفض عدد الأسلحة النووية في العالم من أكثر من 60 ألفا في ذروة الحرب الباردة إلى نحو 23 ألف سلاح نووي اليوم، 95 في المئة منها مازالت في حوزة الولايات المتحدة وروسيا. غير أننا لم نتخلص بعد من عقلية الإفراط في التسلح؛ وحتى في ظل اتفاقية الأسلحة الاستراتيجية الجديدة التي تم توقيعها الأسبوع الماضي، فإننا ما زلنا أمام حالة إفراط في الأسلحة النووية، بطريقة لا تجعلنا آمنين. الاتفاقية التي وقعها في العاصمة التشيكية براغ يوم الخميس الرئيسان الأميركي والروسي تحدد سقفاً هو 1550 رأسًا نووياً لكل بلد بحلول 2017. غير أن مراجعة الاستراتيجية النووية التي قامت بها إدارة أوباما، والتي تم الإفراج عنها الأسبوع الماضي، اعترفت تقريباً بأن هذا العدد من الرؤوس النووية مازال مرتفعاً حتى تظل ترسانة الولايات المتحدة متساوية تقريبا مع حجم نظيرتها الروسية. وفي هذا الإطار، قالت الوثيقة إن "الحاجة إلى تساو عددي صارم بين البلدين لم يعد قوياً مثلما كان عليه الحال إبان الحرب الباردة" ، ولكنها حذرت من أن "التفاوت الكبير في القدرات النووية يمكن أن يثير التخوفات على الجانبين وبين حلفاء الولايات المتحدة وشركائها، ويمكن أن يؤدي إلى عدم الحفاظ على علاقة استراتيجية ومستقرة على المدى الطويل، ولاسيما في وقت يتم فيه خفض القوى النووية بشكل مهم". بعبارة أخرى، لا يمكننا أن نخفض أسلحتنا النووية إذا لم تقم روسيا بخفض أسلحتها النووية أيضاً. ولذلك، فإننا سنظل نتوفر على أكثر مما نحتاجه من الأسلحة. هذه الحسابات تقف وراءها فكرة القوة المضادة التي كانت سائدة خلال الحرب الباردة: أنَّ محاربينا يجب أن يكونوا مستعدين ليس لتهديد المدن الروسية فحسب، وإنما لاستهداف قواهم الاستراتيجية المتعددة. وهو ما يجعلنا نبدو كما لو أننا مازلنا نعيش في زمن الحرب الباردة. ذلك أننا مازلنا، في عصر حيث لم يعد بَلدانا خصمين، نتمسك بمفهوم عفا عليه الزمن لأن الجانب الآخر يفعل ذلك أيضاً، وضمن هذا الإطار يقول تقرير مراجعة الاستراتيجية النووية إن الولايات المتحدة وروسيا "مازالتا تحتفظان بعدد أكبر من الأسلحة النووية مما يحتاجانه من أجل الردع". وفي ورقة العام الماضي، دعت "فيدرالية العلماء الأميركيين إلى إلغاء القوة المضادة وتبني مهمة "أقل قدر ممكن من الردع" جديدة تجعل من الرد بعد ضربة نووية الهدف الوحيد من الأسلحة النووية، وهو ما من شأنه بالطبع أن يفضي إلى عدد أقل من الرؤوس النووية مما تسمح به اتفاقية براغ. غير أن أوباما، وعلى الرغم من دعواته إلى عالم خال من السلاح النووي، لم يذهب بعيداً على هذا الطريق. ذات مرة خلال ندوة داخلية في الكريملن حول الصواريخ، لفت "كاتاييف" انتباه نائبَ قائد الجيش إلى أن الاتحاد السوفييتي يبالغ في تكديس الأسلحة النووية إذ قال: "لقد بات تكديس هذه الأسلحة يتجاوز مستوى السلامة وبلغنا مرحلة حيث تحولت أسلحتنا وأسلحة الأميركيين النووية من كونها وسيلة للردع إلى مصدر خطر متزايد". لقد مر ربع قرن على كلام "كاتاييف"؛ وبينما يجتمع زعماء العالم بواشنطن هذا الأسبوع من أجل المشاركة في قمة حول الأمن النووي، عليهم أن يدركوا أن تهديدات اليوم أكثر انتشارا من الماضي، لكن احتمال أن تُردع بواسطة الأسلحة النووية أقل بكثير مما يتوقعه البعض. وفي غياب أعباء الحرب الباردة التي تقيدنا وتكبحنا، فإننا تأخرنا جداً في التخلص من تركتها - تركة الإفراط في التسلح النووي. ديفيد هوفمان - محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©