الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

حُسْن اختيار الأصدقاء

حُسْن اختيار الأصدقاء
7 ابريل 2017 15:50
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً)، «سورة الفرقان: الآية 27 - 29». جاء في كتاب صفوة التفاسير للصابوني في تفسير الآيات السابقة: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ...)، أي واذكر يوم يندم ويتحسر الظالم على نفسه لما فَرَّط في جنب الله، وعضُّ اليدين كنايةٌ عن الندم والحسرة، والمراد بالظالم «عُقبة بن أبي معيط»، كما في سبب النزول، وهي تعمُّ كل ظالم، قال ابن كثير: يخبر تعالى عن ندم الظالم الذي فارق طريق الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسلك سبيلاً غير سبيل الرسول، فإذا كان يوم القيامة ندم، حيث لا ينفعه الندم، وعضَّ على يديه حسرةً وأسفاً، وسواءٌ كان نزولها في «عقبة بن أبي معيط» أو غيره من الأشقياء فإنها عامةٌ في كل ظالم، (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً)، أي يقول الظالم يا ليتني اتبعتُ الرسول، فاتخذت معه طريقاً إلى الهدى ينجيني من العذاب، (يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً)، أي يا هلاكي وحسرتي، يا ليتني لم أصاحب فلاناً وأجعله صديقاً لي، ولفظ «فلان» كناية عن الشخص الذي أضلَّه، وهو «أبيّ بن خلف». ومدح النبي - صلى الله عليه وسلم - الصداقات التي تقوم على الإخاء الصادق وعلى التعاون على البر والتقوى، وعلى المحبة الخالصة لوجه الله وعلى تبادل المنافع التي أحلَّها الله سبحانه وتعالى، ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه: «إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلالِي، الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلِّي»، (أخرجه مسلم). وَعَدَّ - صلى الله عليه وسلم - من بين السبعة الذين يظلهم الله في ظله وفي رحمته وكرامته رجلين تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، كما جاء في الحديث أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ»،... وذكر منها: «... وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ»، (أخرجه البخاري). والإنسان اجتماعي بطبعه، فهو بحاجة إلى أصدقاء يلتقيهم ويأنس بمجالستهم، فهو لا يستطيع أن يعيش في عزلة عن غيره. والصداقة بين الناس علاقة اجتماعية تتجاوب مع الفطرة، لذلك يجب على الإنسان أن يُحْسن اختيار صديقه، كما جاء في الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ»، (أخرجه الترمذي)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - أيضاً: «لا تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤْمِنًا، وَلا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِيٌّ»، (أخرجه أحمد). فالمرء يُعرف بقرينه، والصديق الحقّ هو الذي يقف مع صديقه عند الضيق، والصاحب ساحب، فالصديق يأخذ بيد صديقه إلى السعادة والخير في الدنيا والآخرة إذا كانت صداقتهما خالصة لوجه الله سبحانه وتعالى، لذلك أمر الله تعالى بصحبة المتقين وملازمتهم والحرص عليهم، كما في قوله تعالى: (وَاصْبرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ)، «سورة الكهف: الآية 28»، كما أنه يورد صديقه موارد الهلاك إذا كانت صداقتهما قائمة على المعاصي والفجور، حيث أمرنا الله سبحانه وتعالى بالإعراض عن الفجار والفسقة والحذر منهم، كما في قوله تعالى: (فَأَعْرِضْ عَمَّنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)، «سورة النجم: الآية 29». وأخرج الإمام مسلم صحيحه عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحاً طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً»، (أخرجه مسلم). لقد أمرنا رسولنا - صلى الله عليه وسلم - أن نتخير أصدقاءنا، فالجليس الصالح هو الذي ترتاح إليه نفسك ويطمئن به فؤادك، وتنعم بمجالسته وتسعد بصحبته، وقد شبهه رسولنا - صلى الله عليه وسلم - ببائع العطور، الذي ينفحك بعطره ويغمرك بنشره، فإما أن يهديك وإما أن تجد عنده ريحاً طيبة، فأنت معه في ربح دائم ونشوة غامرة. أما جليس السوء، فليس هناك أبلغ من تشبيهه بالحدَّاد الذي ينفخ بكيره، فأنت معه في خسارة دائمة، فإن لم يحرقك بناره أحرقك بشراره، فصحبته همٌ دائم وحزنٌ لازم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©